السبت 2017/09/16

من سيحكم الرقة بعد تنظيم الدولة؟ .. “صراع العروش حول الأرض والسلطة بين الأكراد والعرب ونظام الأسد”

مقال عن مجلة "فورين بوليسي"

ترجمة : مركز الجسر للدراسات

في عين عيسى بسوريا، قاتلت "قوات سوريا الديمقراطية" ( الوحدات الكردية ) التي تدعمها الولايات المتحدة مدة ثلاثة أشهر من أجل تحرير الرقة من قبضة تنظيم الدولة، وقد استطاعت هذه المليشيات، بحسب تقارير، السيطرة على 70% من مجموع أراضي المدينة، إذ ستطرد "الجماعات الجهادية" من المدينة في النهاية، لكن مصير الرقة يبقى مجهولا.

تقول بعض التقارير إنه سيتم تسليم المدينة لمجلس تابع لدمشق، وهو ما ترفضه " قسد "بشدة، فهي تطمح لإنشاء مؤسسات بالمدينة مستقلة عن الفروع الأمنية التابعة لنظام الأسد.

يشكل صراع الرقة تنافساً حول مناطق النفوذ في الجهة الشمالية والشرقية لسوريا، إذ تتقدم قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران نحو شرق دير الزور مقتربة بذلك من خطوط تواجد "قسد" جنوب المدينة،  وهو ما أدى إلى نشوب نزاعات بين هذه القوات، في الوقت الذي تقوم فيه القوات التركية و الثوار الذين تدعمه أنقرة بتهديد وجود "قسد" غرب الرقة، واحتمال شن هجمات على مواقعها، ويبدو أن روسيا قد  حالت دون ذلك حتى الآن.

لم تُظهِر "قسد" أي نية لتسليم الرقة لأحد منافسيها، فمن المحتمل أن تصبح المدينة جزءاً من الفدرالية مستقبلاً أو تابعة لها بطريقة ما؛ ما يعني أن أفضل خيار أمامها الآن هو إنشاء مؤسسات محلية كتلك التي أُنشِئَت في المناطق التي سيطرت عليها الوحدات الكردية سابقا.

فلا تزال مدن كـ"عين عيسى والطبقة ومنبج" تعاني من مشاكل شائكة لارتباطها بنظام الأسد، بالإضافة إلى مشاكل أخرى متعلقة بالفوارق الاجتماعية بين مختلف الطوائف العرقية، وتلك التي تتعلق بإعادة إعمار هذه المدن عبر شبكة تضم مختلف المجالس المحلية، أما بالنسبة لمجلس الرقة المدني، الذي ترأسه قيادات عربية وكردية، والذي تم تأسيسه في عين عيسى، فإنه سيتم نقله لمدينة الرقة حالما تحرر.

وقد ساعد عمر علوش ، وهو عضو كردي بارز في المجلس المدني للرقة، في تأسيس عدة مجالس أخرى في عدة مدن كتل أبيض ومنبج، وقد صرح لمجلة "فورن بوليسي" أنه بعد تحرُّر الرقة سيقرر سكانها إذا ما كانوا يريدون الانضمام لنظام الفدرالية اللامركزية التي أسسها الأكراد في ثلاث مناطق شمال سوريا،  وهو ما سيحصل أيضا في منبج التي لم يتم إلى الآن ضمها للإدارة الكردية، التي تعتزم إجراء انتخابات هذه السنة والسنة القادمة.

وأضاف علوش أن "سكان الرقة هم من سيقومون بإدارتها ولن نسمح  بتدخل النظام في شؤونها"؛ إذ إن المجالس التي تم إنشاؤها في مدن كالطبقة ومنبج وتل أبيض تتكون من عدة أعراق، ووفق ما يتماشى وبنيتها الديموغرافية، كما تخضع هذه المدن لحكم ذاتي عبر لجان تهتم بشؤون كالتعليم وإعادة الإعمار والأمن وتأمين خدمات كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب، ومعظم أعضاء هذه اللجان عرب، على الرغم من أن للأكراد دوراً مهماً في قيادة وتأسيس هذه المجالس.

قبول دعم النظام ورفض سيطرته:

لا يزال بعض عمال المجالس البلدية  يتلقون أجورهم من النظام في المناطق المحررة، وهو ما لا يعترض عليه المسؤولون المحليون؛ لكنهم عبروا عن موقفهم الرافض لتدخل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في المنطقة.

وقد قال علوش إنه "عندما يتعلق الأمر بالجيش وجهاز المخابرات والمحاكم والشرطة فإنه يمنع تدخل هذه الأجهزة"، مضيفاً أن مليشيات النظام تأتي من أجل النهب والتدمير وتعذيب السكان، ولا يمكن السماح بدخولها للمناطق المحررة".

