الخميس 2017/12/14

ماذا بعد إعلان بوتين نهاية “المهمة العسكرية” في سوريا ؟

العنوان الأصلي : أعلن بوتين عن "انتهاء المهمة" في سوريا.. لكن ما هي الخطوة القادمة؟

المصدر: ناشيونال انترست

بقلم: نيكولاس غفوسديف

ترجمة مركز الجسر للدراسات


مفهوم النصر يعتمد على كيفية تعريفه:

لقد أنهى فلاديمير بوتين "مهمته" في سوريا بالوقت الحالي. فخلال زيارة مفاجئة لقاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، أعلن الرئيس الروسي انتهاء مهمة "المساندة" التي استمرّت سنتين، والتي مكّنت نظام بشار الأسد من تحقيق الاستقرار واستعادة سيطرته على جزءٍ مهم من أراضي البلاد. وبإمكان عدد مهم -وغير محدّد- من القوات الروسية الاستطلاعية العودة إلى روسيا بما أنهم أنجزوا مهمّتهم.

كان للمكان الذي اختاره بوتين من أجل تقديم تصريحاته أهمية بالغة. إذ تعتبر حميميم الآن منشأة روسية، إلى جانب القاعدة البحرية التي يتم توسيعها في طرطوس، واللتين تمثلان وجها من أوجه عودة المد الاستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط.

كما كان لأسلوب بوتين ونبرته رسالة موجَّهة للشرق الأوسط على نطاق واسع. كنظيره الأمريكيّ، اختار بوتين منشأة عسكرية لتكون مسرحاً لإيصال رسالته، ولا يسع المرء إلا أن يقارن تصريحاته مع تصريحات مماثلة للرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما. لكن المعنى الضمني لرسالة بوتين شابه الرسالة التي تم توجيهها عندما وصلت الولايات المتحدة إلى العراق سنة 2003، أو عندما تردّدت في التصرف كما حدث في سوريا سنة 2013. نجحت روسيا في القيام بمهمة واضحة ومحددة، ويبدو أنها قد نجحت فيها على الرغم من كل التوقعات القائلة بأن روسيا على وشك إعادة تجربتها الأفغانية الفاشلة.

استعمال مُحكم ومركّز للقوة يبدو أنه قد غيَّر مُجريات الأحداث، فلم ينقذ الأسد من السقوط وحسب وإنما ساعده على استرجاع سيطرته على معظم المناطق السورية. ويمكن لموسكو أن تقول بقدر من الدقة إنها تكرم التزاماتها وتفي بوعودها وتدافع عن أصدقائها.

لكن السؤال الحقيقي يبقى إذا ما كانت تصريحات بوتين سوف يتبعها أي نوع من الانسحاب للقوات الروسية. بوتين بحاجة إلى إنهاء التدخل الروسي في سوريا وإعلان النصر في "حرب قصيرة الأمد" وصفها فياتشيسلاف فون بلهف "وزير داخلية القيصر الروسي" بالترياق قبل قرن مضى، وعلى أنها الوسيلة الفعالة الوحيدة للتعامل مع الاضطرابات المحتمَلة في الداخل.

"انتهاء المهمة" يفسح المجال أمام بوتين لحملة انتخابية رئاسية رابعة،  وذلك من خلال استعراض القوة في الخارج، وإبراز الرغبة على التصدي للتحديات المحلية. ومن الناحية العملية، فإن هذا يساعد أيضاً على إعادة توجيه القوات إلى النواة الأورو-آسيوية إذا ما استدعت الضرورة تواجدها في أوكرانيا، أو أي عملية طارئة أخرى.

وإلى حد ما، سيكون من الممكن سحب بعض من وحدات القوات "العادية" بالنظر إلى اعتماد روسيا على الشركات العسكرية الخاصة لتوفير المزيد من القوات المقبولة سياسيا كي تستمر العمليات في سوريا، وفي الوقت الذي سيتم فيه سحب بعض من هذه القوات، ستضخّ قوات أخرى لتحلّ محلها. والأهم من ذلك، أنه بعد أن حددت روسيا مهمتها في إنقاذ الأسد من السقوط، لم تستثمر روسيا الكثير لجعله منتصرا.

وبحسب تعبير جون آدمز، لقد وضع بوتين يده تحت ذقن الأسد لمنعه من الغرق، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه قد أخرج رأسه من الماء. تلعب الدبلوماسية الروسية لعبة توازن معقّدة في الشرق الأوسط: إذ تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع سوريا وإيران، لكنها تسعى أيضا إلى تطوير علاقاتها مع إسرائيل والسعودية وتأمين الشراكة الاستراتيجية الجديدة البالغة الأهمية مع تركيا.  لقد كانت الحيلولة دون سقوط الأسد مهمة لإثبات أن روسيا مستعدة لتعزيز خطوطها الحمراء؛ لكن موسكو ليست ملتزمة بتحقيق كل أهداف الأسد وإيران الكبرى. فوجود أسد قوي على الأرض لن يكون على استعداد لتقديم تنازلات رئيسية للسعوديين والأتراك وغيرهم.  إن تصريحات بوتين إشارة إلى أن موسكو لا تنوي تقديم الدعم اللامحدود للأسد.

تعريف مفهوم النصر هو جزء حاسم من السرد الوصفي لأي بلد. تجلت المشكلة التي واجهتها الولايات المتحدة في أن الصور الرمزية التي يمثلها كل من صدام حسين، الذي سُحب من حفرة كان يختبئ فيها بالقرب من تكريت، وأسامة بن لادن الذي قتل جراء غارة دامية في باكستان، لا تمثل صورا نهائية للحروب العراقية والأفغانية في الداخل أو الخارج. يهدف إعلان بوتين الذي قام به في كانون الأول/ ديسمبر الحالي إلى "إصلاح" صورة النجاحات التي حققتها روسيا، ولخلق مجال بينه وبين ذلك الإنجاز إذا ما بدأت سوريا في التهاوي بالأشهر القادمة.