الخميس 2017/10/19

ما مستقبل الرقة بعد “تنظيم الدولة”؟

موقع : جاست سيكيوريتي 

بقلم: نديم حوري

ترجمة : مركز الجسر للدراسات

يبدو أن المعركة العسكرية في الرقة توشك على نهايتها،  فقد سيطرت "قوات سوريا الديموقراطية" التي يدعمها التحالف على مشفى الرقة، الذي يعتبر آخر معاقل تنظيم الدولة أمس. وعلى الأرجح فإن قادة التحالف سيذيعون خبر انتصارهم ضد الإرهاب.

 

قد يكون تنظيم الدولة فعلا قد تعرض لضربة قوية، لكن بالنسبة للرقة وسكانها فإن محنتهم لم تنتهِ بعد. فقادة التحالف أنفسهم لا يملكون خطة فعالة لفترة ما بعد تنظيم الدولة.

 

ومع تكشف الدخان الذي عم سماء مشفى الرقة الوطني، بدأت عدة تساؤلات في الظهور على السطح، من الذي سيعيد تشغيل المشفى؟ من الذي سيعيد إعماره؟ من الذي سيدفع رواتب الأطباء وسيعمل على الحفاظ على معداته؟ ماذا عن المدارس المحيطة به والطرقات والمخابز التي دُمِّرت؟ فالمثل القائل بأن "الدخول في الحرب أمر سهل أما تحقيق السلام فهو أمر صعب" صحيح، وتحديدا في حالة الحرب القائمة ضد تنظيم الدولة في وقت لم يحسب أحد فيه حساباً لفترة ما بعد تنظيم الدولة.د

 

حالة مشفى الرقة ليست سوى صورة مصغرة عن المأساة التي تعيشها المدينة اليوم، فقد قمت بزيارة الرقة مرات عديدة في أبريل/نيسان عام 2013. بعد زيارتي الأخيرة بنحو شهر، قامت مجموعات المعارضة المسلحة والتي لم تكن تضم تنظيم الدولة في ذاك الوقت، قامت بطرد قوات النظام من المدينة وسيطرت على المنطقة المحيطة بالمشفى. إثر زيارتي آنذاك، كان المشفى لا يزال يقدم خدماته على الرغم من تضرره. فقد توقف النظام عن دفع الرواتب، كما إن المشفى يفتقر إلى وجود أعداد كافية من الموظفين بما يضمن تقديم خدماته بالشكل المطلوب. ففي ذلك الوقت، لم يتبقَّ سوى 25 طبيبا من أصل 125 كانوا يعملون بالمشفى، كما إن 15 آلة لغسل الكلى من أصل 28 لا تعمل. فقبل وصولي إلى هناك بأيام قليلة، لم تكن تعمل أجهزة توليد الأوكسيجين، الشيء الذي أدى إلى وفاة ثلاثة أطفال في جناح رعاية الأطفال.

 

في مطلع عام 2013، كثر التساؤل حول من سيستولي على المشفى بشكل كبير، فقد سعت الجماعات المسلحة إلى فرض سيطرتها عليه وقامت بإرسال بعض من عناصرها إلى المشفى، فيما أصرّ وقاوم بعض الأطباء والإداريين المحليين على أن تظل إدارة المشفى مدنية. وقد قام أحد الأطباء باتخاذ المشفى مقراً دائماً له مخافة ألا تسمح له القوات المسلحة بالدخول إليه مجددا في حال عاد إلى منزله. لم أدرك ذلك حينها، لكن التوتر الذي كان حاصلا بين الجماعات المسلحة والمدنيين المحليين للسيطرة على المشفى كشف عن وجود انقسام كبير بين مختلف مكوِّنات الثورة السورية الشيء الذي سيتكشف بعد عدة أشهر من ذلك وسينتهي بسيطرة تنظيم الدولة على الرقة.

 

إن التحديَ المتمثل في إعادة الحياة للمدينة يبدو الآن أكثر صعوبة. فخلال السنوات الأربع لسيطرة تنظيم الدولة، مزق هذا التنظيم بشكل كبير النسيج الاجتماعي للمنطقة وأخلاها من أطبائها وممرضيها ومدرِّسيها ،كما إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة زاد من حدة هذه الكارثة من خلال حملة القصف التي شنها والتي بدت وكأنها تعطي الأولوية لهزيمة تنظيم الدولة على حساب حماية السكان أو البنية التحتية للمدينة.

والآن ومع الهزيمة التي لحقت بتنظيم الدولة في مدينة الرقة، فإن غياب استراتيجية حقيقية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وشركاؤها المحليون "قسد" بدأ في الظهور بشكل كبير. وبطبيعة الحال، فإن التحالف يرفض هذا الوصف. ففي حزيران/ يونيو الماضي، كان الممثل الرئاسي والمبعوث الخاص في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سوريا بضواحي الرقة " للتشاور مع شركاء التحالف المحليين حول حملة محاربة تنظيم الدولة وقضايا الحكم في فترة ما بعد تحرير المنطقة".

