الجمعة 2018/12/07

فورين بوليسي: ابن سلمان أصبح رمزاً للإجرام

بقلم: ستيفن كوك

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ردة فعل الكونغرس على مقتل جمال خاشقجي "بالمواء"، كما وصف النقد اللاذع الذي تعرض له محمد بن سلمان في مقال نشره مؤخرا في صحيفة وول ستريت جورنال "بالمبالغة الإعلامية".

حاول هذا الأخير في مقاله الابتعاد عن إلقاء اللوم على القنصلية السعودية في إسطنبول بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، من خلال إلقاء الضوء على تحركات إيران العديدة في الشرق الأوسط، وخلص إلى أن السعودية باعتبارها حليفا مهما للولايات المتحدة لا يجب لومها على جريمة كهذه.

لم يقنع مقال وزير الخارجية أحدا على الإطلاق إلا أنه كان محقا بخصوص نقطة واحدة. فتفاعل الكونغرس مع قضية خاشقجي أمر غير طبيعي؛ إذ لم يولِ الكونغرس يوما اهتماما خاصا لمصير الصحفيين في جميع أنحاء العالم، بل تركز جل اهتمامه على الإدارات المتعاقبة التي كانت تبرر ما تعتبره "علاقات استراتيجية" مع حلفاء ذوي سمعة سيئة تحت غطاء الأمن القومي.

عندما يتعلق الأمر بالانتهاكات التي ارتكبتها السعودية، فقد كان هناك عدد قليل من الأعضاء الذين أبدوا اهتمامهم بالوضع في اليمن، وتحدثوا بقوة عن النشطاء المسجونين، أو استنكروا استفراد ولي العهد بالسلطة. إن رد الفعل السياسي على قصة خاشقجي غريب بشكل خاص؛ لأنه بالنظر إلى ما ذكر سابقا، ينبغي على الكونغرس أن يدعم محمد بن سلمان؛ لأنه يكره إيران، وقد طور علاقات بلاده مع إسرائيل، وسمح للنساء بقيادة السيارة، ويريد أن يقضي على التطرف.

لكن ليس الكونغرس وحده هو من عبّر عن غضبه، يستشيط كل من محللي السياسة الخارجية، والصحفيين، وسائقي سيارات "الأوبر" وحتى العامة غضبا بمجرد ذكر السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان. يبدو أن هناك موجة من الغضب العام بخصوص مقتل خاشقجي، غضب يفوق بكثير ما تظهره عناوين الصحف.

من الصعب أن ننسى أنه في الربيع الماضي فقط كثر الحديث عن محمد بن سلمان في واشنطن حيث قام بالعديد من الاجتماعات الودية في البيت الأبيض مع مجموعة كبيرة من صناع القرار. حيث يعتبر بعضهم اليوم من أشد منتقديه في كلا مجلسي الكونغرس.

كل تلك المساعي السياسية والدبلوماسية ذهبت مهب الريح لحظة دخول جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. قليلون هم الذي كشف أمرهم بهذه السرعة. فلا يزال هناك أشخاص في واشنطن يعتقدون أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك لم يعامل بشكل عادل. لا أحد يحب عبد الفتاح السيسي، لكن على عكس محمد بن سلمان، لم يقارن أحد حتى الآن السيسي بصدام حسين.

إلى جانب الأسباب الواضحة والتي تتمثل في التدخل العسكري الكارثي في ​​اليمن، وجريمة القتل البشعة التي تعرض لها خاشقجي، وسجن الإصلاحيين، وإجبار رئيس وزراء دولة أخرى على الاستقالة، وخطة بناء خندق حول بلد مجاور، والغطرسة العمياء التي تجعل من كل هذا أمرا ممكنا.. ما الذي يقف وراء تحركات الكونغرس المعادية لمحمد بن سلمان؟

أولا، للسياسة الحزبية دور في موجة الغضب هذه. صحيح أن أعداد الجمهوريين الذي انتقدوا محمد بن سلمان ونهج إدارة ترامب مع السعودية كبيرة. إلا أن نقد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام للسعودية جاء متأخرا في الوقت الذي دعا فيه زميله السيناتور مايك لي باستمرار إلى محاسبة السعوديين على الأزمة الإنسانية في اليمن.

