الخميس 2018/07/12

فورين بوليسي: يجب على ترامب إبرام صفقة مع بوتين حول سوريا

بقلم: سامويل تشاراب وجيفري مارتينى

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لن تحصل الولايات المتحدة على كل ما تسعى إليه في سوريا، إلا أنه من الحكمة حماية مصالحها المتبقية هناك قبل فوات الأوان.

أفادت تقارير أن الرئيس دونالد ترامب ينظر في احتمالية إبرام صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة المزمع عقدها في 16 تموز/ يوليو الحالي في هلسنكي. يمكن اعتبار هذه الخطوة إيجابية من حيث المبدأ، حيث إن هجوم نظام بشار الأسد المستمر على واحدة من المناطق القليلة المتبقية تحت سيطرة المعارضة يشدد على الحاجة الملحة لإيجاد حل دبلوماسي من طرف الولايات المتحدة إذا ما أرادت الحفاظ على مصالحها في النزاع، وعلى الخصوص الحفاظ على المكاسب التي حققتها ضد تنظيم الدولة وما لعبته من دور في تقييد النفوذ الإيراني في البلاد.

على مدى السنوات الأربع الماضية، حظيت الولايات المتحدة بمكانة خاصة في سوريا، غير أنها مهددة بأن تفقد هذه المكانة عما قريب: فقد تماشت الأولوية القصوى للولايات المتحدة والتي تتمثل في هزيمة تنظيم الدولة في الجزء الشرقي من البلاد، مع أولوية النظام المتمثلة في هزيمة الثوار في سوريا وعلى الخصوص في الجزء الغربي من البلاد. من الناحية العملية، كان هذا يعني أن دمشق لا تعارض عمليات الولايات المتحدة وسيطرتها الفعلية في الشرق، بينما تخلت واشنطن عن المعارضة في الغرب بشكل تدريجي إبان الفترة الرئاسية لباراك أوباما ثم بشكل فوري في ظل رئاسة ترامب. أما اليوم فلم يعد أي من الطرفين يعتمد هذا التدبير العرضي في ظل تغيّر أهدافهما.

افترض العديد من المحللين أن نظام الأسد لا يهتم إلا بالمناطق التي تقع ضمن ما سمي بـ "سوريا المفيدة"، وهو مصطلح يشير إلى المناطق الغربية المأهولة بالسكان والتي تمتد من درعا في الجنوب مروراً بدمشق وحمص وحماة والشمال وصولاً إلى حلب.

بعد سبع سنوات من الصراع، تبيّن أن الأسد وحلفاءه يهتمّون كثيرًا بالمياه والزراعة والكهرباء والنفط والسيطرة على الحدود، التي توجد جميعها شرق البلاد. إن الاعتداء على الجنوب الغربي خلال الأسابيع القليلة الماضية هو بمثابة استعراض تمهيدي لما يمكن أن يحدث شرق نهر الفرات، حيث توجد "قوات سوريا الديموقراطية" التي تدعمها الولايات المتحدة.

وقد حاول نظام الأسد، بدعم من الجماعات الموالية لإيران والمرتزقة الروس، بالفعل إنشاء قناطر على الجانب الشرقي من الفرات. إنها الآن مسألة وقت فقط قبل أن يقوم بشن هجوم على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق. إن إبرام صفقة مع الروس في سوريا قد يدفعهم إلى ثني الأسد عن استعادة البلد بأكمله بالقوة.

لقد شهدت أهداف النظام تحولًا كبيراً شأنها شأن أهداف واشنطن. فبعد أن قامت الولايات المتحدة بإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة، وضعت إدارة ترامب نصب عينيها هدفا جديدا يتمثل في "طرد إيران من سوريا". يشير هذا الطرح إلى وجود معسكر معادٍ لإيران داخل الإدارة، والذي ينقسم بين مؤيدين لتقليل الالتزامات الأمريكية في الخارج وأولئك الذين يفضّلون تطبيق القوة العسكرية ضد الخصوم الإقليميين. من الناحية العملية، يبقى من غير المعروف ما الذي يمكن أن يُخرج إيران من سوريا، دون وجود عسكري دائم لها هناك، وهو ما يسعى ترامب إلى القيام به، ولتحقيق هذا الهدف يجب طرحه على طاولة المفاوضات.

على الرغم من أن النفوذ الأمريكي قد تقلص إلى حد كبير بفضل المكاسب الأخيرة التي حققها نظام الأسد، فلا تزال هناك فرص أمام واشنطن وروسيا للتوصل إلى تسوية تحافظ على بعض المصالح الأمريكية.

