الأثنين 2018/09/17

فورين بوليسي: إدلب تجمع رؤية واشنطن وأنقرة في سوريا

بقلم: إليان غولدن بورغ ونيكولاس هيراس

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

على الرغم من اختلافاتهما، فإن ترامب وأردوغان لديهما مصلحة في تجنب كارثة إنسانية جديدة في سوريا.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن نظام بشار الأسد بدء حملته لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب السورية، التي تضم نحو 3 ملايين شخص، بما في ذلك نحو مليون نازح من مناطق أخرى من سوريا.

على الرغم من السياسات الفاشلة التي تبنتها الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية، إلا أنها لا تزال تملك الأدوات اللازمة للحؤول دون حدوث كارثة إنسانية تفوق بكثير ما حدث في حلب.

يتجلى التحدي الأول بخصوص إدلب في كونها أصبحت وجهة لمعارضي نظام الأسد من جميع أنحاء سوريا. في السنوات الأخيرة، استعاد الأسد، بدعم روسي وإيراني، مناطق واسعة من البلاد، مع التركيز بشكل خاص على مناطق خفض التصعيد المختلفة في غرب سوريا، والتي تهدف إلى إيقاف القتال بين النظام والثوار.

انتهت كل حملة بصفقة مع الثوار، مع السماح لهم بالتوجه إلى إدلب بشكل آمن. في الحملة المقبلة، لا يوجد مكان يمكن لهؤلاء التوجه إليه، ما يعني أن المعركة ستستمر حتى النهاية. أفادت تقارير باعتزام الأسد استخدام الأسلحة الكيماوية، لذا يتوجب على الولايات المتحدة أن تفعل ما بوسعها لوقف أو منع حدوث كارثة إنسانية.

يمكن أن تؤدي المعركة أيضًا إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين باتجاه تركيا. ففي عام 2016، أبرمت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقاً وافقت تركيا بموجبه على استضافة معظم اللاجئين السوريين مقابل دعم مالي، ما أعاق الهجرة الجماعية إلى أوروبا التي من شأنها أن تتسبب في توترات سياسية كبيرة وعدم استقرار. لكن تدفقا جديدا هائلا من اللاجئين قد يدفع الأتراك إلى إعادة النظر في بنود هذا الاتفاق، ما قد يدفع أوروبا مرة أخرى إلى حالة من الفوضى.

تتمثل صعوبة الأمر بإدلب في أن مقاتلي القاعدة يتخللون مجموعات المعارضة المعتدلة التي تدعو لإسقاط الأسد، وأن محاولة فصلهم عن هذه المجموعات والقضاء عليها يعد أمرا صعبا للغاية. لكن شن هجوم مدمّر على المحافظة لا يمكن اعتباره حلا مثاليا لهذه المسألة، إذ لن يؤدي سوى إلى ظهور أسوأ أزمة إنسانية خلال هذه الحرب الضروس.

إن عدم القيام بأي شيء لوقف الهجوم على إدلب من شأنه أن يقوض ما يصفها كبار المسؤولين الأمريكيين اليوم على أنها سياسة الولايات المتحدة. تسعى الولايات المتحدة إلى الدفع بعملية جنيف السياسية من جديد وتطبيق مقتضياتها لإنهاء الحرب.

تصر مباحثات السلام هذه على انتقال السلطة من الأسد وعلى خروج القوات الإيرانية ووكلائها من سوريا قبل انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا. قد تكون هذه الأهداف بعيدة المنال، لكن إذا لم تحرك الولايات المتحدة ساكنا وسمحت للأسد وحلفائه الروس والإيرانيين بالتقدم نحو إدلب، وتشريد مئات الآلاف من المدنيين، وربما استخدام الأسلحة الكيمياوية، فإن ذلك سيضعف من موقف الولايات المتحدة وبالتالي عدم التأثير في المرحلة الأخيرة من الصراع.

