السبت 2018/05/26

فورين بوليسي: سوريا تسير نحو التقسيم الفعلي.. الأسد وإيران الخاسران الوحيدان في “لعبة بوتين”

بقلم: جوناثان سباير

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لم ينتصر الأسد بل هي حرب جامدة.

يبدو أن سوريا تسير نحو التقسيم الفعلي مع استمرار النزاع والسياسة الراكدة، إذ يمكن أن يُطلَق على ما يجري هناك بالنزاع الجامد. يبدو هذا هو هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأ وأدار نزاعات أخرى كأوكرانيا وجورجيا ومناطق أخرى.

وقد يجد اللاعبون الآخرون في سوريا: إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والمعارضة المتبقية تقبلاً للواقع الجديد، والخاسر الوحيد سيكون نظام الأسد وإيران.

ولكن ما الإشارات التي توحي بدخول سوريا مرحلة النزاع الجامد؟

بالنظر إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها الأسد إلى روسيا للقاء بوتين. فقد أخبر الرئيس الروسي الصحفيين في المؤتمر الذي تلا اللقاء قائلاً "بعد الانتصارات الواضحة التي حققها النظام في محاربة الإرهاب وتفعيل العملية السياسية ستبدأ القوات الأجنبية في سوريا بالانسحاب". وهذه إشارة واضحة على أن بوتين ليس مهتماً في دعم طموح الأسد باستعادة السيطرة على باقي المناطق التي خرجت عن سيطرته. كما إن غياب الدعم الجوي الروسي الذي اعتمد عليه النظام (في حصار حلب والقضاء على المعارضة في الغوطة الشرقية) يجعل من هذا الطموح صعب المنال.

بل وتكهّن البعض أن بوتين كان يشير إلى انسحاب القوات المعارضة للأسد فقط. فطالما فرقت موسكو بين وجودها الذي جاء بناء على دعوة من نظام بشار الأسد والقوات التي حضرت بدون دعوة، إلا أن المبعوث الروسي في سوريا ألكسندر لافرينتيف كان واضحاً في هذه المناسبة وأن بوتين كان يقصد "كل القوات العسكرية في سوريا بمن فيها القوات الأمريكية والتركية وحزب الله وكذا القوات الإيرانية".

لاقى البيان الروسي رداً غاضباً من طهران، حيث أخبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الصحفيين قائلا "لا يمكن لأحد إجبار إيران على عمل شيء. وطالما ظل الإرهاب موجودا وقبل النظام بوجود القوات الإيرانية في سوريا فسيظل لإيران حضور(هناك)". إذ يعتبر البيانان المتعارضان إشارة للخلافات بين موسكو وطهران حول مستقبل سوريا. كما إن هناك رضاً روسياً عن الضربات التي وجهتها إسرائيل لمواقع إيرانية في سوريا وموافقة الروس على إنشاء الأتراك منطقة عازلة كبيرة في شمال غرب البلاد. في الوقت الذي رفض الأسد المقترح الروسي بكتابة مسوَّدة للدستور تحدّ من سلطاته.

تشير أنماط السلوك التي تتبعها موسكو في مناطق أخرى لارتياحها إلى الحفاظ على النزاعات بدون حل، طالما أن تكلفة تدخلها في هذه المناطق منخفضة. ففي أوكرانيا مثلا، لا يزال الوضع في منطقة دونباس على حاله بدون تسوية. كما إن سيطرة روسيا على منطقتي دونتسك ولوهانسك يمنحها الفرصة لعرقلة السياسة الداخلية لأوكرانيا وكل الخطط والاستراتيجيات التي تعتبرها الحكومة ضرورية.

وفي سوريا تدعم روسيا النظام ضد قوات المعارضة كما هو الحال في أوكرانيا. لكن موسكو تؤكد الآن أن مصالحها لا تتداخل بشكل كلي مع مصالح الأسد.

ولم يكن هذا واضحا عندما وصلت المقاتلات الروسية في أيلول/ سبتمبر من عام 2015 حيث رحب بها الإعلام الإيراني كما بدا من افتتاحية صحيفة "الأخبار" اللبنانية الموالية لإيران وحزب الله وتحدث كاتبها إبراهيم الأمين عن ولادة تحالف "4+1" والذي سيضم الأسد والعراق وإيران وحزب الله وروسيا. أما اليوم فالواقع يفرض صورة أكثر تعقيدا عما صورته تلك المنابر الإعلامية.

