الخميس 2018/11/01

قضية خاشقجي تربك سياسة ترامب بخصوص سوريا


بقلم: سيث فرانتزمان

المصدر: ناشيونال إنترست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ترتكز سياسة إدارة ترامب على البقاء في سوريا بعد القضاء على تنظيم الدولة، وإلى حين خروج الإيرانيين من الأراضي السورية. إلا أن الحفاظ على الدعم الخليجي وتحقيق توازن بينه وبين المطالب التركية سيكون تحديا مستمرا للإدارة الأمريكية.

هل ستقوض الأزمة الأمريكية-السعودية رؤية واشنطن بخصوص شرق سوريا؟

كان من المفترض أن تبدأ القوات الأمريكية والتركية القيام بدوريات مشتركة في تشرين الأول/ أكتوبر الحالي بالقرب من بلدة منبج شمالي سوريا. وكان قد صرح الجنرال جوزيف فولت، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في 21 تشرين الأول / أكتوبر الحالي أن الدوريات ستبدأ عما قريب. وصل الجنرال فوتيل إلى قاعدة التنف في اليوم التالي. تعتبر قاعدة التنف قاعدة أمريكية حيث تقع في المنطقة المعزولة الواقعة جنوب سوريا بالقرب من الأردن والعراق، حيث أكد حينها أهمية دور القاعدة في القضاء على تنظيم الدولة.

يمكن النظر إلى الزيارة التي قام بها الجنرال فوتيل وتصريحاته حول منبج على أنها تعبير عن الموقف الذي تتبناه الولايات المتحدة بخصوص سوريا بشكل عام، حيث لا تزال واشنطن ملتزمة بمحاربة تنظيم الدولة إلا أن توسيع نطاق مهمتها هناك وأهداف هذه المهمة أدى بها إلى مواجهة إيران ومحاولة التعامل مع المخاوف التركية.

إن الإجابة عن هذه التساؤلات العديدة حول مصير سوريا ليس بالأمر السهل في ظل ظروف عادية، فقد أدت قضية مقتل الصحفي والكاتب السابق خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول إلى تغيير الحسابات بخصوص حليف رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة. فقد تعهدت السعودية بإنفاق مبلغ قدره 100 مليون دولار في آب/ أغسطس الماضي لدعم قسم كبير من جهود "الاستقرار" شرقي سوريا. ولتحقيق هذه الغاية، يقوم "فريق استجابة سوريا"، المعروف باسم ستارت، بتنسيق مجموعة من الجهود تحت إدارة وزارة الخارجية الأمريكية. تعمل واشنطن على التدخل بشكل أكبر في سوريا، بعد عام من هزيمة تنظيم الدولة وسقوط عاصمة "خلافته" المفترضة.. الرقة.

في الوقت نفسه، تواجه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وشركاؤها من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في وادي الفرات معارك عنيفة ضد تنظيم الدول حول منطقة تدعى هجين، حيث يتعين على المقاتلين الموجودين على الأرض التصدي للسيارات الملغمة، والعربات المدرعة، والتعامل مع تكتيكات تنظيم الدولة المعتادة في المنطقة المزروعة بالعبوات البدائية الصنع. لا تزال هذه المعركة على أشدها على مدار الشهرين الماضيين.

تسعى الولايات المتحدة إلى التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، حيث تعطي المناطق الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة شرقي سوريا بعض النفوذ لسياسة أوسع في المنطقة. وفي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على إيران في 4 من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، تسعى واشنطن إلى توحيد رؤية شركائها وحلفائها في المنطقة. فقد صرح الجنرال فوتيل في 4 من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي أنه في حين أن الجهد الرئيسي المرتبط بإيران هو دبلوماسي واقتصادي، فإن هناك بعض الخطوات التي تقوم بها القوات الأمريكية في سوريا ويمكن اعتبارها "موازية ومناهضة للنفوذ الإيراني الخبيث، ليس فقط في سوريا، ولكن أيضا في المنطقة بأسرها".

يبدو أن إعادة هيكلة البنية التحتية التي تساعد في تحقيق الاستقرار واستمرار دور الولايات المتحدة شرق سوريا كان هدفا مشتركا لكل من الرياض وواشنطن. ففي آذار/ مارس الماضي، أشار الرئيس دونالد ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستغادر سوريا "قريبا جدا". وبحسب ما جاء على لسان مستشار الأمن القومي، جون بولتون، فقد وضعت إدارة ترامب استراتيجية جديدة قد تستلزم بقاء قواتها في سوريا إلى حين فتور النفوذ الإيراني هناك. كما صرح بولتون في آب / أغسطس أنه على الرغم من أن هزيمة تنظيم الدولة كان الهدف الوحيد للولايات المتحدة في سوريا، إلا أن القلق المتزايد من "وجود المليشيات الإيرانية وقوات النظام" في سوريا قد أصبح هدفا آخر للإدارة الأمريكية.

كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تخفيض الميزانية المخصصة لشرق سوريا وتشجيع السعودية على ضخ المزيد من الأموال، وهذا يعني باختصار الاستعانة بمصادر خارجية فيما يخص الجانب المالي، في الوقت الذي تحافظ فيه أمريكا على وجودها العسكري على الأرض وتدرب "قوات سوريا الديمقراطية" للقيام بالباقي.

زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، شرق سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017، وطلب ترامب من العاهل السعودي الملك سلمان تخصيص ميزانية تقدر بنحو 4 مليار دولار لشرقي سوريا في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي.

يبدو أن كل شيء كان يسير على ما يرام بالنسبة لخطة ترامب في سوريا، ودور الرياض في السياسة الإيرانية، حتى يوم اختفاء خاشقجي.

تمر العلاقات الأمريكية – السعودية اليوم بأزمة في الوقت الذي يدعو فيه الكونغرس لخفض مبيعات الأسلحة أو فرض عقوبات على الرياض. وفي ظل هذه الأزمة، قامت السعودية بإرسال مبلغ يقدر بـ 100 مليون دولار لشرق سوريا دون الإعلان عن ذلك، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

أما بالنسبة لتركيا فهي تدرس اليوم أفضل السبل لمتابعة قضية خاشقجي، بما في ذلك الضغط الذي يمكن أن تفرضه على الرياض وواشنطن. شهدت العلاقات الأمريكية التركية توترا كبيرا قبل أن تبرز قضية الصحفي خاشقجي على السطح، لكن أطلاق سراح القس أندرو برونسون والمباحثات العديدة التي جمعت مسؤولين رفيعي المستوى من كلا الطرفين، قد أعطت أنقرة فرصة الضغط على واشنطن للحصول على الدعم.

كما تسعى تركيا إلى القيام بدوريات مشتركة مع الولايات المتحدة في مدينة منبج. لقد عارضت أنقرة علاقة الولايات المتحدة بالقوات الكردية، التي هي جزء من "قوات سوريا الديمقراطية". وذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية، في 4 تشرين الأول / أكتوبر الحالي أنه سيتم إخلاء منبج من المقاتلين الأكراد في أعقاب بدء هذه الدوريات. وكانت الصحيفة قد استعملت وصف "إرهابيي وحدات حماية الشعب" والجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي). وصفت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة التدريب الأمريكي لقوات الأمن شرقي سوريا بأنه "جيش إرهابي يتألف من 30000 عنصر تابع لحزب العمال الكردستاني" وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الولايات المتحدة تقوم "بإعداد جيش من الإرهابيين" في كانون الثاني/ يناير الماضي.

تعتبر تركيا شركاء الولايات المتحدة في سوريا أعداء بينما تسعى واشنطن وأنقرة إلى القيام بدوريات مشتركة. كما تجد السعودية نفسها في خضم أزمة في الوقت الذي سيتم فيه فرض عقوبات على إيران، وتحاول فيه الولايات المتحدة الحصول على تمويل من الرياض لشرق سوريا. تمنح هذه المعضلات المزيد من النفوذ لكل من تركيا والسعودية. ومع ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أيضا الحصول على المزيد من الدعم المالي من السعودية مقابل تحالفها معها، وتطالب تركيا بتقديم تنازلات مقابل إعفاء إيران من بعض العقوبات. يبدو هذا الأمر ممكنا في الوقت الذي طالب فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 24 من تشرين الأول/ أكتوبر بإعفاء إيران من بعض العقوبات، ما يسمح لها بمواصلة شراء النفط الإيراني.

لقد أصبح التخطيط للحملة ضد تنظيم الدولة شرقي سوريا مع البقاء في سوريا للحد من النفوذ الإيراني، سياسة مركزية بالنسبة لإدارة ترامب. إلا أن القيام بذلك بدعم من الخليج، بما في ذلك الإمارات والبحرين والسعودية، وتحقيق التوازن بين ذلك وبين المطالب التركية، هو التحدي الرئيسي بالنسبة للإدارة الأمريكية.