الخميس 2018/02/01

لماذا لا تدعم روسيا التحقيقات في هجمات الأسلحة الكيميائية بسوريا؟

المصدر: مركز بيغن السادات للأبحاث الاستراتيجية

بقلم: داني شوهم

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


في أيلول/ سبتمبر عام 2013، وافقت كل من روسيا والولايات المتحدة وسوريا على المشاركة في "برنامج القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا"، وتم إنشاء بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي كان الهدف من إنشائها معرفة إذا ما تم استعمال المواد الكيماوية السامة بسوريا في نيسان/أبريل 2014، وعليه، تم إنشاء آلية تحقيق مشتركة تابعة لبرنامج القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا والأمم المتحدة كمحور للجهود التي يبذلها مجلس الأمن لتحديد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وقد تم إنشاء هذه اللجنة في آب/أغسطس 2015 نتيجة للمفاوضات التي جمعت كلا من الولايات المتحدة وروسيا بشأن هذا الملف.

تبقى الحاجة إلى الرصد الكيميائي المستمر ضرورية في سوريا، على الرغم من الهزيمة التي يتعرض لها تنظيم الدولة والضعف الكبير الذي طال مجموعات الثوار. السيء في الأمر أنه طالما لم يتم التأكد بشكل رسمي من استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية من جديد، يمكن لهذا الأخير أن ينفي حيازته لأي منها. وهذا ما يطمح إليه كل من نظام الأسد وموسكو، التي تعتبر الراعي الأول لبشار الأسد والتي تملك اليد العليا في هذا السيناريو.

على أعقاب الهجمات الأخيرة بالأسلحة الكيماوية والتي جرت عن طريق إسقاط قذائف مدفعية محملة بغاز الكلور على الغوطة الشرقية في (22 يناير / كانون الثاني 2018)، قال وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون: "بغض النظر عمن شن تلك الهجمات، ستتحمل روسيا في نهاية الأمر المسؤولية عن سقوط ضحايا الغوطة الشرقية والسوريين الآخرين المستهدَفين بالأسلحة الكيمياوية، منذ مشاركة روسيا في سوريا". وببساطة لا شك في أن روسيا من خلال حماية حليفها السوري قد خرقت التزاماتها تجاه الولايات المتحدة كضامن لبرنامج القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا.

في كانون الثاني/ يناير 2015، أفادت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بأن ترسانة الأسلحة الكيماوية في سوريا قد دُمرت بالكامل. لكن أظهرت عدة هجمات كيمياوية لاحقة أن هذا التقييم لم يكن صحيحا، ولاسيما بعد استخدام غاز السارين من قبل القوات الجوية التابعة للنظام في نيسان/ أبريل2017. أدى هذا إلى الدفع بالولايات المتحدة لشن غارة انتقامية على مطار شعيرات، والتي مثّلت ضربة لنظام الأسد وروسيا اللذين حاولا جاهدين دحض تلك الأدلة.  فقد أظهرت الغارة وجود ترسانة سورية من الأسلحة الكيماوية لكن تبقى إحداثيتها وموقعها غير معروفة.

على التحديد، يوجد نحو 2000 قنبلة وقذيفة كيماوية تدّعي سوريا أنها حولتها لأسلحة تقليدية استخدمتها أو دمرتها دون معرفة مصيرها، ما يشير إلى أن هذه الأسلحة لا تزال في يد قوات النظام. ومن المؤكد أن الروس على علم بمكان تلك الأسلحة وكذا قدرات نظام الأسد في هذا المجال.

وفي موازاة ذلك تم الكشف عن وجود خط جديد لإنتاج الأسلحة الكيماوية في مناطق مخفية بثلاثة مواقع وهي "مصياف ودمّر وبرزة"، بإقرار روسي وإيراني غير رسمي وبدعم خفي أحياناً.

تم العثور على أحرف منقوشة على الصواريخ المدفعية التي كانت محملة بغاز السارين والتي استعملتها قوات النظام في مجازر سنة 2013، كما إن هناك دلائل على وجود تعاون عسكري بين القوات الجوية التابعة للنظام والقوات الروسية في مجزرة غاز السارين التي حدثت 2017، كما تم الكشف عن وجود تشابه مع قنبلة كيميائية سوفياتية الصنع من طراز (خاب-250) ( وإن كان على نحو غير حاسم)، بالإضافة إلى أن المستشفى الذي تمت فيه معالجة المصابين بغاز السارين قد قصف بشكل متعمد.

إن وجود هذا العدد الهائل من الأدلة هو ما دفع بروسيا إلى إحباط الجهود الرامية إلى تمديد آلية التحقيق المشتركة التابعة لبرنامج القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا، حيث استعملت حق النقض ضد 6 مشاريع قرار في سنة 2017  بمجلس الأمن، وهو ما شكّل رقماً قياسياً لم يُشهد له مثيل منذ عام 1988. وُجّهت خمس منها ضد استخدام الأسلحة الكيماوية بسوريا. وأدى استخدام روسيا لحق النقض للمرة الثالثة على التوالي إلى إنهاء عمل آلية التحقيق المشتركة مع نهاية 2017، والقضاء بذلك على أحد أهم الخطوات التي قام بها مجلس الأمن إزاء الملف السوري. في حين قال الممثل الروسي الدبلوماسي إن موسكو تسعى إلى تحقيق كامل ونزيه ينبني على أدلة قاطعة لا تقبل الجدل.