وقد صرح مسؤول أمريكي لـ"فورين بوليسي" -فضّل عدم الإفصاح عن اسمه-،  إن النظام لايزال يدفع الرواتب في المناطق التي لم تعد تحت نطاق سيطرته منذ سنة 2012 ، من أجل استرجاع نفوذه هناك، وهو ما سيحدث على الأرجح في المناطق التي تسيطر عليها "قسد".

وأضاف المسؤول نفسه أنه " ليس من المستبعد أن يسعى النظام لإعادة ربط اتصاله بأماكن أخرى، فعلى ما يبدو أن العديد من السوريين لا يريدون عودة سوريا إلى فترة ما قبل 2011. ومن جهة أخرى، من المحتمل أن تكون هناك بعض العناصر التي لا ترفض ربط الاتصال بنظام دمشق، وتسعى للاستفادة منه، كالخِدمات المدنية ورواتب المدرسين والخدمات الإدارية".

فقد اتفق المدنيون والمسؤولون في قرى كمنبج والطبقة بالإجماع على رفضهم التام لعودة النظام إلى تلك المناطق.

وقد صرح محمود الطائي، وهو عضو بالمجلس المدني لمنبج، قائلا " نحن نعتبر النظام عصابة ذات سلطة ونرفض وجودها، لكن هناك العديد من الناس الذين يتقاضون رواتبهم منها وهو أمر طبيعي".

لكنه أيضا فصل بين هذا وبين رجوع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام ووكلائها لمدينة منبج، مضيفاً "لقد التقيت بالمليشيات الإيرانية غرب منبج وهم لا يتحدثون العربية، ونحن نرفضهم" .

والآن عندما أصبح بقاء بشار الأسد في السلطة أمراً واضحاً للجميع، يحاول النظام إقناع بعض القبائل العربية بتمهيد الطريق لعودته إلى المناطق التي تسيطر عليها "قسد"،  وهو ما تحاول هذه المليشيات الحؤول دون حدوثه، وتهدد أولئك الذين يحاولون الانضمام للنظام بالاعتقال.

وقد قال عمر علوش بهذا الخصوص " بإمكانهم الذهاب إلى دمشق وتطبيق أجندتهم هناك إن أرادوا، أما هنا فلا نسمح بتطبيق أي أجندة للنظام  بالمناطق المحررة".

 

التعليم وحقوق المرأة:

تتعدى المشاكل التي تواجهها الإدارات المحلية تلك المتعلقة بالأمن، فتجد نفسها مجبرة على التعامل مع مشاكل تتعلق بالمنظومة التعليمية والآراء المتباينة بخصوص ملف حقوق المرأة التي يتبناها كل من الأكراد والعرب.

ستطبق المدارس في كل من منبج وعين عيسى والطبقة المقرر القديم الذي كان يتبع في عهد النظام، وصرح الطائي -المسؤول في المجلس المدني لمنبج - بأن 20% فقط من المدرسين لا يزالون يتقاضون أجورهم من النظام، بينما يتم تعيين البقية ودفع رواتبهم من طرف المجلس المحلي.

وقد صرح علوش -عضو المجلس المدني للرقة- بالقول " سيدرس المقرر باللغة العربية على منوال النظام القديم، لكننا سنقوم بإزالة المواد التي تحرض على العنصرية والمواد القديمة".

وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن المساواة بين الجنسين في المناطق الخاضعة للأكراد، فإن للقبائل العربية التي تتواجد في هذه المناطق رأياً آخر؛ إذ لم تقم قرى كمنبج والطبقة بمنع ممارسات كالتعدد خوفاً من الغضب الشعبي، على كس تل أبيض التي جعلت من التعدد ممارسة غير قانونية.

وقد علقت فرح الحسين " 28 سنة، وهي موظفة في القسم الذي يعنى بالتعليم في مجلس الطبقة" معلقة على هذا الموضوع " ستفرح النساء بهذا القرار، لكن الرجال لن يقبلوه وسيحتجون ضده" .

فالتعدد مسموح به في مدينة منبج التي حُررت من قبضة تنظيم الدولة منذ أكثر من سنة، وقد قال الطائي معلقا في هذا الشأن "إن هذا أمر يدخل في إطار الحرية الشخصية". مضيفا " قوانيننا لا تطابق قوانين القامشلي وكوباني" وهما مدينتان ذات غالبية كردية.

 

مهمة إعادة الإعمار الشاقة :

في الوقت الذي تستطيع فيه الإدارات المحلية تدبير بعض النشاطات المتعلّقة بإعادة الإعمار، فإنها بحاجة إلى الدعم الدولي بخصوص المهام الكبرى، وهو دعم لم تتوصل له بعد -على حد قولهم-.

