السبت 2017/10/21

لا وجود لخطط حول سحب القوات الأمريكية بعد القضاء على تنظيم الدولة


بقلم: بول ما كليري ، دان دي لوسي

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة : مركز الجسر للدراسات


خسر مقاتلو تنظيم الدولة أجزاء من "دولة الخلافة" المزعومة في كلٍّ من العراق وسوريا، لكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستقوم بسحب الآلاف من قواتها الموجودة هناك، والتي أُرسلت لمحاربة الإرهاب.

فعلى الرغم من السيطرة على الرقة عاصمة "دولة الخلافة"، وطرد مقاتلي الدولة من معظم العراق، فإن القادة الأمريكيين لا يزالون متوجسين من أن يتكرر ما حدث في 2011 قبيل انسحاب القوات الأمريكية من العراق، الذي أدى إلى هزيمة الجيش العراقي الذي درب منذ عهد قريب أمام بضعة مئات من المقاتلين بعد ثلاث سنوات فقط.

تدفع هذه الأحداث بالبنتاغون إلى الإبقاء على قواته في العراق من أجل تدريب وتقديم الدعم للقوات العراقية، للوقوف في وجه ما يراه القادة الأمريكيون تهديداً خطيراً إن وجد. فهذا الانتشار المستمر للقوات الأمريكية- الذي يشمل القرار الأخير بإرسال آلاف الجنود إلى أفغانستان- يتعارض مع الانتقادات الحادة الذي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تناولت " بناء أمريكا" ووضع نهاية للتدخل العسكري الأمريكي في الخارج.

بدأت الحرب ضد تنظيم الدولة صيفَ 2014 وتضمّنت إرسال قوات أمريكية للمنطقة التي شملت إرسال 5000 جندي من قوات المشاة للعراق ونحو 500 فرقة للعمليات الخاصة إلى سوريا. أما الآن، ومع التراجع الكبير للتهديدات الإرهابية، لا يزال على الإدارة الأمريكية العمل على الخريطة الدبلوماسية والاستراتيجية لترشيد التدخل العسكري الأمريكي في كل من العراق وسوريا.

يقول بن كونابل -وهو ضابط استخبارات متقاعد بالبحرية الأمريكية-: "لقد كانت تلك حملة تكتيكية منذ البداية متخفّية على شكل استراتيجية".

فمع سقوط الرقة في سوريا وبدء زوال تنظيم الدولة، ظهر الكثير من التساؤلات حول مستقبل التدخل الأمريكي هناك، بما في ذلك مصير المجموعات الموالية لإيران التي ستُهرع إلى الاستيلاء على الأماكن التي ستنسحب منها القوات الأمريكية.

صرّح أحد الضباط العسكريين السابقين لـ"فورين بوليسي" بأن هناك نقاشاً حول هذا الموضوع، مضيفاً أنه لا وجود لمسار دبلوماسي بعد، فالجيش الأمريكي لا يريد أن يكون له دور في المنطقة دون وجود خطة دبلوماسية.

وقد صرَّح مسؤولون في البنتاغون قائلين إنه على الرغم من التقدم المطّرد للتحالف لمكافحة الإرهاب، فلا يزال هناك أكثر من 6500 مقاتل من تنظيم الدولة شرق سوريا وعلى الحدود مع العراق. ويسعى القادة العسكريون في الجيش الأمريكي إلى مساعدة شركائهم المحلّيين بالعراق وسوريا في الوقوف أمام أي محاولة لعودة تنظيم الدولة، من خلال تقديم الاستشارات العسكرية والعتاد وكذلك الدعم اللوجستي.

وأضاف المسؤولون أنهم يلاحقون مقاتلي تنظيم الدولة الآن شرق الرقة على مقربة من الحدود العراقية حيث يعتقد أن قادة التنظيم يختبئون هناك.

