الأحد 2018/02/18

لماذا صمت البنتاغون والكرملين عن الهجوم الروسي على القوات الأمريكية في سوريا ؟

المصدر: بلومبرغ

بقلم: إيلي ليك

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إذا كنتم ممن يتابعون تصريحات الكرملين والبنتاغون، فعلى الأرجح أنكم لا تعلمون بأن روسيا قد شنت هجوما على القوات الأمريكية وحلفائها الأسبوع الماضي، مخلفة بذلك خسائر جسيمة.

كل الأطراف تعترف بوقوع حادثة في قاعدة أمريكية في دير الزور. كما إن عناصر من النظام والمليشيات الشيعية قد شاركت في الهجوم. ويعترف كل من البنتاغون والكرملين بأن مرتزقة روساً شاركوا أيضا. إلا أن الإشكالية، هي في كون هؤلاء المتعاقدين الروس، عصوا الأوامر، وموسكو لا تعرف عن ذلك أي شيء.

وعندما سأل الصحفيون وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، عن الحادثة، وصفها بالأمر المحير، قائلا "ليس لدي أدنى فكرة عن السبب الذي يدفعهم للهجوم، فمن المعلوم وجود قوات هناك، ومن الواضح أن الروس يعلمون ذلك" مضيفا "لقد كنا دائماً نعلم بوجود عناصر أخرى في هذه المعركة المعقدة جدا، وأن الروس، دعني أقول، لا يسيطرون عليها".

ماتيس، الجنرال المتقاعد ذو الأربع نجوم، الرجل الذكي جدا، لم تحيره بالطبع هذه الحالة، ويمكن وصف ما يقوم به ما يسميه أفلاطون بـ "الكذبة النبيلة"، وهي الكذبة الذي ينطق بها القائد لتحقيق صالح اجتماعي أكبر. فلو أقر ماتيس بأن روسيا هي من قامت بالهجوم بشكل مباشر على القاعدة التي تخضع لسيطرة الولايات المتحدة من قبل عناصر غير نظامية، لكان سيخاطر بالدخول إلى دوامة من التصعيد في سوريا. لذا كان من الأفضل، التعبير عن الحيرة وإعطاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فرصة للتراجع ونفي المسؤولية، وهو الأمر الذي فعله بوتين على الرغم من الخسائر الجسيمة التي لحقت بمرتزقته.

لا مجال للخطأ فهنالك أدلة دامغة على أن هؤلاء المتعاقدين الروس كانوا يعملون بناء على طلب من الكرملين. والأكثر من ذلك، فالروس كانوا على علم بأن القوات الأمريكية موجودة في دير الزور، والتي تعد جزءا من الاتفاقات المتعاقبة للفصل أو قوات "فض الاشتباك" في سوريا.

دعونا نبدأ بتقرير صحفي نشر في "بلومبرغ نيوز" والذي كشف عن أن المرتزقة الجرحى، قد نقلوا جوا من سوريا لتلقي العلاج في المستشفيات العسكرية في موسكو وسانت بطرسبورغ.

يقول مسؤولون أمريكيون ممن يراقبون الوضع في سوريا، بأنه ليس هناك من شك في أن الجيش الروسي أحاط بكل تفاصيل الهجوم في دير الزور. كما قالت إيفلين فاركاس (نائبة سابقة لمساعد وزير الدفاع خلال فترة إدارة أوباما) يوم الخميس: "إن أي مرتزق روسي، سواء كانوا في أوكرانيا أو سوريا، فهم يعملون لحساب الحكومة الروسية".

فلا يمكن وصف ما حدث على أنه حادثة، وعلى وجه التحديد بالنسبة لمرتزقة "فاغنر" الذي يعد ديمتري أوتكين أحد قياداتها، وهو مقدم سابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية. يرتبط ديمتري أوتكين وشركته ارتباطا وثيقا بيفغيني بريغوجين المعروف باسم "طباخ بوتين"، والذي يمتلك خدمات مزوّدي الطعام في الكرملين.

يعد المتعاقدون، من فاغنر، جزءا أساسيا من استراتيجية روسيا على نطاق أوسع والتي تتمثل في "الحرب الهجينة"، وهي مزيج من العدوان الحركي والإعلامي هدفه دفع المصالح الروسية إلى الأمام، مثل نشر مقاتلين غير رسميين للمساعدة في الاستيلاء على الأراضي كما حدث في أوكرانيا سنة 2014 عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم.