ففي الطبقة، على سبيل المثال، لاتزال تحتاج هذه المدينة للمزيد من العمل،   وقال أحمد سليمان "وهو النائب الجديد لرئيس المجلس المدني للطبقة" إن جميع أعضاء المجلس تطوعوا للعمل ولم يتلقوا أية رواتب أو امتيازات في المجلس، أما بالنسبة إلى أولئك الذين يقدمون الخدمات للبلديات فأجورهم تتراوح ما بين 50 و100 دولار في الشهر.

وقال سلميان إن المجلس قد وفّر الكهرباء والمخابز والخدمات الأساسية، لكن إصلاح كل الدمار الذي سببته الحرب يفوق قدرات المجلس المحلي، وشدد على نقص الدعم من أجل إعادة الإعمار، إذ لا يزال سد الطبقة على حاله دون إصلاح، كما لايزال مليئاً بالألغام التي قام تنظيم الدولة بزرعها.

 

ستكون مهمة إعادة إعمار الرقة تحدياً عقب تحريرها،  فقد قدّر مسؤولون محليون أن الخسائر التي تكبدتها الرقة أكثر بكثير من الخراب التي طال المدن الأخرى التي تقع تحت سيطرة الأكراد، وبينما يرحب الأكراد بالمساعدة الدولية بخصوص إعادة إعمار مناطقهم، فهم يقولون إنهم لم يتلقوا بعد أي مساعدة أمريكية، فقد أرسلت إدارة الرئيس دونالد ترامب فريقاً يتكون من سبعة أشخاص للمناطق التي سيطرت عليها "قسد" قبيل هذا الصيف؛ لتقييم الاحتياجات الإنسانية المستعجلة. وقال سليمان في تصريح له "نطلب من المؤسسات الدولية إعادة بناء البنيات التحتية كالمستشفيات ومحطات الطاقة ومحطات المياه الصالح للشرب"، مضيفاً " لقد جاء بعض الأمريكيين لعقد الاجتماعات لكننا لم نتلق أي دعم منهم".

فبعد انتهاء عملية الرقة، سيواجه المجلس التابع لـ"قسد" العديد من التحديات،  فهل سيستطيع هذا المجلس الحفاظ على ولاء القبائل العربية وتوفير الخِدمات وفرص العمل في المناطق المحررة حديثا؟  سيحاول النظام استغلال هذه المشاكل لإضعاف المجلس وحله، فحتى الآن لم يحقق هذا المجلس نجاحات باهرة.

التغيرات في ميزان القوى المحلية المتواجدة في سوريا ستؤثر في مصير الرقة، كما إن اعتماد "قسد" على الولايات المتحدة سيضعفها.

فإذا قررت واشنطن سحب قواتها من سوريا، ستكون "قسد" مجبرة على عقد صفقة مع روسيا ونظام الأسد، فبدون دعم هذه الأخيرة ستكون المناطق الخاضعة لسيطرتها عرضة لهجوم القوات التركية،  كما يقول مسؤولون أكراد إن إيران تقوم بنشر عدد من مليشياتها على الأرض والتي تعارض أي نوع من الفيدرالية شمال سوريا.

يقول نيكولاس هيراس، وهو عضو في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن "نظام الأسد ينهج سياسة نشطة للتقليل من التواجد العسكري الأمريكي في سوريا على الأرض، ويبدو أن روسيا لا تعارض هذه السياسة بل تتفق معها". مضيفاً أن "روسيا لا تريد أن ترى تفويضاً عسكرياً أمريكياً دائماً في سوريا، وهو أيضاً ما يخشى الأسد حصوله".

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد المسؤولون الأكراد أن الولايات المتحدة ملتزمة بتقديم الدعم لهم في السنوات القادمة. وحول ذلك ذلك قال عبد السلام أحمد، "وهو مسؤول كردي في القامشلي" : "إن وجود أمريكا في المنطقة ليس مؤقتا لأن لديها مصالح هنا" مردفاً أن " الولايات المتحدة لا تريد لروسيا وإيران أن تنفردا بالسيطرة عليها".

إذا لم تكن للولايات المتحدة نية بمواجهة طهران أو موسكو، فسعيها للقضاء الكلي على تنظيم الدولة لن يتلاشى بهذه السرعة . وبينما يحاول الأكراد ضم المزيد من المجموعات إلى عاصمتهم الفعلية، يعتقد المسؤولون الأكراد أن واشنطن تراهم شريكاً جيداً للقضاء على "الجماعات الإرهابية" في المستقبل القريب. وحسب ما يصف أحمد " فحتى إن تم القضاء على تنظيم الدولة عسكرياً، سيبقى الخطر مُحدقاً وستسعى الولايات المتحدة إلى القضاء عليه".