وقد تحدث المسؤول حول دور التحالف في " دعم الفاعلين الذين سيعملون على إعادة الأمن وتقديم الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصادات المحلية لتحقيق استقرار المجتمعات".

وقد أكد ماكغورك خلال مؤتمر صحفي عقده في 4 أغسطس / آب الماضي أن الولايات المتحدة ملتزمة بتحقيق الاستقرار في مناطق الرقة - التي وصفها بأنها تشمل إزالة الأنقاض والألغام وإعادة إمداد "الكهرباء والخدمات الأساسية" - ولكن ما أسماه إعادة الإعمار: "لا يبدو أنه يتلاءم مع مشروع الولايات المتحدة لإعادة الإعمار على المدى الطويل، فهذه مشكلة دولية".

لقد كنت موجوداً بمحافظة الرقة في الوقت نفسه الذي تواجد به ما كغورك هناك، فعلمت أنه حتى جهود إعادة الاستقرار لم تكن كافية. فقد اشتكى الناس المحليون، الذين يعيشون في المناطق المحيط بمدينة الرقة والتي استعيدت من تنظيم الدولة، اشتكوا من نقص الكهرباء والماء والأدوية. فإذا كنت بحاجة لعناية طبية، عليك أن تقود سيارتك لمدة ثلاث ساعات لتصل إلى "عين العرب".

إن تكلفة إعادة الإعمار والاستقرار مقارنة بمستوى البذل والجهد في الحرب لم يتم تمويلها بالشكل الكافي ولم تصل إلى المستوى المطلوب.

في بلدة "الطبقة" القريبة من الرقة والتي زارها ماكغورك، قابلت رجلاً ماتت ابنته في ربيعها الثاني عشر أثناء وقوفها في طابور فرن قصفه التحالف. عندما قابلت والدها بعد شهرين من استعادة البلدة من تنظيم الدولة، كان جثمان ابنته لا يزال تحت الأنقاض لأن السلطات المحلية أخبرته بعدم وجد آليات لإزالة الركام.

حاول الأب بكل الطرق استخراج جسدها بما في ذلك الحفر مستخدماً يديه. لم يستوعب كيف أن "التحالف العظيم" الذي باستطاعته تعقب عناصر تنظيم الدولة عبر هواتفهم المحمولة لا يستطيع تأمين آليات حفر بسيطة لإخراج ابنته والضحايا الآخرين من تحت الركام.

مرت بعض القوات الأمريكية عبر الحي الذي يسكنه، فظن أنهم قدموا أخيرا لعرض المساعدة في إزالة الركام، لكن تبين فيما بعد أنهم هناك لجمع المعلومات عن عناصر تنظيم الدولة الأجانب الذين من المحتمل أنهم اتخذوا من الحي مسكنا لهم وعندما طلب منهم المساعدة لإخراج جسد ابنته أجابوه بأن هذا الشيء "ليس من اختصاصهم".

 

عندما قمت بعرض ملف إعادة الاعمار والمساعدة على بعض الدبلوماسيين الأوروبيين من دولٍ مشارِكة بالتحالف، قوبل طرحي بعدم اهتمام وخطابات رنّانة. ومن بين المبرِّرات التي قدّموها أن تركيا لا تريد السماح بدخول المساعدات عبر حدودها إلى هذه المناطق لأنها تعتبر مليشيات "وحدات حماية الشعب" - التي تعد المكون الأكبر لمليشيات سوريا الديمقراطية والتي تتكون في غالبها من الأكراد - منظمة إرهابية. بينما قامت تركيا فعلا بإغلاق حدودها مع المناطق التي تسيطر على قوات سوريا الديموقراطية.

 

لم يستطع الدبلوماسيون شرح كيف استطاع التحالف نقل المعدات العسكرية إلى مليشيات "قسد" لكن لم يستطيع إيجاد طرق لتقديم المساعدة إلى المشافي والمرافق الأساسية الأخرى.

والحقيقة أن الدول الغربية تريد محاربة تنظيم الدولة وبشكل خاص المقاتلين الأجانب الذين قد يشكلون خطراً على مجتمعاتهم في المستقبل.  لكن ماذا عن المدنيين الذين يتم سحقهم في هذه العملية؟، يبدو أن لا أحد يهتم.  فهم – حسب ماكغورك – "مشكلة دولية" وهو ما يعيدنا إلى السؤال الأول: في الوقت الذي تم فيه استرجاع المشفى الوطني للرقة من تنظيم الدولة من هو المسؤول عن إعادة إعماره؟