الجمعة 2018/11/02

ما الذي تمثله قضية خاشقجي لبقية المعارضين في أنحاء العالم؟


بقلم: محمد الدهشان

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


قبل وقت قصير من وصول جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده ليغيب بعدها عن العالم، غادر المعارض المصري مصطفى النجار مكتبه ولم يصل إلى وجهته إلى يومنا هذا. ولا يزال مكان وجوده مجهولا حتى الساعة. على الرغم من وجود دلائل قوية بأن الحكومة المصرية وراء اختفائه، إلا أن الشرطة - التي لها تاريخ طويل في إخفاء المعارضين السياسيين - أنكرت ببساطة علاقتها باختفاء مصطفى النجار.

لكن قضية النجار لم تحظ بالاهتمام نفسه الذي حظيت به قضية خاشقجي المأساوية.

وما زالت قضية الصحفية الاستقصائية دافني كاروانا غاليزيا، التي قتلت بانفجار سيارة ملغمة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، في انتظار تحقيق العدالة. باعتبار العمل الذي كانت تقوم به يقوم على فضح قضايا الفساد في بلدها الأم، والذي أدى ذلك إلى نشوب مشاكل بينها وبين الحكومة، فقد اعتقلت مرتين على الأقل بسبب عملها. حاليا، اتهم ثلاثة رجال بمشاركتهم في عملية قتلها، إلا أن عائلتها مصرة على أن العقل المدبر لجريمة قتلها لا يزال طليقا.

كما لا يزال رائف بدوي قابعا في أحد السجون في السعودية منذ عام 2012، فقد حكم عليه بالسجن 10 سنوات سجنا نافذا، وبألف جلدة، بتهمة "إهانة الإسلام من خلال وسائل الإعلام"، عبر إنشاء موقع على شبكة الإنترنت. تذكرنا منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الكندية، من حين لآخر بمأساته.

في الأسابيع التي تلت مقتل خاشقجي بتلك الطريقة البشعة على أيدي رجال الحكومة السعودية، فقد أرسلت الآثار المترتبة على هذه الجريمة رسائل واضحة لا لبس فيها إلى المعارضين والمنشقين ونشطاء حقوق الإنسان: ما لم تكن لديك علاقات استثنائية وجيدة فسوف تُنسى فور مقتلك.

يقول الصحفي والناشط المصري الشهير، حسام الحملاوي معلقا على هذا الموضوع "علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم نشهد مثل هذا الغضب عندما قام السعوديون بإعدام الشيخ نمر النمر وغيره من المعارضين؟ علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم يكن هناك هذا الغضب في الوقت الذي يتم فيه الزج بالآلاف والآلاف من المعتقلين في سجون آل سعود وتعذيبهم ومعاملتهم بشكل سيئ؟. والواقع أن هناك من يفعل الأمر نفسه في بقية العالم العربي –فالسيسي يفعل الشيء نفسه. كما تقوم الأنظمة العربية الديكتاتورية بالأمر نفسه. لكننا لم نشهد مثل هذا الغضب من قبل".

ويضيف قائلا: "الرسالة هنا، هي أنك يجب أن تكون جزءا من مؤسسات الدولة، يجب أن تكون لديك علاقات وطيدة بوسائل الإعلام الأمريكية، وعلاقات جيدة مع دوائر صنع القرار في القوى الغربية، حتى يتم البحث عنك إذا ما اختفيت ومعرفة أي من هذه الأنظمة الوحشية له علاقة بموضوع اختفائك. عدا ذلك، فأنت لا شيء.. مجرد رقم آخر أضيف إلى لائحة الضحايا".