وعلى ما يبدو فقد حقق الروس الأهداف التي كانوا يرجون تحقيقها في سوريا. فقد حال التدخل الروسي دون هزيمة محتملة للأسد 2015، وأصبح الحظ إلى جانب الأسد. وهو الآن يسيطر على 60% من الأراضي السورية كما فقد تنظيم الدولة آخر المناطق التي كانت تحت سيطرته بالقرب دمشق، ولم يعُد خطرُ انتصار المعارضة قائماً.

لقد أبانت روسيا عن فعالية الأساليب الوحشية لنظامها الجويّ ونُظُم أسلحتها، بالإضافة إلى مدى المهارة والتفاني الذي أبان عنه جيشها بعد إعادة تنظيمه، فقد حمت قاعدتها البحرية في طرطوس والجوية حميميم قرب اللاذقية. وأثبتت روسيا التزامها بوعودها لحلفائها مقارنة بالولايات المتحدة.

يبدو أن بوتين ليس مهتماً بالمهمة التي تحدث عنها إبراهيم الأمين -المؤيد لحزب الله – في أن يكون زعيماً للكتلة الشيعية بالمنطقة. إذ تريد موسكو أن تكون صاحبة القول الفصل في السياق السوري، بهدف تحقيق جل أهدافها الإقليمية.  وللحصول على دور كهذا على موسكو أن تعطي كل طرف ما يريده بدلا من أن تنحاز لطرف معيّن على حساب طرف آخر.

تسعى روسيا إلى الاستمرار والحفاظ على الخلاف القائم بين تركيا وحليفها في الناتو، الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا السبب وافقت على إنشاء جيب تركي- إسلامي سني في شمال غرب سوريا يمتد من جرابلس في الشرق ويشمل مناطق واسعة من محافظة إدلب. تركيا اليوم في المراحل الأخيرة لبناء 12 نقطة مراقبة تحيط بإدلب. واستبعد نائب رئيس الوزراء التركي رجب آكداغ إعادة عفرين للنظام قريباً.

لم يكن باستطاعة الأتراك إقامة هذه المنطقة بدون دعم تكتيكي من الروس الذين يحكمون الأجواء في شمال غرب سوريا. واعتبر النظام الوجود التركي خرقاً للسيادة. فبدون القوة الروسية لحمايته لا يمكنه فعل الكثير.

أما في الجنوب فقد تجاهلت روسيا العمليات العسكرية الواسعة ضد المنشآت الإيرانية، ولم تحاول الدفاعات الجوية مواجهة المقاتلات الإسرائيلية. وأوضح بوتين في أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لروسيا أن لا رغبة لدى موسكو بتزويد الأسد بمنظومة الدفاع الصاروخي إس- 300.

تحاول إيران دفع النظام لمحاربة الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة في الجنوب. لكن وجود قوات موالية لإيران يحمل معه مخاطر حرب واسعة مع إسرائيل التي ترى في هذه الأخيرة تهديداً لحدودها. تبدو روسيا غير مهتمة بكل هذه المحاولات التي من شأنها أن تدفع بسوريا إلى حرب جديدة وتهدد كل المكاسب التي حققها النظام.

وفي الشرق، يبدو أن روسيا ليست في عجلة لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الذين يسيطرون على 30% من أراضي سوريا الواقعة شرق نهر الفرات. فقد تحدى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إيران في خطابه وأكد أن بلاده لن تغادر شرق سوريا قريبا، حيث تعتبر هذه المنطقة بمثابة حاجز أمام طموحات طهران في بناء ممر بري يمتد عبر العراق ولبنان وصولا إلى الحدود مع إسرائيل. ويأمل حلفاء واشنطن، بمن فيهم إسرائيل والسعودية أن تظل القوات الأمريكية في تلك المناطق من أجل الضغط على إيران. وكان قد التقى ممثلون أمريكيون هذا الأسبوع مع قادة "قوات سوريا الديمقراطية" بمدينة منبج، وأكدوا مواصلة الدعم الأمريكي لهم.

إلى أين سيؤدي هذا كله؟

بعدما قامت روسيا بتحقيق أهدافها في سوريا، تسعى اليوم إلى تحقيق التوازن بين دعمها للنظام ومصالحها الأخرى مثل تقويض المصالح الغربية في باقي المناطق بالإضافة للحفاظ على علاقاتها مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا وإسرائيل. فيما تواصل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تركيز جهودهما للقضاء على النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة.  وستكون النتيجة تقسيم سوريا وجعلها حلبة لأجندات أخرى، ما يمكن اعتباره تكتيكاً جيوسياسياً تملك فيه روسيا الكثير من الخبرة.