الخميس 2018/05/17

صراعات الشرق الأوسط والقوى المتنافسة

المصدر: أسوشييتد بريس

بقلم: تامر فكهاني

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لا يزال الشرق الأوسط الحديث يعاني من حروب مدمرة: بلدان تحارب بعضها، وأخرى أهلية تراق فيها الدماء ويسودها العنف الطائفي، بالإضافة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

خلال السبعين سنة الماضية لم يكن التنافس بهذه الحدة بين كل من إيران والسعودية اللتين تتنافسان الآن من أجل السيطرة الإقليمية، بينما تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة.

تعتبر كل من روسيا والولايات المتحدة وتركيا من القوى الفاعلة في المنطقة.

كما لا يمكن اعتبار الانقسام السني الشيعي الحاصل في الشرق الأوسط والخليج العربي سببا للحروب المشتعلة هناك خلال السنوات الأخيرة الماضية، بل إن السبب هو سعي الدول التي تملك قدرات عسكرية ومالية ودبلوماسية إلى إعادة تشكيل المنطقة حسب رؤيتها، أو بما يخدم مصالح أمنها القومي وغطرسة قادتها.

إسرائيل:

ما الذي يمكن أن يحدث؟ بدأ الصراع المباشر مع إيران في الاحتدام منذ فترة وجيزة وبدا وكأنه قد يتحول إلى حرب مدمرة بعد أن شنت إسرائيل قصفًا عنيفًا على مواقع إيرانية في سوريا، ما أسفر عن مقتل عناصر إيرانيين. جاء هذا الهجوم بعد إطلاق صواريخ إيرانية على مواقع إسرائيلية على مرتفعات الجولان ردا على عدة هجمات إسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا.

ترى إسرائيل أن إيران عدوها اللدود حيث تشكل هذه الأخيرة خطرا على "وجودها". إن نشوب صراع مع إيران من المحتمل أن يؤدي إلى تدخل "حزب الله" كحليف لطهران في المنطقة. كما يمكن أن ينشب صراع بين كل من إسرائيل و"حزب الله" في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.

تحظى إسرائيل بدعم غير مسبوق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهي مصممة على تقويض الاتفاق النووي الإيراني؛ حيث انسحب ترامب من هذا الاتفاق وبعد أيام من قراره قام بإرسال ابنته وصهره لحفل افتتاح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث أثارت هذه الخطوة غضب العالمين العربي والإسلامي. لقد أدت إراقة الدماء على حدود غزة إلى سخط عالمي ضد إسرائيل لاستخدامها النيران الحية ضد المتظاهرين العزل وقتل العشرات من الفلسطينيين. يمنح دعم ترامب لإسرائيل المزيد من الجرأة، حيث تقوم هذه الأخيرة بربط علاقات في خفاء مع دول الخليج التي تعارض تواجد إيران في المنطقة.

ما الذي تسعى إليه إسرائيل؟

كسر شوكة إيران وإضعافها، استمرار الحصار على قطاع غزة- والذي تفرضه مصر كذلك- والسيطرة على الحدود بشكل كامل وعدم تقديم تنازلات للفلسطينيين لبدء عملية السلام.

إيران:

ما الذي يوجد على المحك بالنسبة لإيران؟ لقد تحولت العلاقات التي ربطت إيران مع الولايات المتحدة خلال الفترة الرئاسية للرئيس باراك أوباما إلى رماد. كما إن تخفيف العقوبات وتدفق مئات الدولارات بات على المحك في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لفرض عقوبات جديدة على طهران من خلال الاتفاق النووي الذي تسعى كل من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين إلى إنقاذه.

لقد قامت إيران بتشكيل تحالفات عديدة لمواجهة كل من إسرائيل والسعودية. ففي سوريا على سبيل المثال كان لوجود قواتها والمليشيات الشيعية التابعة لها دور حاسم في بقاء بشار الأسد في السلطة. أما في اليمن، فتحالفت إيران مع المتمردين الحوثيين الشيعة الذين يقاتلون قوات التحالف الذي تقوده السعودية. وعلى الرغم من ضعف العلاقة التي تجمع طهران بحماس إلا أنها تدعم القضية الفلسطينية بقوة.

ما الذي تسعى إيران إلى تحقيقه؟ لقد أنجزت إيران هدفًا لطالما سعى مسؤولوها إلى تحقيقه، فقد قامت ببناء ممر بري يمر من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى البحر المتوسط، إذ تقوم بتمويل وتسليح مليشيات شيعية قوية وذات نفوذ سياسي هائل في كل من هذه الدول. كما تسعى إلى استمرار الصفقة النووية مع الدول الكبرى التي وقعت على الاتفاق، على أمل تعزيز خزائنها المالية، إذ واجهت الحكومة الإيرانية استياءً شعبيا لعدم وصول أموال رفع العقوبات إلى الخزائن العامة.