حظيت قضية خاشقجي باهتمام واسع وتغطية إعلامية كبيرة، كما أدت إلى عدة تداعيات على الساحة السياسية. السبب الأول والواضح هو أن العديد من الصحفيين كانت تجمعهم علاقات جيدة بخاشقجي، الشيء الذي دفعهم إلى معرفة ما حدث له والبحث عن الحقيقة، وبالتالي تحقيق العدالة، بدافع الصداقة التي جمعتهم به. أما بالنسبة للصحفيين والمعلقين الآخرين، فقد حظيت هذه القضية باهتمام إعلامي واسع، الشيء الذي جعل منها مادة دسمة وحديث الساعة، ولا سيما مع إفصاح تركيا عن معلومات جديدة بشكل يومي، وبالتالي تناولها في وسائل الإعلام العالمية خلال جميع مراحل هذه القضية. وبالنسبة للآخرين، فإن جريمة قتل خاشقجي كانت فرصة للهجوم على السعودية، لأسباب وطنية أو سياسية أو لأسباب أخرى كمعاداة الأجانب أو الإسلام.

لسوء الحظ، لا يبدو أن ملف حقوق الإنسان في السعودية أو الدول التي تقع تحت نفوذها في المنطقة يحظى بالكثير من الاهتمام. ومن ثم، ما لم يكن لدى المنشقين بعض من المزايا التي ذكرناها سابقا، فمن المحتمل أن يلقوا مصيرهم بصمت عام، أو تغطية إعلامية خفيفة في حال سجنوا أو قتلوا.

معظم النشطاء الحقوقيين الذين يفتقرون إلى علاقات شخصية قوية مع كبار الصحفيين، أو الذين ليس لديهم تأثير على الساحة السياسية يعمدون إلى الاعتماد على مجموعة كبيرة من الأصدقاء تكفي لجعل مسألة اختفائهم أو سجنهم موضع اهتمام منظمات حقوق الإنسان أو أحد المنابر الإعلامية المتعاطفة، أو تغطية إعلامية ستنجح في إثارة بعض ردود الفعل الرسمية. والأفضل أن تكون هذه المنابر الإعلامية من دولة يمكنها الضغط على الجناة، لكن هذا كله بعيد المنال.

يعتبر قانون ماغنيتسكي الآلية الرئيسية التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة لاتهام الأنظمة الديكتاتورية الأجنبية وإخضاعها للمساءلة القانونية، ولا سيما في الشرق الأوسط. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود الأدلة، لم يتم توجيه أي تهمة إلى أي شخص في المنطقة. في معظم الحالات، يتم الإدلاء ببيان عام لا أكثر.

بالنظر إلى السجل الحافل للبلدان التي تقدم نفسها على أنها من المدافعين عن حقوق الإنسان، فإنه عندما يتعلق الأمر بمواطنيهم من ذوي الجنسيات المزدوجة فهم يحتلون المرتبة الثانية بسبب المخاوف السياسية. فقد أمضت الناشطة المصرية الأمريكية آية حجازي نحو ثلاث سنوات في السجن بتهم ملفقة قبل أن تتدخل الحكومة الأمريكية لإطلاق سراحها.

ومن المعلوم أن النشطاء المعروفين، ليسوا وحدهم من عانى على أيدي الأنظمة الاستبدادية، فقد عانى العديد من الضحايا غير المعروفين، ولم تحظ قضاياهم باهتمام يذكر.

منذ إصدار قانون ماغنيتسكي، قتلت مصر نحو ألف من مواطنيها في يوم واحد. كما قتلت البحرين وسجنت المئات من مواطنيها المطالبين بالمساواة. وقتلت السعودية عشرات الآلاف من اليمنيين، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي عرفها القرن الحادي والعشرين. حدث هذا كله دون محاسبة الجناة.

إن الأحداث التي أْدت إلى شد انتباه العالم بقضية خاشقجي فريدة من نوعها. يدرك العديد من المعارضين الذين يراقبون أحداث هذه القضية اليوم أنهم ربما لا يملكون نفس العلاقات الشخصية بنفس المستوى على الأقل، كما إنهم يعتقدون بأن قضيتهم لن تجذب أي اهتمام على الإطلاق، ولو قُطعوا بمنشار عظام!.