لدى الولايات المتحدة النفوذ الكافي الذي تستطيع استخدامه لصالحها. فالقتال في إدلب سيكون أكثر بشاعة بالنسبة للأسد وحلفائه من الهجمات التي شنتها قواتهم في السنوات القليلة الماضية، وإذا توفر بديل عملي، فقد يختارون عدم تحمل تكلفة هذه المعركة.

لقد عمل الروس بجد لتلميع صورة الأسد وتجميلها كي تبدأ الدول الأخرى بالاستثمار في إعادة إعمار سوريا، إذ إن روسيا غير قادرة على تمويل هذا النوع من الجهود الضخمة. ومن شأن أزمة إنسانية ضخمة جديدة أن تعيد هذه الجهود إلى نقطة الصفر.

ينبغي على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يستخدم قناة الاتصال التي فتحها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوضيح أن الولايات المتحدة ستعرقل كل جهد روسي لإعادة إعمار سوريا إذا ما أعطت موسكو الضوء الأخضر لهجوم الأسد على إدلب، الآن أو في المستقبل. وسواء كان هذا التواصل سيؤدي إلى حدوث تغيير في سياسة روسيا أم لا، إلا أنه يمكن ينقذ أرواح الكثيرين.

لكن الأهم من ذلك هو أن تركيا ما تزال تحافظ على وجودها العسكري في إدلب، وفي هذه الحالة تتماشى مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة. بموجب اتفاق مسبق مع روسيا وإيران، أنشأت تركيا 12 مركزا عسكريا للمراقبة حول المقاطعة. لقد أدى هذا الانتشار المحدود للقوات التركية لردع قوات النظام وروسيا وإيران، وإن كان ذلك بشكل مهتز، عن الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا.

ترفض تركيا والولايات المتحدة هجوما جديداً من شأنه أن يؤدي إلى كارثة إنسانية وتدفقات موجات كبيرة من اللاجئين.

لن يكون العمل مع تركيا سهلا، إذ لا تزال العلاقات التركية-الأمريكية تشهد توترا بسبب قرار الولايات المتحدة تسليح المقاتلين الأكراد لمحاربة تنظيم الدولة، ووصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى أدنى مستوياتها حين توعد ترامب بفرض عقوبات على تركيا ورفع قيمة الضرائب على بعض المنتجات.

لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن تغيير التحالفات بين القوى الأجنبية جزء من اللعبة. وفي حالة إدلب، تجد الولايات المتحدة وتركيا نفسيهما في الجانب نفسه. قد يكون العمل معاً في هذه المنطقة من شمال غرب سوريا خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات بين البلدين.

مع أخذ هذه التحديات والفرص بعين الاعتبار، يجب على الولايات المتحدة متابعة مسارين للعمل في إدلب. يجب أن تستمر في خلق غطاء دبلوماسي كبير لتركيا في الوقت الذي تتفاوض فيه مع روسيا وإيران ونظام الأسد. حتى الآن، شاركت الولايات المتحدة بشكل نشط في الوضع في إدلب واتخذت الخطوات الصحيحة من خلال إيلاء الكثير من الاهتمام لما يجري هناك، وذلك من خلال تغريدات الرئيس ترامب، التي تُظهر أن هناك اهتماما أمريكيا متزايدا بالأزمة الحاصلة. يعتبر الجهد الأمريكي لتحديد أولويات اجتماع جنيف يوم 14 أيلول/ سبتمبر مؤشرا آخر على عمق المشاركة الأمريكية بخصوص ما يحدث في سوريا.

على الرغم من أن هذا الاجتماع أنتج وثيقة حول المضي قدما بشأن الإصلاح الدستوري في سوريا ووضعية البلاد في فترة ما بعد الأسد، إلا أنه لا يزال هناك طريق طويل أمام إنشاء آلية انتقالية لإزالة الأسد وإقامة رقابة على النظام الذي دعمه طوال الحرب.