الجمعة 2018/11/09

فورين بوليسي: هكذا يدعم الغرب انتهاكات السعودية والإمارات باليمن

بقلم: راضية المتوكل وعبد الرشيد الفقيه

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

أثارت جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي استهجان العالم؛ لكن ماذا عن قنابل محمد بن سلمان وحلفائه الإماراتيين التي تقتل العشرات من اليمنيين بشكل يومي؟.

كان جمال خاشقجي آخر ضحايا غطرسة متهورة أصبحت السمة المميزة للسياسة الخارجية السعودية.

حزن اليمنيون لموته لكنهم لم يستغربوا الوحشية التي استُعملت لقتله، فقد كانت بلادهم شاهدة على هذا النوع من الوحشية نحو أربع سنوات.

باعتبارنا من المدافعين عن حقوق الإنسان العاملين في اليمن، فإننا على دراية تامة بالعنف وعمليات القتل التي تطال الأبرياء التي تجري هناك، وما في ذلك من انتهاك للأعراف الدولية التي شكلت السمة الرئيسية للتدخل العسكري السعودي في بلدنا.

شكلت السعودية، منذ نحو أربع سنوات، تحالفا مع الإمارات، فقصفوا المدن اليمنية دون هوادة، وحاصروا الموانئ، وقاموا بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين المحتاجين.

وفقا لمشروع بيانات اليمن، قامت الطائرات السعودية والإماراتية بأكثر من 18500 غارة جوية منذ بدء الحرب، أي ما يفوق 14 هجوما يوميا لأكثر من 1300 يوم.

فقصفوا المدارس والمستشفيات والمنازل والأسواق والمصانع والطرق والمزارع وحتى المواقع التاريخية.

فقتل وأصيب عشرات الآلاف من المدنيين، بما في ذلك الآلاف من الأطفال جراء الضربات الجوية السعودية.

ما كانت حملة القصف هذه لتستمر لولا الدعم العسكري الأمريكي.

تزوّد الطائرات الأمريكية الطائرات السعودية بالوقود في طريقها إلى أهدافها، ويسقط الطيارون السعوديون والإماراتيون قنابل صُنعت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على المنازل والمدارس اليمنية.

ومع ذلك، فإن اهتمام الولايات المتحدة بالحرب اليمنية كان مقتصرا على التعبير عن مشاعر الغضب إزاء بعض الهجمات المأساوية بشكل خاص، مثل تفجير حافلة مدرسية في آب/ أغسطس الماضي والذي أودى بحياة العشرات من الأطفال.

لا تقتصر الجرائم السعودية في اليمن على قصف المدنيين بشكل متعمد في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي، بل السعودية مسؤولة أيضا عن وفاة عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين الذين ماتوا بسبب الأمراض والمجاعة الناجمة عن الحرب من خلال تصعيد الحرب وتدمير البنية التحتية المدنية الأساسية.

وقد خلصت الأمم المتحدة إلى أن الحصار المفروض على اليمن كانت له "آثار مدمرة على السكان المدنيين"، في الوقت الذي استهدفت فيه الغارات الجوية السعودية والإماراتية نظم إنتاج الأغذية وتوزيعها في اليمن، بما في ذلك القطاع الزراعي وصناعة صيد الأسماك.

وفي الوقت نفسه، أدى انهيار عملة اليمن بسبب الحرب إلى منع ملايين المدنيين من شراء المواد الغذائية الموجودة في الأسواق. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل مهول، كما إن موظفي الخدمات المدنية لم يتقاضوا أجورهم بشكل منتظم منذ عامين. تشن السعودية حرب تجويع على اليمنيين بشكل متعمد، حيث تستخدم التجويع كسلاح حرب.

يعتمد حاليا ثلاثة أرباع سكان اليمن - أي ما يفوق 22 مليون رجل وامرأة وطفل، على المعونات والحماية الدولية.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في أيلول / سبتمبر الماضي من وصول اليمن إلى "مرحلة حرجة"، يصبح من المستحيل بعدها تجنب حدوث كارثة إنسانية.