لا يريد الكرملين مواصلة حملته الجوّية في سوريا لأجل غير مسمى دعماً لمصالح الأسد وإيران، وبالتالي فمن المتوقع أن تدعم روسيا التوصل إلى تسوية سياسية تتماشى مع أهدافها النهائية: عدم تغيير النظام في دمشق والحد من الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بشكل دائم. يفضل الكثيرون في موسكو هذا الخيار عوضاً عن مساعدة النظام والإيرانيين على استعادة كل المناطق التي يسيطر عليها الثوار بوحشية. والواقع أنه إذا ما ساعدت روسيا الأسد في استعادة البلد بأكمله، فسوف تفقد بعضاً من نفوذها مع نظام الأسد من خلال جعل دعمها أقل أهمية.

بالنسبة لإدارة ترامب، فإن مثل هذه التسوية لا تُعدُّ تنازلاً كبيراً. ويمكن لمثل هذا الاتفاق أن يحافظ على أهداف واشنطن في منع عودة ظهور تنظيم الدولة وحرمان إيران من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. تشعر روسيا بالقلق من السماح لإيران بالسيطرة على سوريا، كما إنه لا مصلحة لديها للسماح لتنظيم الدولة بالعودة إلى المنطقة من جديد، إضافة إلى أن لشركاء واشنطن الرئيسيين، إسرائيل والأردن، أهدافاً مماثلة، حيث تعارض كل منهما بشدة وجود قوات تابعة لإيران على حدودهما.

تعد كل هذه الظروف والأسباب أرضاً خِصبة من أجل التوصل إلى تسوية، وهو ما تسعى إليه إدارة ترامب، ولكي تنجح في تحقيق ذلك فإن عليها أن تطلب من الروس تقديم الالتزامات بالحد من النفوذ الإيراني في سوريا كشرط مسبق لأي انسحاب مستقبلي لها من شرق سوريا.

من غير المجدي التوصل إلى هذه التسوية في الوقت الذي لا يزال فيه الجيش الأمريكي مهددا بالانسحاب من الجزء الشرقي من البلاد، حيث تتمركز قواعد الولايات المتحدة والقوات الكردية التي جنّدتها للمساعدة في محاربة تنظيم الدولة. إن تخلي الولايات المتحدة عن نفوذها بشكل مسبق لا يُعد استراتيجية مربحة إلا أنه يمكن لاتفاق بين ترامب وبوتين أن يهيئ الظروف للانسحاب.

تسعى إدارة ترامب بشكل جدي للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، ولكن من الأفضل أن ندرك أنها لا تستطيع الدفع بهذه الأخيرة إلى الخروج من سوريا بشكل كامل.

بالنسبة لإسرائيل، فإن لديها القدرة على إضعاف القوات الإيرانية في سوريا من خلال شن ضربات جوية، إلا أن قدراتها الجوية والاستخباراتية والاستطلاعية تبقى محدودة، لرصد واستهداف جميع الوحدات التابعة لإيران في البلاد.

لن تستطيع روسيا طرد إيران وإن وافقت على لعب دور الوسيط في انسحاب إيراني، على الرغم من أن موافقتها على الأمر غير واردة الحدوث.

لطالما كانت طهران ودمشق حليفتين منذ الحرب الإيرانية-العراقية في ثمانينات القرن الماضي، كما ساعدت إيران على قلب موازين القوى لصالح النظام في الصراع الحالي. إن إزالة التهديد الإيراني بفتح جبهة جديدة على الحدود الإسرائيلية ومنع إيران من إقامة قواعد في سوريا سيكون بمثابة فوز بالنسبة للولايات المتحدة، غير أن طرد إيران بالكامل من سوريا هو محض ضرب من الخيال.

على الرغم من كل هذه التحديات، فإن هناك أسباباً كافية للاعتقاد أن روسيا ستقبل بإبرام صفقة من شأنها وقف إراقة الدماء والحفاظ على استقلال شرقي سوريا، وكذا منع سقوط سوريا تحت سيطرة إيرانية كاملة، والسماح لجهود مكافحة الإرهاب بالاستمرار ضد تنظيم الدولة. إذا استطاع ترامب إقناع بوتين بالالتزام بمثل هذا الاتفاق خلال القمة المزمع عقدها في الأيام القليلة الماضية فسيكون ذلك إنجازا كبيرا.