الأربعاء 2018/05/09

فن تغيير النظام الإيراني

المصدر: فورين بوليسي

بقلم: ستيفان والت

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي هدفا واحدا، لكن دون وجود خطة واضحة لتحقيقه.

كما كان متوقعا فقد انصاع ترامب لعناده، فكرهه الشديد لأوباما هو وداعموه من المتشددين وفريقه الجديد من المستشارين بالإضافة إلى جهله، كلها أسباب دفعته للانسحاب من الاتفاق الدولي الذي يمنع إيران من تطوير برنامجها النووي تحت مسمى خطة العمل الشاملة المشتركة.

من المهم فهم ما الذي يحدث هنا. لا يستند قرار ترامب على رغبة في منع إيران من تصنيع أسلحة نووية، إذ سيكون من المنطقي عدم الانسحاب من الصفقة النووية والتفاوض من أجل جعلها دائمة. كما تقر كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (التي تراقب وتفحص المنشآت الإيرانية) وكذا المخابرات الأمريكية، أن إيران تمتثل امتثالاً كاملاً لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة منذ توقيعها. وكما يقول بيتر بينارت.. إن الولايات المتحدة هي من فشلت بالوفاء بالتزاماتها.

كما لم يأت قرار ترامب نتيجة لرغبته في التصدي لأنشطة إيران الإقليمية كدعمها لنظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان. إذا ما افترضنا أن هذا ما يسعى إليه فسيكون من المنطقي ألا ينسحب من الاتفاق (الذي لا يسمح لإيران بتطوير برنامجها النووي) وتنضم المزيد من الدول إلى الولايات المتحدة للضغط على إيران من أجل الالتزام بهذا الاتفاق. سيكون من المستحيل على ترامب أن يستطيع جمع دول الائتلاف التي ساهمت في إنتاج خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن إيران لن تقبل أن تتفاوض مع الولايات المتحدة على نحو مضاعف الآن، بعد أن أظهر ترامب أن أمريكا لا تلتزم بوعودها بكل بساطة.

فما الذي يحدث بالضبط؟

بشكل مبسط، يستند التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة إلى الرغبة في "إبقاء إيران في خانة العقوبة" ومنعها من إقامة علاقات مع العالم الخارجي. يوحّد هذا الهدف بين كل من مجموعات اللوبي الإسرائيلي المتشددة (على سبيل المثال، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وكذا منظمة "متحدون ضد إيران النووية")، وصقور المحافظين بمن فيهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وشخصيات عديدة أخرى. فقد كانوا متخوّفين من أن تُضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط إلى الاعتراف بإيران كقوة إقليمية مشروعة ومنحها درجة من النفوذ الإقليمي، لا هيمنة إقليمية، وهو ما لا تسعى إليه إيران على الأرجح، وتفصلها عن تحقيقه سنوات ضوئية، وإنما الاعتراف بأن لإيران مصالح إقليمية وأن تفضيلاتها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند حل المسائل الإقليمية المهمة. وهذا ما يسعى صقور المحافظين في الولايات المتحدة إلى تجنّبه، فهم يسعون إلى ضمان بقاء إيران منبوذة إلى الأبد.

ومن هذا المنظور، يمكن القول إن صفارات تغيير في النظام قد بدأت تلوح في الأفق، وهو ما كان يسعى صقور الولايات المتحدة والقوات المناهضة للنظام لتحقيقه منذ عقود. هذا هو الهدف الرئيسي لجماعات مثل "مجاهدي خلق"، وهي جماعة إيرانية توجد في المنفى، وقد كانت فيما ما قبل ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة بالولايات المتحدة. إن منظمة مجاهدي خلق محظورة داخل إيران لكن الساسة الجمهوريين والديمقراطيين (بما في ذلك بولتون) يؤيدونها حيث دُفعت أموال طائلة لهم في الماضي. من يدعي أنه لا يمكن شراء - أو على الأقل تأجير- سياسي أمريكي؟

يرى الصقور طريقين محتملين لتغيير النظام الإيراني. يعتمد النهج الأول على زيادة الضغط الاقتصادي على طهران على أمل ازدياد السخط الشعبي، وأن النظام الديني سوف ينهار ببساطة. بينما يتمثل الخيار الثاني في استفزاز إيران والدفع بها لاستئناف برنامجها النووي، الأمر الذي من شأنه أن يمنح واشنطن ذريعة لشن حرب وقائية.

دعونا نتأمل هذه الخيارات جيداً:

فيما يتعلق بالخيار الأول، فإن الاعتقاد القائم بأن فرض عقوبات أشد قسوة على إيران سيتسبب في انهيار النظام هو مجرد تمنٍّ. لقد استمر الحصار الأمريكي على كوبا لأكثر من 50 عاماً، ولا يزال نظام كاسترو قائماً (ولو كان "فيدل" قد مات الآن وأن شقيقه راؤول قد تنحى عن منصبه لصالح خليفته). كما إن 60 سنة أو تزيد من العقوبات المتصاعدة على نظام كوريا الشمالية، لم تمنعه من الحصول على ترسانة نووية قابلة للاستخدام. لقد قيل لنا منذ سنوات إن إيران على حافة الانهيار، ويبدو أن ذلك لن يحدث أبداً.