وقد صرح ضابط عسكري لـ"فورين بوليسي" ( لم يسمح لنا بتسجيل إفادته ): " نحن نخطط لمرحلة قادمة في وادي الفرات الأوسط، لكن لا يوجد خط زمني يحدد وقت انتهاء ذلك".

وقد قال كونابل ( الذي يعمل الآن كخبير سياسي في مؤسسة "راند" للأبحاث ) إن التدخل بشكل كبير هناك يحمل معه الكثير من المخاطر، مع الأخذ بعين الاعتبار الوجود الإيراني والقوات الروسية وكذا قوات النظام والقوات الموالية لحزب الله. ونتيجة لذلك يُحتمل أن تصبح المنطقة الواقعة بين الرقة والحدود العراقية "منطقة لا تخضع لسيطرة أحد" على الرغم من وجود العديد من القوات - بما في ذلك قوات النظام – التي تحاول فرض نفوذها هناك.

ومع ذلك، يرى البعض أن للقوات الأمريكية دوراً في مناطق أخرى من سوريا، على الرغم من إعادة الإعمار البطيئة في المناطق التي استعادتها القوات التي يدعمها التحالف، وكذا نقص تمويل هذه العمليات من طرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

ويقول "نيكولاس هيراس" بهذا الصدد (وهو عضو في مركز الأمن الأمريكي الجديد) "إن عدداً من المانحين يسعَون إلى الحصول على ضمانات ببقاء الولايات المتحدة في سوريا بما يضمن لهم عدم الاضطرار إلى العمل مع دمشق" لإرسال المساعدات الإنسانية.

أما فيما يخص العراق، يسعى القادة العسكريون إلى استمرار التدريبات العسكرية الأمريكية هناك. وقد صرح الجنرال روبرت وايت، قائد القوات الأمريكية البرية في العراق وسوريا، في لقاء صحفي له في البنتاغون في مطلع هذا الشهر أن الولايات المتحدة خططت " لتقديم خدمتها للحكومة العراقية من خلال الاستمرار بتدريب وتقديم الاستشارة لقواتها الأمنية من أجل زيادة قدرات وأعداد هذه القوات " في المناطق التي لا تزال بحاجة إلى ذلك.

في الوقت نفسه، يمكن للقوات الأمريكية أن تقدم المساعدة الأمنية اللازمة، ما يسمح بإعادة الاستقرار في المناطق التي مزّقتها الحرب. يقول المسؤولون العسكريون إنهم يقومون بالتنسيق مع وزارة الخارجية الأمريكية والوكالات الحكومية حول جهود إعادة الإعمار والاستقرار التي سيتم تنفيذها بعد القضاء على تنظيم الدولة. أما بالنسبة لسوريا، فالعمل الفعلي لمنظمات الإغاثة يبقى مشروطاً باستتباب الأمن هناك.

فبعد أسبوع من المواجهات بين حكومة بغداد والأكراد العراقيين حول انفصال كركوك، يقول مسؤولون حاليون وسابقون إنه مبرر آخر لاستمرار التدخل العسكري الأمريكي، إذ يسهم هذا التدخل في وجود قوة مضادة أمام النفوذ الإيراني المتزايد ويسهم في تخفيف التوتر المتزايد بين أربيل وبغداد.

لقد اعتبرت المليشيات المدعومة من إيران، والتي ساعدت قوات حكومة بغداد في إعادة السيطرة على مدينة كركوك المتنازع عليها من يد قوات البشمركة الكردية هذا الأسبوع، اعتبرت ما حدث انتصارا لجهود طهران الرامية للعب دور أكبر في العراق.

ففي النهاية، وعلى الرغم من النجاحات المتتالية على أرض المعركة ضد تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، إلا أن المسؤولين العسكريين لا يرون حلاً. وقال مسؤول عسكري "إن ما يحدث ليس معركة تقليدية؛ لذا فهي ليست كأي حرب خُضناها من قبل"، مضيفاً "أنه لا توجد نهاية واضحة لما يحدث".