جاء رد السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة، ماثيو ريكروفت، صريحا وقاطعا حيث قال: "لا شك في أن آلية التحقيق المشتركة قد نجحت في أداء عملها؛ فروسيا هي التي فشلت. لقد فشلت في أداء واجباتها كعضو دائم بمجلس الأمن، فشلت كدولة طرف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية، فشلت كداعم مفترض للسلام في سوريا. واستخدمت روسيا حق النقض ضد تمديد عمل هذه اللجنة، وهو تمديد لم يُلق أحكاما على أي طرف، لم يضف أي شروط ... خلال المفاوضات، أوضح خبراؤهم بشكل صريح: لماذا لن يدعموا تمديد عمل آلية التحقيق المشتركة... حيث قالوا ببساطة، إنه لا يمكنهم، أو بالأحرى، لن يقبلوا أي تحقيق يلقي اللوم على حلفائهم السوريين، بغض النظر عن نزاهة التحقيق، ووضوحه وقوة أدلته ... لقد كان لروسيا فيما قبل دور في تأمين تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية، وكذا إنشاء الآلية المشتركة للتحقيق. وللأسف، يمكن للعالم اليوم أن يرى أن السياسة الروسية الآن هي حماية نظام الأسد، بغض النظر عن ثمن ذلك".

والواقع، أن الدعم الروسي قد ظل على حاله لسوريا بخصوص الأسلحة الكيماوية. وفي كانون الثاني / يناير 2014، قال الدبلوماسي الروسي ميخائيل أوليانوف إن "السوريين يقتربون من الوفاء بالتزاماتهم بجِدّية وبحُسن نية". وفي حزيران / يونيو 2013، أكد أليكسي بوشكوف، رئيس لجنة الدوما الروسية للشؤون الدولية، أن "معلومات عن استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية ملفقة، مثل الأكاذيب التي لقفت حول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حول امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ".

بقوله هذا، قد تجاهل بوشكوف ما حدث قبل عشر سنوات على الحدود السورية العراقية. فقد قال نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون أمن التكنولوجيا الدولي "جون شو" إنه كانت هناك عملية تهريب واسعة النطاق للأسلحة الكيماوية والبيولوجية العراقية، إلى جانب العديد من العناصر الأخرى، من العراق نحو سوريا، حيث جرت هذه العملية خلال الأسابيع التي سبقت العملية الأمريكية بالعراق في آذار/ مارس 2003. وأوضح أن القوات الروسية الخاصة قامت بتنظيم قوافل شاحنات تجارية كبيرة من أجل إزالة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؛ وأنه تم إخراج تلك الأسلحة من العراق ووضعها في شاحنات ومن ثم إرسالها إلى الحدود السورية. كان الهدف من هذه العملية التخلص من أي أثر عن مشاركة روسيا في برامج الأسلحة البيولوجية والكيماوية العراقية لتكون بذلك عملية ناجحة "في التمويه العسكري والخداع" بامتياز.

وأشار "شو" إلى أن هذا النوع من العمليات التي تقوم بها خدمة المخابرات الخارجية المعروفة باسم "سارندار" أو "مخرج الطوارئ" يعتبر مألوفا لدى المخابرات الأمريكية. إذ يمكن الآن أن تشارك عناصر من القوات الخاصة الروسية وإدارة الاستخبارات الرئيسية في التعامل مع الأسلحة غير التقليدية الموجودة في سوريا، بالتعاون مع النظام تحت غطاء دبلوماسي.

وتبقى فحوى الترتيبات التي تجمع الأسد بموسكو بخصوص سياسة الحفاظ  -إن لم نقل استرجاع- الأسلحة الكيماوية وتقنياتها غير معروفة. ففي الوقت الذي يبدو فيه جليا أن الأسد لا ينوي التخلي عن الأسلحة الكيماوية، يبقى الموقف الروسي غير واضح، إذ إنه من غير المعروف إذا ما كانت موسكو تدعم امتلاك أو تخلص سوريا من الأسلحة غير التقليدية.

في أيلول/ سبتمبر 2017، أعلنت روسيا تدمير ترسانة الأسلحة الكيمياوية الخاصة بها بالكامل (وكانت تُعد الأكبر في العالم). على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحة هذا التصريح، إلا أنه يعني مع ذلك أن روسيا تتوجه نحو نزع السلاح الكيمياوي كمفهوم أساسي. غير أن الظروف الخاصة في سوريا، ووجود روسيا كلاعب أساسي في الشرق الأوسط، يجعل من هذه الظروف فريدة من نوعها، وخاصة في علاقة هذه الأخيرة مع الأسد.

في المجمل.. بالوقت الذي لعبت فيه روسيا دورا نسبيا في عدد من النواحي في الملف السوري، فإن موقفها من الأسلحة الكيمياوية في سوريا (وكذلك موقفها من التلاعب الإيراني المستمر) أمر مخيب للآمال وخطير. وقد تكون العواقب وخيمة، وتتجاوز بكثير ما يحدث الآن.