الأربعاء 2018/02/28

سوريا.. وصمة عار على جبين الأوروبيين

المصدر: الغارديان

بقلم: ناتالي نوجايريد

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن ما يحدث في سوريا أزمة أوروبية بقدر ما هو أزمة شرق أوسطية، بل هو أسوأ كارثة لحقوق الإنسان في العالم منذ عقود. قد يكتب المؤرخون يوماً ما عن مدى تقاعس الغرب وإهداره العديد من الفرص لإجبار بشار الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والضغط عليه بشكل كاف للتأثير على قواته، ولا سيّما من خلال شن هجمات. والتي كانت الطريقة التي استخدمت مع سلوبودان ميلوسيفيتش في البوسنة، عندما أُجبر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوقيع على اتفاقية دايتون عام 1995، التي نجحت في وضع حد للفظائع التي ارتكبت بالبوسنة.

صيف العام 2013، كان من الممكن توجيه ضربة لبشار الأسد ونظامه لكن الولايات المتحدة قد أضاعت هذه الفرصة نتيجة لتردّدها وفشلها في تحديد خطوطها الحمراء إزاء استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. ما شجّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التدخل العسكري في سوريا لدعم ديكتاتور يقتل المدنيين منذ عام 2011.

ليس الهدف من هذه الأسطر تلميع السياسات الأوروبية، وضبط النفس الذي تمارسه بريطانيا، ولا عن الحديث عن سوريا في عهد إدارة أوباما.  لقد كانت الطائرات الفرنسية المقاتلة في آب/ أغسطس 2013، جاهزة للإقلاع، ولكنها لم تشأ أن تذهب وحدها. ومع ذلك، لا تزال محاولة ربط النقاط بين الشرق الأوسط وروسيا وأوروبا وقرارات الولايات المتحدة، مهمة.

إن ويلات الحرب في المناطق المجاورة لأوروبا، والآثار غير المباشرة للفوضى في الشرق الأوسط، لم يعرف مدى تأثيرها بعد.

لقد تجاوز عدد القتلى في سوريا نصف مليون، ولا تزال أعداد الضحايا في ارتفاع مستمر. فأولى المسالخ البشرية كانت في الشرق الأوسط، وليس أوروبا. لكننا مرتبطون بهذه الفظائع بطرق تتجاوز قدراتنا على الاستنكار، عندما نرى صور الأطفال الذين تعرضوا للقصف في أسِرّة المستشفيات بالغوطة الشرقية.

وفي ذروة التفاؤل الذي أعقب الحرب الباردة، كان من المفترض أن تكون أوروبا قادرة على صنع الاستقرار. بدلا من ذلك، في السنوات الأخيرة، امتدت حالة عدم الاستقرار والفوضى إلى أوروبا من الخارج. وقد جاء المشروع الأوروبي من الحاجة إلى ضمان أن الماضي لن يكرر نفسه. فألمانيا مترددة اليوم وأقل فاعلية عسكريا بسبب ترددها.  أما بريطانيا وفرنسا التي كانت قوى استعمارية في الشرق الأوسط سابقا، يبدو تأثيرها اليوم ضئيلاً هناك.

سيطاردنا خزي سوريا لفترة طويلة. فمنذ سقوط الرقة في العام الماضي، تحولت الأزمة تدريجيا إلى شيء يشبه الحرب العالمية، على الرغم من أن القوى العظمى التي تشارك فيها ليست في حرب مفتوحة مع بعضها. لكنهم يتنافسون من أجل السيطرة على الأراضي.

يقوم بعض الخبراء بتشبيه ما يحدث في سوريا بالصراع اللبناني الذي دام 15 عاما، ما يعني أن سوريا ما زالت في منتصف طريق نهاية حربها التي تجري بالوكالة.

تم تهميش الأوروبيين بشكل كبير بخصوص ما يجري في سوريا. ليس من المفهوم كيف أثرت الكارثة السورية على كيفية ارتباط الأوروبيين ببقية العالم، وبأنفسهم، وبالقيم التي يسعون إلى نشرها. لقد تعهدوا بعد عام 1945، بعدم حدوث كارثة إنسانية أخرى، لقد أصبحت سوريا دليلا مطلقا على عجزنا والعالم كله مشارك فيما وصلت إليه الأوضاع هناك.

باتت سوريا هي الأزمة التي تتفكك على أبوابها قواعد النظام العالمي، وبالنسبة لأوروبا فإنها ستكون أكثر تضررا من هذا الانهيار مقارنة بالولايات المتحدة، تماما مثلما حدث عندما انهارت عصبة الأمم سنة 1930 من القرن الماضي.

منذ البداية، كانت الأزمة في سوريا معقدة جدا، فقد كان من الصعب تحديد حلفاء جيدين. فالغرب مذنب فيما يحدث، والصراع القائم يدور الآن حول السيطرة على حقول النفط. يمكن لهذا الصراع أن ينتهي عن طريق العقوبات ووقف تدفق الأموال.

على الرغم من تنديد المجتمع الدولي بما يحدث، فقد أصبحت مجتمعاتنا فريسة للكسل والارتباك، والنتيجة هو وجود لامبالاة وعجز أوروبي في وجه حرب شاملة بعد بضع ساعات فقط.

سنضطر في يوم من الأيام إلى تأمل التسلسل الزمني لأحداث مكافحة الإرهاب، لكن ليس بالمفهوم الذي تدعمه الأمم المتحدة والذي يتجلى في "مسؤولية حماية" المدنيين التي أصبحت أولويتنا الوحيدة، والتي جعلت من التدخل العسكري عام 2014 ضد تنظيم الدولة مستساغا سياسياً ليس بسبب تعرض العرب والأيزيدين للمذابح، ولكن بسبب قطع رؤوس رهائن غربيين. ما سيفتح الباب أمام الاستجواب والبحث عن أسباب تحول سياسات أوروبا إلى ما آلت إليه والتي باتت تمتاز بلامبالاة تجاه الاستبداد.

سوريا مأساة لأوروبا ليس لأنها أيقظت فينا غضباً أخلاقياً (بجرعات متواضعة إلى حد ما)، ولا لأن سياسات دولنا باتت تتأثر بموجات اللاجئين الوافدين إليها، بل لأن سوريا جزء لا يتجزأ منا. في الوقت الذي نعتقد فيه أننا تعلمنا مما جرى بعد مذبحة أوروبا في القرن العشرين، تسلل إلينا إحساس من العدَمية عندما تركنا آخرين في مواجهة الجحيم في مكان غير بعيد عن حدودنا. وكأننا أخذنا تطعيماً ضد الإحساس بالعار، إن ما يحدث اليوم في سوريا هزيمة أخلاقية لنا جميعا.