كما إن العقوبات لم تسقط صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا. لقد تحمس المتشددون قبل بضعة أشهر عندما حدثت مظاهرات مناهضة للحكومة في العديد من المدن الإيرانية، لكن بهذا المنطق، فإن المظاهرات الضخمة التي حدثت في العديد من المدن الأمريكية منذ انتخاب ترامب، هي إشارات على أن تغيير النظام بات وشيكاً، وهو أمر يبدو بعيد المنال في كلتا الحالتين. يمكن أن تساعد الضغوط الاقتصادية في بعض الأحيان على إقناع المعارضين بالتفاوض وربما تغيير سياساتهم، ويمكن أن تُضعف اقتصاد العدو خلال زمن الحرب، لكن الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لن يُجبر إيران على الانصياع.

ماذا لو كانت هذه التقديرات على خطأ وسقط نظام الملالي في إيران؟ كما سبق وأن شهدنا في بلدان أخرى، من الصعب أن تظل البلاد مستقرة وداعمة للولايات المتحدة بعد سقوط النظام.  فقد دعمت الولايات المتحدة تغيير النظام في العراق ما أدى إلى حرب أهلية وتمرد كبير وصعود للدولة الإسلامية. وقد حدث نفس الشيء في ليبيا. كما تدخلت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً في أماكن تشمل الصومال واليمن وأفغانستان وسوريا في السنوات الأخيرة، وكل ما جنته هو جلب عدم استقرار وتمهيد الطريق أمام المنظمات الإرهابية. ودعونا لا ننسى أن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة سابقا لتغيير النظام في إيران - للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق، وأعيد تعيين الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1953 – أدى إلى تعزيز العداء لأميركا منذ ثورة 1979. دعونا لا ننسى أن العديد من المعارضين البارزين للنظام - بمن فيهم قادة ما يسمى بالحركة الخضراء - يدعمون برنامج إيران النووي وليسوا مستعدين ليكونوا وكلاء لواشنطن وإن وصلوا بطريقة ما إلى سدة الحكم.

أما بالنسبة للخيار الثاني – الحرب – الذي يعتبر مطمح الصقور المحافظين، إذ يرون في الحرب فرصة للقضاء على هذا النظام ويعتقدون أن المزيج المألوف من الصدمة والرعب سيقضي على البنية التحتية النووية الإيرانية ويلهم شعبها للانقلاب على قادتهم الذين أوصلوهم إلى هذا الوضع المؤسف. يُعتبر هذا السيناريو مثيرا للسخرية: فلن يتوانى الإيرانيون عن الرد إذا ما قامت الولايات المتحدة بشن هجوم على إيران.  بل ستؤدي حملة جوية أمريكية وإسرائيلية ضد إيران إلى إثارة القومية الإيرانية وتعزيز ولاء الإيرانيين للنظام بشكل أكثر إحكاماً.

بالإضافة إلى أن توجيه ضربة عسكرية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة باتجاه إيران لن يمنع هذه الأخيرة من الحصول على سلاح نووي. قد يؤخرها لمدة سنة أو سنتين. إن من شأن هجوم كهذا أن يقنع الإيرانيين بأن الطريقة الوحيدة لضمان أمنهم هي الحصول على رادع خاص بهم، مثل كوريا الشمالية، وعليه ستضاعف إيران من جهودها في مواقع خفية ومَحميّة بشكل أفضل للقيام بذلك. وبمجرد أن تجبر الولايات المتحدة إيران على السير في هذا الطريق، فمن المرجح أن دولًا أخرى في المنطقة ستحذو حذوها. إذا كان ترامب يعتقد بأن العالم سيكون أفضل حالاً بوجود العديد من الدول التي تملك طاقة نووية في الشرق الأوسط، فعندئذ يمكن له أن يقوم يدافع عن هذا الاختيار بكل الوسائل الممكنة.

فإذا اندلعت الحرب وكانت النتيجة خسارة المزيد من الأرواح وإهدار المزيد من الدولارات، وربما إشعال صراع إقليمي أوسع، سيقع اللوم على ترامب ولن يكون بمقدوره إخفاء هذه الحقيقة بتغريداته أو عن طريق إثارة المزيد من الفوضى.

باختصار، يُظهر قرار ترامب بالأخير أنه لم يفِ بوعده للشعب الأمريكي بسياسة خارجية أكثر حزما وفقا لما جاء في خطابه لعام 2016، كما إنه لم يقم بتصحيح أي من الأخطاء المختلفة التي ارتكبها أسلافه (والتي لا تُعَد ولا تحصى). بدلاً من ذلك، يعيدنا ترامب إلى السياسة الخارجية الساذجة، غير المتطورة، أحادية الجانب، والعسكرة بشكل مفرط، والتي تعود بالولايات المتحدة لفترة ولاية جورج دبليو بوش الأولى. فتعيين بولتون في مجلس الأمن القومي، بومبيو وزيراً للخارجية، وترشيح المشرفة السابقة على تعذيب المتهمين بالإرهاب جينا هاسبل لإدارة وكالة المخابرات المركزية – كلها مؤشرات على العودة إلى عهد تشيني والابتعاد عن الواقع.

قال "أوتو فون بسمارك" إنه من الجيد التعلم من أخطاء المرء ولكن من الأفضل التعلم من شخص آخر. تظهر الأحداث الأخيرة أن الولايات المتحدة ليست قادرة على التعلم من أي منهما. إذ يبدو أنها تتجه نحو الخيارات الصعبة وترفض جميع البدائل الجيدة تحت قيادة ترامب.