الثلاثاء 2018/11/06

فورين بوليسي: على واشنطن استعمال نفوذها للضغط على الرياض


بقلم: نيكول بيبينس سيداكا

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ردود الفعل الدولية على مقتل الصحفي جمال خاشقجي في العالم -والتي جعلت الرياض في موقف دفاعي في وجه الاحتجاجات الدولية- فتحت الطريق أمام الولايات المتحدة لاستعمال نفوذها ضد السياسة السعودية. فقد بدأت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بالضغط على السعودية لإيقاف حربها على اليمن.

يجب على واشنطن أن تغتنم هذه الفرصة وتقوم بالضغط على محمد بن سلمان لتوسيع برنامجه الاصلاحي الاقتصادي ليشمل الحقوق المدنية والسياسية الداخلية للسعودية.

خلّف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول الشهر الماضي ردودا متباينة من المسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام: إما التعليقات على سير التحقيق وعلى ردود الفعل السعودية، أو وضع قضية مقتل خاشقجي ضمن إطار الأهمية التي تكتسيها العلاقات الأمريكية-السعودية.

تعجز المقاربة الأولى عن إظهار الحملة الواسعة النطاق التي تشنها السعودية ضد الصحفيين والناشطين، والتي كتب عنها خاشقجي في مقالاته ودفع حياته ثمنا لها.  في حين تفشل المقاربة الثانية في الإقرار بأن إسكات المعارضة يقوض اقتصاد السعودية واستقرارها، ويسيء إلى سمعتها، ويضر بحقوق مواطنيها.

 

تعليقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد وفاة خاشقجي حول أهمية الشراكة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية تعكس عدم اكتراثه أو جهلَه للعلاقة الوثيقة بين المُناخ السياسي وأهداف محمد بن سلمان الاقتصادية.

انظر على سبيل المثال كيف رد قادة الأعمال التجارية على مقتل خاشقجي. فقد حضر إلى المؤتمر التجاري لمبادرة الاستثمار المستقبلي في السعودية – أو ما يسمى بدافوس الصحراء – في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، 40 مشاركاً فقط من أصل 150. وفي الوقت الذي لن تتخلى فيه الشركات الدولية بشكل كلي عن العروض الاقتصادية السعودية، فإنها تردّ بعضاً من انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها النظام السعودي. فقد قامت مؤسسة بيل وميليندا غيتس باتخاذ قرار مماثل، حيث أعلنت إنهاء مشروع مشترك لها مع مؤسسة خيرية تابعة لولي العهد بسبب مقتل خاشقجي، حيث تبلغ تكلفة هذا المشروع نحو 5 ملايين دولار. من المرجح أن تكون هناك المزيد من ردود الفعل المشابهة بالنظر إلى الطابع العام الذي اكتسبته قضية خاشقجي وعدم تعامل السعودية باحترافية ومهنية خلال التحقيق.

إن تكميم أفواه أولئك الذين يريدون القيام بإصلاحات وإحداث تغيير في السعودية يقوّض أمن البلاد واستقرارها. فقد ذكر خاشقجي في مقالاته أن السعوديين "يعانون من الفقر وسوء الإدارة وسوء التعليم"، وأكد أن إنشاء منتدى دولي مستقل "معزول عن تأثير الحكومات القومية التي تنشر الكراهية من خلال الحملات الدعائية، سيمكن الناس العاديين في العالم العربي من معالجة المشاكل البنيوية"، في حين أن عدم التطرق إلى هذه المشاكل من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق، كما هو الحال في جميع أنحاء المنطقة. إن اتباع مقاربة لا تقوم على الحكم الليبيرالي في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات إلى تحقيق النمو الاقتصادي والانفتاح سيؤدي في نهاية المطاف إلى أحداث كارثة وليس العكس.

إن ما تبقّى من سمعة السعودية كبلد عصري وإصلاحي في خطر، مع استمرار عمليات القمع والاعتقال. عبّر خاشقجي عن قلقه بشأن هذا الأمر في مقال كتبه قبل عام، حيث سلط الضوء على اعتقال 72 مفكراً، وتساءل عما إذا كان بإمكان السعودية "تقديم صورة مقنعة كمجتمع حديث ومتحضّر يستقبل السياح والأجانب، في الوقت الذي لا يزال فيه السعوديون يتعرضون للقمع. ستتوسّع الفجوة بين صورة البلاد المعروضة وواقع مناخها السياسي، مع مرور الوقت وإفشال كل الإصلاحات التي يتطلع إليها محمد بن سلمان.

لا يمكن اعتبار مقتل خاشقجي حدثا منفصلا عن الاعتقالات التي كتب عنها والتي طالت مفكرين آخرين. فلا يزال مصير الصحفي البارز مروان المريسي، الذي اعتقل في حزيران / يونيو أثناء زيارته لابنه البالغ من العمر خمس سنوات في المستشفى، مجهولا حتى اليوم. وحكم على الصحفي السعودي البارز، صالح الشيحي، بالسجن خمس سنوات من قبل محكمة خاصة بتهمة "إهانة البلاط الملكي".