في الأسبوع الماضي، صوّت 14 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ إلى جانب 47 ديموقراطيا وعضوين مستقلين آخرين لصالح مشروع قرار يقضي بإنهاء الدعم الأمريكي للجهود العسكرية السعودية في اليمن، في حين كانت الأصوات الـ 37 التي صوتت بعدم إقرار المشروع من الحزب الجمهوري.

مع ذلك، فإن إجماع الديمقراطيين والحماس الذي أبدوه نحو هذه القضية كان الأبرز.

يرجع ذلك جزئيا إلى العلاقة الشخصية التي تربط عائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولي عهد السعودية. فلا يقتصر الأمر فقط على اعتبار السعودية دعامة رئيسية لسياسة الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، من أجل احتواء وكبح النفوذ الإيراني الخبيث في أنحاء المنطقة، كما أوضح بومبيو في مقالته في صحيفة "وول ستريت جورنال". فخارج قاعات الكونغرس، يرى معلقون بأن محاولات الرئيس الأمريكي لحماية محمد بن سلمان من التعرض إلى اللوم جراء وفاة خاشقجي له علاقة بالعلاقات التجارية التي تربط منظمة ترامب بالسعودية.

في الوقت الذي يتبادل فيه صهر الرئيس والمستشار الأبرز في إدارته، جاريد كوشنر أطراف الحديث ويحاول التخطيط مع محمد بن سلمان في أوقات متأخرة من الليل. ومن جانبهم، فإن السعوديين، الذين ما زالوا غاضبين من سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، انحازوا لإدارة ترامب (جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين والمصريين والإماراتيين).

دون التقليل من الرفض الأخلاقي لجريمة جمال خاشقجي – الذي يعتبر مسوغا مشروعا لكل هذا الغضب – ولكن قضية خاشقجي فتحت المجال أمام معارضي ترامب في الكونغرس، والمحررين والصحفيين، والمحللين لمهاجمة رئيس يمقتونه. ضمن هذا السياق يمكن فهم جهود الرئيس الحالي للجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي، النائب الديمقراطي آدم شيف، الذي تعهد بالكشف عن ملابسات مقتل خاشقجي والعلاقات التي تربط ترامب بالعائلة المالكة في السعودية.

ثانيا، يبدو أن موجة الغضب التي تتعرض لها السعودية بسبب اغتيال خاشقجي مرتبطة بالهجمات التي تعرضت لها كل من نيويورك وواشنطن في 11 من أيلول / سبتمبر 2001. ومن المهم ربط ما يحدث بالإساءة التي يتعرض لها الصحفيون بشكل روتيني في كل من مصر وهنغاريا وروسيا والصين وإيران- وفي كل أنحاء العالم - لكن أسمائهم وقصصهم تظل غير معروفة للعموم باستثناء مجموعة صغيرة من النشطاء والمحللين في منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ولجنة حماية الصحفيين. الفرق هذه المرة يتجلى في معرفة المسؤولين الأمريكيين المستمرة - بعدم محاسبة أو تحميل السعودية المسؤولية- عن هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر. ويبدو أن القتل الوحشي الذي تعرض له خاشقجي كان النقطة التي أفاضت الكأس.

الكل يعلم أن 15 شخصا من أصل 19 ممن نفذوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر هم سعوديون، لكن المجتمع الأمريكي لا يزال يجهل الجوانب التي تربط السعودية بشكل مباشر بهذه الهجمات.

ربما تكون الحيثيات التي لم تكشف عنها اللجنة التي حققت في أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر للرأي العام، جزءا من جهود حماية المصادر والطرق التي أوصلتها لمعرفة الجناة، لكن هذه الجهود تثير الشكوك حول الدور الذي لعبته السعودية والذي يتعدى الإرهابيين الـ 15. وينعكس جوهر الغضب الأمريكي في قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي أُقِر سنة 2016، ومهد الطريق أمام عائلات ضحايا 11 سبتمبر لمقاضاة السعودية في المحاكم الأمريكية. تم تمرير التشريع في مجلس الشيوخ في القرار رقم 97-1 وفي مجلس النواب تحت رقم 348-77.