وفي هذا الصدد قال ماتي سومينارو، وهو باحث في معهد دراسة الحرب، هذا الأسبوع: "إن هؤلاء المرتزقة يساعدون روسيا في التعتيم على الدور الروسي في سوريا". "في شرق سوريا، تقول وزارة الدفاع الروسية إنها لم تكن تعلم أنهم كانوا يفعلون ذلك ". ولكن من المحتمل جدا أن ما حدث جاء بتوجيه من الكرملين ".

وأخيرا، فإن هناك جدلا استراتيجيا عن سبب مشاركة روسيا في هجوم دير الزور. ويعود ذلك إلى أن سياسة الولايات المتحدة في الوقت الراهن، مرتبكة بعض الشيء. فعندما يتحدث ماتيس والمسؤولون الأمريكيون الآخرون علنا عن البعثة الأميركية في سوريا، يقولون إنها فقط لمحاربة تنظيم الدولة، إلا أنه وحتى الآن لا توجد سياسة رسمية حول ما إذا كان دور الجيش الأمريكي يتضمن مواجهة الجهود الروسية - الإيرانية لمساعدة نظام بشار الأسد في استعادة الأراضي التي فقدها خلال الحرب.

أضف إلى ذلك الرسائل المختلطة التي أرسلتها الولايات المتحدة الشهر الماضي عندما فشلت في منع تركيا من التقدم باتجاه عفرين الخاضعة لسيطرة الأكراد. فبينما تحاول الولايات المتحدة وضع حد للاندفاع التركي من خلال الدبلوماسية، فإنها لم تقدم حماية للمقاتلين الأكراد المنتمين إلى ما يعرف بـ "وحدات حماية الشعب" الموجودين في المدينة، والذين تعتبرهم الولايات المتحدة شركاء رئيسيين في الحملة التي تشنها على تنظيم الدولة. وبالفعل، فقد قام المقاتلون الأكراد المتمركزون في دير الزور، بالتوجه نحو عفرين في الأسابيع الأخيرة من أجل قتال القوات التركية، الأمر الذي يجعل المنطقة الخاضعة للنفوذ الأمريكي في دير الزور هدفا أكثر جاذبية للتحالف الروسي - الإيراني في سوريا.

أما بالنسبة إلى شخص كبوتين، الذي قصفت قواته الجوية الجيوب الأخيرة للثوار الذين تدعمهم الولايات المتحدة في سوريا، فإن عجز الولايات المتحدة عن وقف حليف "الناتو"، تركيا، عن مهاجمة حليف آخر في عفرين هو علامة على الضعف،  حيث يعتبر الهجوم، الذي وقع الأسبوع الماضي، على دير الزور، والذي شنه المرتزقة، فرصة لجس نبض الولايات المتحدة لمعرفة ردة فعلها.

إلا أن الخبر السار، هو استجابة الولايات المتحدة السريعة والوحشية. فعلى الرغم من عدم وجود أرقام ثابتة حول الإصابات، إلا أن بعض وسائل الأعلام الروسية ذكرت أن أكثر من 200 من المرتزقة الروس قتلوا خلال الاشتباكات.

وهذا يعيدنا إلى ماتيس وسبب رفضه توجيه اللوم مباشرة لروسيا على الحادثة. قالت فاركاس معلقة: "أعتقد أنه عندما قال إن الأمر محيِّر كان يرسل إشارة إلى الروس؛ أنا على استعداد لإعطائكم بعض الوقت لإنهاء ذلك، ولكن، لا تفعلوا الأمر ذاته مرة أخرى". وأضافت "أن الروس يعرفون أنهم يلعبون بالنار، إذا نظرتم إلى كيفية ردهم".

إلا أن هناك جانبا سلبيا في الموضوع، فعلى الرغم من أن هذا النوع من "الكذب النبيل"، إلا أنه وبالنظر إلى المرتزقة من أمثال فاغنر، والذي يشكلون جزءا أساسيا من استراتيجية وتكتيكات روسيا الأوسع، فمن المهم أيضا للولايات المتحدة أن ترفض سياسية الإنكار الروسية. فروسيا بحاجة إلى أن تعلم أن أي هجوم سيقوم به مرتزقتها، سيعتبر هجوما من قواتها المسلحة من الآن فصاعداً.