 

لجنة حماية الصحفيين صنّفت السعودية من بين الدول المثيرة للقلق بالنظر إلى سجلها الحافل بالاعتقالات بحق الصحفيين. كما قام محمد بن سلمان بقمع منافسيه السياسيين، من خلال احتجاز المئات من رجال الأعمال عام 2017 في فندق ريتز كارلتون في الرياض، بذريعة مكافحة الفساد. تصنِّف منظمة "فريدم هاوس" السعودية من بين الدول "غير الحرة"، حيث حصلت إلى جانب 12 دولة وكيان آخر على أدنى المراتب في مجال الحقوق السياسية والمدنية. فحصلت السعودية على أدنى درجة (0 من أصل 4) في حرية وسائل الإعلام، والدين، والتجمع.

قام كل من ترامب وصهره المستشار البارز، جاريد كوشنر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بربط علاقات قوية ومتينة مع ولي العهد، إذ يمكن القول إن هذه العلاقات تعبّر عن مدى تماسك العلاقات الأمريكية السعودية وأهمية الإصلاح، كما تثبت أن استقرار البلاد وتحقيق أهداف الإصلاح لا يتعارضان مع التغيير السياسي. هناك حاجة مُلحة للقيام بمجموعة واسعة من الإصلاحات، بما في ذلك حرية التعبير، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإنهاء سيطرة الدولة على جميع وسائل الإعلام، ووضع حدّ لمقاضاة الصحفيين الذين يعارضون العائلة المالكة، وإلغاء قوانين الوصاية والسماح للمواطنين بالانخراط في الجمعيات المستقلّة. لم يعُد بإمكان الولايات المتحدة اليوم اعتبار محمد بن سلمان مُصلحاً، فهو يسعى بشكل حثيث إلى تطبيق أجندة غير إصلاحية بخصوص الحقوق السياسية وحرية التعبير.

وكما يعلم الجميع، لا يندرج ملف حقوق الإنسان ضمن أولويات إدارة ترامب، وهذا الأخير براغماتي يسعى لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية ويدعم السعودية.  تشكّل قضية خاشقجي فرصة لدعم حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير وكذا رعاية مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية. وبالمثل، من المهم أن يدرك محمد بن سلمان مدى ارتباط الإصلاحات السياسية بالقضايا التي يسعى إلى تحقيقها. فبالنظر إلى رغبته في تقديم نفسه كزعيم إقليمي وعالمي يسعى إلى إحداث إصلاح باقتصاد بلاده، يجب أن يدرك بأن التضييق على الحقوق السياسية يقوّض أهدافه.

مع ظهور المزيد من التفاصيل حول مقتل خاشقجي، سيتعيّن على محمد بن سلمان أن يسعى إلى إصلاح الضرر الذي لحِق سمعته وسمعة بلاده خلال الأسابيع القليلة الماضية. من المرجّح أن يفعل ذلك من خلال إظهار قوته. إن من مصلحة الولايات المتحدة أن يصبح محمد بن سلمان قادرا على القيام بإصلاح سياسي حقيقي، بدلا من القمع. وكان قد كتب خاشقجي بخصوص هذا الموضوع: "من خلال التشجيع على النقاشات العامة وتخفيف قبضته على وسائل الإعلام في البلاد، والإفراج عن سجناء الرأي، سيثبت أنه مصلح حقيقي بالفعل".

يلعب الكونغرس الأمريكي دوراً مهماً في توسيع نطاق الحديث عما يحصل في السعودية ليتعدى قضية خاشقجي. فقد طالب العديد من المشرعين في الكونغرس - بمن فيهم السناتور ماركو روبيو والنواب مايك كوفمان وآدم سميث وإليوت إنجل وآدم شيف - بمحاسبة المتورطين في مقتل خاشقجي. كما قام النائب جيم ماكغفرن، إلى جانب 20 عضوا آخرين في الكونغرس من الحزبين، بتقديم تشريع يسعى إلى حظر مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للسعودية، لكنه يربط هذا الحظر بنتيجة التحقيقات في مقتل خاشقجي. يجب أن تمتد هذه الجهود لتشمل مجموعة واسعة من القضايا المحلية السعودية، بما في ذلك الإفراج عن جميع السجناء السياسيين والصحفيين ورفع القيود عن وسائل الإعلام والمناقشات المدنية. وهذا من شأنه أن يساعد في إحداث تغيير كبير يخدم الشعب السعودي واقتصاد المملكة.

في عالم مثالي، كان محمد بن سلمان يعطي مساحة سياسية أكبر للمعارضين ويوقف اضطهاد الصحفيين والناشطين لاعتبارات أخلاقية واحتراماً للمعايير الدولية، وكانت الولايات المتحدة ستقوم بالأمر نفسه. لكن الإصلاح أكثر أهمية بالنسبة لترامب. بغض النظر عما إذا كان البيت الأبيض والكونغرس يسعيان لتحقيق العدالة في قضية خاشقجي أو قلقين بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية، فقد حان الوقت الآن للضغط على محمد بن سلمان لإجراء تغييرات حقيقية وذات مغزى.