الثلاثاء 2018/11/20

لهذه الأسباب لن تسمح “CIA” لترامب بحماية ابن سلمان

بقلم: بوبي غوش

المصدر: بلومبرغ

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لماذا اتهمت وكالة الاستخبارات المركزية محمد بن سلمان بإصدار الأمر بقتل جمال خاشقجي؟

من أجل وضع تقييم وكالة الاستخبارات المركزية في سياق مناسب، والذي جاء فيه أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، قد أمر بقتل جمال خاشقجي في إسطنبول، يجب إلقاء الضوء على آخر مرة اتهمت فيها الوكالة نفسها زعيم إحدى الدول الحليفة للولايات المتحدة سابقا بإعطاء الأوامر لاغتيال أحد منتقديه.

في 21 أيلول/ سبتمبر من عام 1976، اغتيل أورلاندو ليتيلير، وهو وزير تشيلي سابق كان يعمل في مؤسسة فكرية بواشنطن، في انفجار؛ حيث قام عدد من المتطرفين اليمينيين بزرع قنبلة داخلها، لكن بناء على أوامر من يا ترى؟ وضع التحقيق الأولي المسؤولية على عناصر الاستخبارات التشيلية، بما في ذلك أحد العملاء المقربين من الدكتاتور أوغستو بينوشيه. وبما أن هذا الأخير كان يعتبر حصنا منيعا أمام انتشار الشيوعية في أمريكا اللاتينية، فإن كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم وزير الخارجية هنري كيسنجر آنذاك، كانوا حريصين على حمايته.

في النهاية، فإن وكالة الاستخبارات المركزية، التي دعمت الدكتاتورية، قد خلصت في النهاية إلى أن بينوشيه أصدر الأمر بالاغتيال - وذلك بعد مرور 11 سنة كاملة على هذه الحادثة. آنذاك كان الجنرال الدكتاتور في المراحل الأخيرة من حكمه الذي استمر لسنوات عديدة.

تتشابه قصة اغتيال أورلاندو ليتيلير مع قصة قتل جمال خاشقجي في بعض من تفاصيلها. يبدو أن بعض المسؤولين، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب نفسه، حريصون على حماية محمد بن سلمان، باعتباره عنصرا مهما لتحقيق طموحات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالتصدي للمخاطر التي يفرضها النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد أظهر تحقيق الرياض تواطؤ مسؤولين سعوديين كبار في هذه القضية، منهم أحد المساعدين المقربين من محمد بن سلمان.  لكن هذه المرة، فقد استغرق الأمر من وكالة الاستخبارات المركزية بضعة أسابيع فقط لتوجيه أصابع الاتهام لولي العهد السعودي بإعطاء الأوامر بقتل جمال خاشقجي، الكاتب المساهم في قسم الآراء بصحيفة "واشنطن بوست".

إن نشر "سي آي إيه" تقييمها بخصوص قضية خاشقجي يحمل في طياته الكثير؛ أولا، أن وكالة الاستخبارات المركزية لديها أدلة قوية على ضلوع محمد بن سلمان في هذه القضية (التسجيلات الصوتية والمكالمات التي اعترضتها).

ثانيا، ترى الوكالة أن وجود محمد بن سلمان على رأس السلطة في السعودية ليس ضروريا لحماية المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة. فلو كان الأمر عكس ذلك لما سرّبوا الخُلاصات التي توصلوا إليها والتي تدين محمد بن سلمان على الأرجح. إن تقييم وكالة "سي آي إيه" مهم جدا بالنظر إلى العمل الذي تقوم به عن كثب مع نظيرتها السعودية وما كانت لتتخذ هذا القرار بسهولة.

ثالثا، وكالة "سي آي إيه" عازمة على ألا تتورط في التستر على عملية مكشوفة.

ما الذي سيحدث الآن؟

على الرغم من الجهود التي بذلها ترامب من أجل تذليل استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية، حيث قال في لقاء له مع وكالة فوكس نيوز: "لا أحد يعلم حقا ما حدث" فإن اسم محمد بن سلمان اليوم يرتبط بشكل مباشر بمقتل خاشقجي.

في الكونغرس، يعمل الحزبان الجمهوري والديموقراطي على اتخاذ إجراءات ضد هذا الأخير بشكل متزايد. فقد أعلن السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي كان مؤيدا قويا للسعودية والذي يعد مرشحا بارزا لقيادة اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، أن محمد بن سلمان "غير متّزن"، ووعد باتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة بحقه. إذا اتخذ غضب أعضاء الكونغرس مساره الطبيعي، فمن المحتمل أن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على 17 مواطنا سعوديا بخصوص مقتل خاشقجي، ستشمل محمد بن سلمان نفسه.

قد يعزز وجود كل من وكالة الاستخبارات المركزية والكونغرس على نفس الجانب بخصوص محمد بن سلمان، من موقف حكومات الأخرى لاتخاذ موقف مماثل. وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، علّقت صفقات بيع الأسلحة إلى السعودية، وأظهرت موقفها بشكل مباشر للملك سلمان بن عبد العزيز. كما أكدت ألمانيا أيضا أنها ستحظر دخول 18 سعوديا إلى أراضيها لصلاتهم بقتل خاشقجي. نتوقع أن تفرض المزيد من الدول عقوبات جديدة في المستقبل المنظور.

لكن ذلك سيعزز أكثر من موقف منافسي السعودية؛ فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي استمر في الضغط على محمد بن سلمان دون ذكر اسمه، قد رسّخ من موقفه. وكان الأتراك قالوا إن بحوزتهم أدلة ستزيد من سوء الموقف، بما في ذلك تسجيل صوتي ثان. ستستفيد إيران أيضا من استمرار الاستياء الدولي ضد عدوها اللدود.

ستكون هناك بلا شك عواقب أخرى لا يمكن التنبؤ بها للتقييم الذي قدمته وكالة الاستخبارات المركزية والذي يقضي بتورط محمد بن سلمان في هذه القضية. على عكس قضية الجنرال بينوشيه، فإن عناصر الاستخبارات الأمريكية ليست في صف محمد بن سلمان.