الأربعاء 2017/12/06

مستقبل اليمن بعد مقتل صالح ( ترجمة )


العنوان الأصلي : ما مستقبل اليمن الآن بعد موت صالح؟

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


انتهت حقبة من تاريخ اليمن في 4 كانون الأول/ ديسمبر الحالي باغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي حكم اليمن بشكل رسمي وغير رسمي لمدة 39 عاما.

كانت مهمة شبهها "بالرقص على رؤوس الثعابين"-  وهو وصف مهم بالنظر إلى أن أعضاء من جماعة الحوثيين، والتي تحالفت مؤخرا مع صالح، متهمة بقتله إثر محاولته الفرار من مدينة صنعاء. بعيدا عن العاطفة، من الصعب تخيل يمن بدون صالح. فقد تدخل الرجل في سياسة البلاد وصراعاتها لأكثر من أربعة عقود، وسيغير موته مجرى الحرب الأهلية في اليمن إلى الأبد.

تضاربت الساحة الدولية حول استعادة صالح رئاسة اليمن منذ 2011، لكنه حافظ على نفوذه لدى العديد من أتباعه وعلى الخصوص أولئك الموالين لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان له وجود سياسي لعقود في اليمن. فخلال السنوات الثلاثة الأخيرة الماضية، حاربت القوات التابعة له الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة والتي تتواجد بالسعودية، إذ أعربت مؤخرا هذه الحكومة عن استعدادها للتفاوض بشأن عودته المشروطة للسلطة. والآن وقد تم إبعاد صالح بشكل دائم عن الساحة السياسية اليمنية، قد يتوجه الصراع العسكري نحو السعودية وباقي بلدان مجلس التعاون الخليجي على المدى البعيد. لكن وقبل أن يصبح ذلك جليا، سيُحدث موت صالح جلبة كبيرة وغموضاً في الحرب التي تمزِّق اليمن.

قوة مؤقتة:

إن اغتيال صالح والأحداث التي أدت إلى ذلك تُظهر عزم الحوثيين على تشديد قبضتهم على صنعاء ومدى جاهزيتهم للحظات الحاسمة في حال فُكّك التحالف الهشّ الذي جمع كلاً من قائدهم عبد الملك الحوثي وصالح. (ففي النهاية، خاض هذا الأخير ست حروب ضد الحوثيين عندما كان رئيساً).  وفي 2 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي بدأ التحالف بالتفكك بشكل مطرد، وتصدع أخيرا بعد أن أعلن صالح نيته الدخول في تفاوض مع التحالف الذي يقوده مجلس التعاون الخليجي وأنه سيقاتل ضد الحوثيين. مباشرة وبعد هذا التصريح، انتزعت القوات الموالية لصالح عددا من المنشآت الحيوية التي كانت تحت سيطرة الحوثيين، لكن الحوثيين قاموا بحملة مضادة قوية شملت تفجير منازل شيوخ القبائل الذي دعموا انشقاق صالح من تحالف المتمرّدين. استطاعت قوات الحوثيين استرجاع أجزاء من البنى التحتية؛ الشيء الذي شلَّ مفاصل المدينة صنعاء.

رد الحوثيين السريع والحازم في صنعاء وقدرتهم على اغتيال الرئيس المتمرد الذي خانهم عزز فورا من موفقهم. لكن آفاقهم قاتمة أكثر من قبلُ، وخاصة على المدى الطويل. إذ إن انشقاق صالح أفقدهم الكثير من الحلفاء الموالين لهم وكذا معداتهم الثقيلة. وعلى الأرجح أن هجومهم المضاد هذا أفقدهم الكثير من الدعم القبَلي الذي هم بحاجته للحفاظ على صنعاء تحت سيطرتهم. يعلم الحوثيون أن الدعم الذي يتلقونه ضئيل للغاية، وقد بدؤوا في محاولة استرجاع ولاء حلفائهم من القبائل والتابعين لهم، حيث بلغت جهودهم حد تقديم التعازي لموت صالح.

ليس أمامهم الكثير من الوقت، فرد التحالف الجديد الذي يقوده مجلس التعاون الخليجي في صنعاء قيد التنفيذ، إذ يسعى التحالف إلى استعادة سيطرته على صنعاء بعدما قام الحوثيون بانتزاعها منهم 2015. والآن، مع موت صالح وانعزال الحوثيين أكثر من أي وقت مضى، يعمل التحالف على تكثيف جهوده. فقد اشتدت الهجمات الجوية في نهاية الأسبوع الماضي، كما إن هناك تقارير تؤكد توجه كتائب جديدة إلى جبهة نهم حيث توقفت المعركة منذ أشهر.

