السبت 2018/07/07

فورين بوليسي : مصداقية أمريكا على المحك في سوريا


بقلم: جون بوديستا وبراين كاتوليس

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


 

يجب على ترامب أن يفي بوعوده ويطلب من روسيا التوقف عن انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الحاسم.

في الوقت الذي يستعد فيه الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لحضور القمة المزمع عقدها في 16 تموز/يوليو الجاري في هلسنكي، تزداد المخاوف من تراجع مصداقية أمريكا على الساحة العالمية بشكل كبير.

فبعد الأداء الضعيف لترامب في مجموعة "الدول السبع" الشهر الماضي، يبدو أنه مستعد لتقويض علاقاته مع حلفائه الأوروبيين من جديد؛ في الوقت الذي فشل فيه بوقف التدخل الروسي في انتخابات التجديد النصفي بالولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.

لكن هناك قلقاً كبيراً بشأن ما إذا كان يستطيع ترامب الوفاء بوعوده حول الاتفاق الذي وقّعه شخصياً مع روسيا والأردن من أجل وقف إطلاق النار في جنوب سوريا.

فقد أنهَت موسكو بالفعل الاتفاق الذي أبرم في عمان في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي وصدّق عليه ترامب شخصياً في اجتماع مع بوتين في فيتنام في وقت لاحق من ذلك الشهر. قصفت روسيا الأسبوع الماضي عدداً من المستشفيات جواً، كما استهدفت المدنيين دعما لهجمات نظام بشار الأسد ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جنوب سوريا. وفي يوم الخميس الماضي قتل 17 مدنياً كانوا يختبئون في ملجأ تحت الأرض خلال غارة جوية ضمن الهجوم الذي تتعرض له محافظة درعا الجنوبية.

لا تهدد هذه الانتهاكات أمن السوريين وحسب، بل تهدد أمن اثنين من حلفاء أميركا المقرّبين في الشرق الأوسط، إسرائيل والأردن. تحدّث فريق "فورين بوليسي" إلى مجموعة صغيرة من السوريين في أيار/ مايو الماضي خلال رحلة لهم باتجاه عمَّان، وسألناهم عما يمكن فعله، فكان الجواب كالتالي: "نحن بحاجة إلى تعزيز احترام اتفاقات خفض التصعيد ...على أمريكا أن تلتزم بوعودها". لكن المجموعة، ومعظمهم من فئة الشباب السوري، توقّعت تخلي الولايات المتحدة عنهم.  قال أحد أفراد المجموعة معلقاً "نحن وحدنا الآن، فلا أحد يهتم بما يحدث لنا، فالبنتاغون لا يهتم، كما إن ترامب قد أمر وكالة الاستخبارات المركزية بعدم تقديم يد العون لنا".

كانت المجموعة، التي شملت أحد كبار المنشقّين السابقين عن النظام، جزءًا من الجبهة الجنوبية التي قاتلت نظام الأسد لسنوات. كان عناصر هذه المجموعة شهودا على ما تعرضت له الجبهة من دمار وهزيمة جراء قرار قطع المساعدات الأمريكية العام الماضي، أي قبل وقت طويل من هذا الهجوم الأخير.

لم يفعل ترامب شيئا يذكر للرد على هذه الانتهاكات التي طالت الاتفاقية التي أبرمها مع الروس.

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في أواخر أيار/ مايو الماضي تحذيراً عاماً قاسياً ضد أي انتهاكات للاتفاقية، تقول فيه: "إن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات صارمة ومناسبة رداً على انتهاكات نظام الأسد".

لكن من الناحية العملية، لم يعنِ هذا شيئاً؛ ففي رسالة خاصة وُجّهت في 23 حزيران / يونيو الماضي، لقادة الجبهة الجنوبية ونشطاء سوريين آخرين، نقل مسؤول في وزارة الخارجية رسالة مختلفة: "نحن في الحكومة الأمريكية نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ونحن لا نزال نطلب من الروس والنظام عدم القيام بأي عمل عسكري من شأنه أن ينتهك اتفاقية خفض التصعيد جنوب غرب سوريا. ولكننا نحتاج إلى توضيح موقفنا: نحن ندرك أنكم بحاجة إلى اتخاذ قراراتكم بناء على مصالحكم ومصالح أسركم وفصائلكم، ومع ذلك لا يجب أن تكون هذه القرارات مبنية على افتراض أو توقع أي تدخل عسكري من جانبنا". لقد كانت فحوى الرسالة كالتالي: "حظاً موفقاً.. أنتم وحدكم".

إن ما يحدث في جنوب سوريا لا يؤثر على سوريا فقط، بل يؤثر على المشهد ككل. تخشى إسرائيل، حليف أمريكا الرئيسي في الشرق الأوسط، من أن الهجوم الحالي سيعطي إيران مجالاً أكبر للمناورة داخل سوريا ووضع أسلحة خطيرة، بما في ذلك صواريخ متطوّرة، وجعل المليشيات التي تدعمها إيران قريبة من حدودها.

الأردن، التي تعتبر شريكا أمنياً آخر للولايات المتحدة وتستضيف نحو 1.4 مليون سوري، تخشى وصول موجة أخرى من اللاجئين، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي تعاني منها بسبب موجات اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين السابقة.

للصراع السوري تداعيات هائلة يتجاوز مداها حدوده ومنطقته المباشرة، حيث يعتبر سبباً وراء موجة الكراهية الموجَّهة ضد الأجانب والمسلمين التي بدأت تنتشر في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل جزئي. لقد أشعلت الحرب موجة جديدة داخل "المجتمعات المغلقة" في مقاربتها للأمن العالمي وتتمثل هذه المقاربات فيما يلي: بناء الجدران، وفرض تدابير قاسية على اللاجئين، وعدم القيام بما يكفي للوفاء بالالتزامات الخاصة للمساعدة في حل الصراعات، مثل التزام ترامب بوقف إطلاق النار في جنوب سوريا.  لقد احتلت سوريا هوامش نقاشات الولايات المتحدة لعدة سنوات، كما إن التخلي عنها لم يبدأ مع ترامب، فقد تم التخلي عنها من قبل.

لكن بغض النظر عن الوعود التي سيقدمها بوتين لترامب في فنلندا، ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذا الأخير سيفي بوعوده. لقد خدع بوتين ترامب في سوريا، في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى، إلى جانب كوريا الشمالية، تراقب ما يحدث عن كثب.

لن تكون مصداقية ترامب فقط على المحك، بل مصداقية أمريكا كذلك.