روسيا:

ما الذي يوجد على المحك بالنسبة لروسيا؟

سعى الرئيس فلاديمير بوتين لملء الفراغ الأمريكي في سوريا، وشن حملة جوية خلفت وراءها مجازر في كل من حلب والغوطة والعديد من المواقع الأخرى. قلب دعم موسكو للأسد موازين القوى لصالح هذا الأخير عندما كانت تبدو هزيمته وشيكة. تعتبر روسيا حليفة إيران، لكنها استضافت أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحضور “يوم النصر" قبل ساعات من الهجوم الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا، ما أثار تكهنات بأن الطرفين يقومان بعمليات تنسيق خلف الكواليس لتفادي حصول اصطدامات مع قوات موسكو وطائراتها في سوريا.

ما الذي تسعى إليه روسيا؟: يتمثل الهدف الإقليمي لروسيا في الحفاظ وجودها في الشرق الأوسط، وخاصة في الأماكن التي كانت تتواجد بها الولايات المتحدة قبل.

الولايات المتحدة:

ما الذي يوجد على المحك بالنسبة للولايات المتحدة؟

يقول إيلان غولدن برغ، المسؤول السابق في وزارة الخارجية وخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد مركز الأمن الأميركي "لقد حاولنا أن نلعب دور رجل إطفاء في الشرق الأوسط، لكننا اليوم نلعب دور مفتعل الحرائق".

يبدو أنه لدى الولايات المتحدة الكثير من المعارضين في المنطقة الآن. لقد قطع الفلسطينيون اتصالاتهم مع الولايات المتحدة بشكل مبدئي واعتبروها وسيطا غير نزيه. كما يبدو أن "صفقة القرن" لن يتم تنفيذها الآن. بالإضافة إلى انسحاب واشنطن من الصفقة الإيرانية.

في إدارة ترامب معارضون كثر لإيران مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي يدعو إلى مهاجمة إيران وتغيير النظام داخلها. كما لا يستطيع ترامب اتخاذ قرار بشأن إبقاء القوات الأمريكية وإخراجها من سوريا. لا يبدو أن ترامب ينوي الدخول في اشتباكات مع روسيا ما لم يتم استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، والتي دفعت بالولايات المتحدة إلى القيام بضربات جوية الشهر الماضي.

من الواضح أن إدارة ترامب ستستمر في دعم الرياض بخصوص اليمن وذلك للعلاقة الوثيقة التي تربطها بالسعودية وولي العهد محمد بن سلمان على وجه التحديد. قد تجد واشنطن نفسها أمام مفاجأة غير سارة إذا ما تم تشكيل حكومة موالية لإيران في العراق بعد انتخابات الأسبوع الماضي.

ما الذي تسعى إليه الولايات المتحدة؟: يبدو أن الإدارة الأمريكية في توافق تام مع إسرائيل والسعودية، لكن من المحتمل أن يتأجج الوضع مع إيران، كما لا تُظهر الولايات المتحدة أي رغبة في الدفع باتجاه المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.

السعودية:

ما الذي يوجد على المحك بالنسبة للسعودية؟

مدعوما من طرف ترامب يسعى ولي العهد السعودي إلى أن يكون له دور فيما يحدث من حوله. تنفق الرياض مليارات الدولارات في الحرب اليمنية، حيث تتزعم التحالف العربي ضد المتمردين الحوثيين الشيعة الذي تدعمهم إيران. قُتل آلاف المدنيين بسبب الغارات الجوية السعودية وتسبب الجوع فيما سمي بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. كما هدد الأمير بتصنيع قنبلة نووية إذا ما أعادت إيران العمل على برنامجها النووي من جديد.

تَعتبر السعودية إيران تهديدا كبيرا للمنطقة والمنافس الأول لها. وترتبط المملكة ارتباطاً وثيقاً بترامب، الذي اختارها وجهة أولى له خلال أول زيارة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة. في الوقت نفسه، فقدت السعودية نفوذها في كل من سوريا والعراق ولبنان.

ما الذي تسعى إليه السعودية؟: القضاء على نفوذ إيران على المستوى الإقليمي، كما تسعى إلى أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة.

تركيا:

ما الذي يهدد تركيا؟

بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، فإن الأمر محصور في قضية الأكراد، الذين ساعدوا الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم الدولة في سوريا على إثر عملية استولوا فيها على ربع البلاد. أثار هذا غضب تركيا إلى حد أنها شنت حملة عسكرية استولت على الجيب الشمالي لسوريا، كما إنها تهدد بمهاجمة الأكراد في مناطق انتشارهم وصولاً إلى الحدود العراقية.

قد يكون وجود القوات الأمريكية بين الأكراد هو الشيء الوحيد الذي يثني تركيا عن القيام بهذه الخطوة إلى الآن. تعتبر أنقرة المقاتلين الأكراد في سوريا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه على أنه جماعة إرهابية.

تدعم تركيا الفلسطينيين بشكل كبير في الوقت الذي بلغ فيه مستوى العلاقات التي تجمعها بإسرائيل أسوأ حالاته، حيث عرضت تركيا نقل الجرحى الفلسطينيين من غزة لتلقي العلاج على أراضيها.

ما الذي تسعى تركيا إلى تحقيقه؟: كسر شوكة الأكراد، ومنع قيام دولة كردية ذات سيادة مستقلة في سوريا على طول حدودها. وأن يكون لها دور في رسم ملامح سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.