فرح تحالف مجلس التعاون الخليجي للحظة بانقلاب صالح ضد الحوثيين الذين يتهمون بأنهم وكلاء لإيران. فدول الخليج العربي وعلى وجه التحديد السعودية، تعتبر وجود أنصاف حلفاء، كصالح، أفضل من عدمه ضد التهديد الذي يشكله عملاء إيران في الجزيرة العربية. غير أن إمكانية قيام شراكة بين تحالف مجلس التعاون الخليجي وصالح امتدت قرابة 72 ساعة فقط قبل أن يتم قتل صالح، ما دفع التحالف الخليجي للإسراع للبحث عن بديل آخر. من الممكن أن يحل أحمد، ابن صالح البكر، محل أبيه. فقد سافر أحمد من الرياض إلى مقره في أبو ظبي لمساعدة التحالف على تعزيز هجوم نهم، وهي مهمة تتناسب مع سمعته وتدريبه العسكري، غير أنه يفتقر إلى الدعم الشعبي الذي تمتع به والده.

ما الخطوة التالية؟

خلّف موت صالح فراغاً سياسياً شمال اليمن سيؤدي إلى تغيير التحالفات. فالدعم القبَلي في اليمن سيكون حاسما لتحديد تطور الصراع في البلاد. ارتكب صالح خطأ فادحا عندما اعتقد أن القبائل السبعة الموجودة بصنعاء ستدعم انشقاقه وتحميه عندما توجّه هاربا إلى مسقط رأسه في مديرية سنحان. لكن ذلك لم يحدث، ويبقى من غير الواضح إلى أين يتوجه دعم هذه القبائل الآن. كما سيكون لردود قادة المجلس الانتقالي الجنوبي أهمية حيوية، حيث عمل هؤلاء القادة جنبا إلى جنب مع التحالف الخليجي ضد الحوثيين، لكنهم يقفون الآن أمام واقع سياسي جديد ومن المحتمل أن يقرّروا حماية مصالحهم ويقوموا بانفصال جنوبي.

في الوقت الحالي، ستزيد المشاكل الإنسانية من حِدة الصراع في اليمن. ففي الوقت الذي تتعافى فيه البلاد من وباء الكوليرا، يلوح خطر انتشار "الخنّاق" في الأفق، والذي يزداد سوءا بسبب الحصار السعودي المفروض على الموانئ، الأمر الذي يحول دون تقديم اللقاحات لإنقاذ حياة الناس. كما إن نقص الغذاء والمياه في البلاد -الذي يعتبر الأشد من نوعه في العالم- تزداد حِدّته مع اقتراب فصل الشتاء، ما يجعل ظروف المدنيين اليمنيين أكثر سوءا. كما يتهدد هؤلاء المدنيين أنفسهم خطرُ التعرض لإطلاق النار في مناطق قتال الحوثيين ضد قوات التحالف، بما في ذلك المناطق التي تقع بالقرب من صنعاء وتعز ومأرب. ولجعل الأمور أكثر سوءاً، ومع تزايد التركيز على الحوثيين، من المحتمل أن تضع الحرب ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة في اليمن أوزارها مؤقتا، الأمر الذي قد يقوي شوكة هاتين الجماعتين المتطرفتين.

سيذكر التاريخ صالح بسجله الحافل بالخلافات. فقد عرف بحزمه في التعامل مع المواطنين والنخبة اليمنية، ويمكن تشبيه صالح بالزعيم السابق معمر القذافي لقدرته على التلاعب بالناس والظروف لرعاية مصالحه الخاصة. سيفرح العديد من اليمنيين لموت صالح، فقد تميز حكمه بالفساد المالي والعنف. وعلى الرغم من الشكاوى التي رفعت ضده ومحاولات الاغتيال العديدة التي استهدفته، لم يكن هناك قائد قوي بما فيه الكفاية لحكم المجموعات المتنافسة في اليمن. والآن مع موته، وحالة الحرب الداخلية التي تعيشها اليمن، تتوجه اليمن نحو المزيد من التحزب والفوضى وتفتقر لوجود قوة حازمة توحِّدها.