فأكثر من 8 ملايين شخص مهددون بخطر المجاعة، وهو رقم من المرجح أن يرتفع إلى 14 مليون نسمة – أي ما يعادل نصف سكان البلاد - بحلول نهاية عام 2018 إذا لم تتوقف الحرب، ويتم إزالة الحواجز عن الواردات وتستقر العملة.

ولنكن واضحين، لا يوجد طرف في هذه الحرب دون دم على يديه. فقد وثقت منظمة "موتانا" انتهاكات ضد المدنيين من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن، وليس السعودية فقط. لقد قتل الحوثيون وأصابوا مئات المدنيين من خلال استخدامهم للألغام الأرضية والقصف العشوائي، في حين قامت المليشيات المدعومة من الإمارات والمليشيات المدعومة من الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي بالعديد من عمليات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب بحق اليمنيين.

فقد منعت الحصانة الفعلية التي منحها المجتمع الدولي للسعودية من خلال صمته، من تحقيق العدالة بخصوص الانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف.

لقد عانى الشرق الأوسط الكثير بسبب المعايير الدولية المزدوجة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، حيث يتجاهل المدافعون المفترضون عن حقوق الإنسان في الغرب بشكل منتظم الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها حلفاؤهم في المنطقة، بدءا بشاه إيران السابق مرورا بصدام حسين ووصولا إلى ولي العهد السعودية الحالي، محمد بن سلمان.

لقد كانت سياسة ازدواجية المعايير هذه جلية خلال الجولة الأخيرة التي قام بها محمد بن سلمان إلى العواصم العالمية ووادي السيليكون على الساحل الغربي لولاية كاليفورنيا، حيث قدمته وسائل الإعلام كـ"مصلح"، وأشادت وسائل الإعلام برؤيته للسعودية عام 2030 دون أن تسأل ما الذي سيحصل لليمن بحلول عام 2020 إذا استمرت الحرب.

وبالمثل، تبدو هذه السياسة جلية عندما يقلل الساسة الغربيون من حجم الانتهاكات التي تقترفها كل من السعودية والإمارات بحق اليمنيين من خلال التذرع بأن هناك حاجة ماسة لوجود شراكة وثيقة مع الرياض لمنع التهديدات الإيرانية على المجتمع الدولي، دون التساؤل عما إذا كان هذا المجتمع نفسه معرضا للخطر بسبب انتهاك السعودية بشكل يومي للمعايير الدولية الأساسية؟

وبالفعل، في الوقت الذي تستمر فيه التغطية الإعلامية بخصوص عملية قتل خاشقجي المروعة، تكاد المجازر اليومية، التي تقوم بها السعودية وأطراف الصراع الأخرى بحق اليمنيين، لا تذكر.

على أولئك الذين غضبوا لمقتل خاشقجي، في الولايات المتحدة والأماكن الأخرى، أن يتخذوا موفقا أخلاقيا مشابها ويقوموا بإدانة عمليات القتل اليومية التي تقوم بها السعودية ضد الأبرياء في اليمن.

إذا تم فرض قيود حقيقية على الانتهاكات التي تقوم بها السعودية، فيجب أن تكون قضية قتل خاشقجي بداية لمحاسبتها على هذه الانتهاكات وليس النهاية.

لقد تم النظر إلى قضية خاشقجي بشكل مجرد بدلا من اعتبارها نتيجة لتقديم المصالح الجيوسياسية أو التجارية على حساب القيم العالمية.

في سرد مختلف لما يحدث في اليمن، فمن شأن إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتدخل السعودي-الإماراتي هناك ودعم جهود السلام بقيادة الأمم المتحدة وإعادة فتح الموانئ الجوية والبحرية اليمنية،أن ينقذ ملايين الأرواح.

لو تحدث المشرًعون الأمريكيون منذ سنوات عن الانتهاكات التي كانت تقوم بها السعودية حينها واتخذوا إجراءات بشأن ما حدث في اليمن، لكان آلاف المدنيين اليمنيين، الذين قتلوا بسبب الغارات الجوية أو المجاعة، على قيد الحياة اليوم، وربما كان جمال خاشقجي على قيد الحياة أيضاً.