لقد زاد مقتل خاشقجي من حدة الغضب الكامن في صدور الأمريكيين نتيجة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. كما قام محمد بن سلمان بالعديد من السلوكيات المريعة، فلم يعد الكثيرون في واشنطن يشعرون بالحاجة للتعامي عن ممارسات السعودية بعد الآن.

كما زاد مقت واشنطن لولي عهد السعودية، لأنه خرج عن السيطرة. فخاشقجي ليس أول ولا آخر شخص وقع ضحية للعنف الذي تدعمه المملكة. إلا أن هذه الجريمة النكراء تزامنت مع الهجوم العنيف الذي يتعرض له الصحفيون والأكاديميون والإصلاحيون والنقاد في كل مكان في العالم، بدءا من الفلبين ومرورا بباكستان وصولا إلى البحرين وحتى الولايات المتحدة. إن فكرة إفلات محمد بن سلمان - الذي يفترض أنه أمر بقتل خاشقجي- من العقاب، تثير الخوف والغضب. إذا لم يتحمل المسؤولية، فإن الأعراف والمعايير الدولية المتبقية للتعامل مع هذا النوع من التجاوزات، التي يجسدها مقتل خاشقجي، ستزول. ويخشى المراقبون من أن يعطي إفلات محمد بن سلمان من العقاب المجال لاستهداف أي شخص ينتقد قائدا ما.

أخيراً، لقد كان نهج بن سلمان موضع نقاش دامٍ داخل المجتمع السياسي منذ أن أصبح وريثا للعرش. كان بعض المحللين مقتنعين بأنه مُصلح حقيقي يستحق الدعم الأمريكي. وأشاروا إلى استعداده لكبح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعطاء المرأة الحق في القيادة، والتخفيف من القيود الاجتماعية السعودية مع الترويج لخطة واسعة – ولو لم تكن قابلة للتطبيق - لإعادة هندسة الاقتصاد كدليل على أنه أفضل القادة السعوديين وأحسنهم. ورأى مراقبون آخرون شيئا مختلفا تماما في الرجل نفسه : زعيم متعطش للسلطة ومتهور ولا يمكن اعتباره مصلحا في الوقت الذي يتعرض فيه خصومه للسجن ويشن حربا هوجاء على أفقر دولة في المنطقة. لقد كان المشككون فيه على صواب.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فتعرض المدافعون عن ولي العهد - أو أي شخص متعاطف مع القضية التي قدمتها إدارة ترامب، للحفاظ على العلاقات الوثيقة التي تجمعها بمحمد بن سلمان والسعوديين – لموجة من الانتقاد والسخرية اللاذعة. حظي تويتر بالأفضلية، فكانت مشاعر الكراهية ضد محمد بن سلمان الموضوع السائد. لقد أسهمت هذه المنصة في تأطير الكثير من النقاشات حول العديد من القضايا خلال هذه السنة، بما في ذلك محمد بن سلمان على الرغم من مساوئها.

على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها إدارة ترامب لتخطي تداعيات جريمة قتل خاشقجي، سيكون من الصعب القيام بذلك. إذ تزيح هذه القضية بأكملها الغطاء ليس فقط عن وحشية محمد بن سلمان وحاشيته، بل أيضا عن مشاعر الاستياء الأمريكية التي هيجتها الحقائق التي كشفت عنها الحكومة التركية ومسؤولو الاستخبارات الأمريكية. يتأفف السعوديون بدورهم من سياسات الولايات المتحدة، لكن بومبيو يسعى بوضوح إلى الفصل بين العلاقات الأمريكية-السعودية، والمعاملة الخاصة التي تتلقاها السعودية جراء التصدي للنفوذ الإيراني، غير أن مقتل جمال خاشقجي والغضب الذي خلفه يحول بينه وبين تحقيق ذلك.