الأثنين 2018/03/05

سوريا بحاجة إلى استراتيجية لإعادة الاستقرار (ترجمة)

أدت الهجمات الأخيرة لنظام الأسد على الغوطة الشرقية إلى قتل مئات الأشخاص، معظمهم من المدنيين الأبرياء، وأظهرت بشكل جلي أنه على الرغم من الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة على تنظيم الدولة في ساحة المعركة إلا أن الحرب في سوريا لم تنته بعد.

يتجاهل النظام قرار مجلس الأمن الجديد بشأن وقف إطلاق النار ويواصل هجماته الوحشية. فما الذي سيفعله المجتمع الدولي بشأن حرب أودت بحياة نصف مليون شخص، ودفعت بعشرة ملايين شخص آخرين إلى النزوح، حيث إن نصفهم لاجئون في البلدان المجاورة؟.. ما الذي سيفعله المجتمع الدولي بشأن حرب توفر الملاذ الآمن لفلول قوات تنظيم القاعدة المنشقة ومقاتلي تنظيم الدولة، وتسمح للقوات الإيرانية وحزب الله بشن هجماتهم؟ حرب تدفع بالحلفاء- الولايات المتحدة وتركيا- إلى الاختلاف حول استراتيجياتهم بخصوص الأكراد؟

يمكن نسبة تبجح إدارة ترامب إلى الجهود التي قامت بها إدارة أوباما في الفترة الممتدة ما بين 2014-2016، من خلال تسريع وتوسيع استراتيجية إدارة أوباما لإخراج تنظيم الدولة من المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، حيث عاش نحو عشرة ملايين شخص. وفي ظل تحقيق هذا الهدف المؤقت والمهم، لقد حان الوقت لنهج استراتيجية أكثر حزما بخصوص الحرب وعلى نطاق أوسع، وإلا ستستمر المعاناة الإنسانية ومن الممكن أن يعود شبح الإرهاب بالإضافة إلى إتاحة المزيد من الفرص أمام إيران وحزب الله، للحصول على المزيد من النفوذ على حساب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كالأردن وإسرائيل.

وفي خطاب ألقاه في يناير/ كانون الثاني في ستانفورد، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون بدء هذه المهمة. وتحدث عن عدة مبادئ لوضع استراتيجية شاملة بخصوص سوريا. وتوعد على وجه التحديد بــ :

- استمرار الحملات العسكرية ضد تنظيم الدولة والمجموعات التابعة لتنظيم القاعدة.

- استمرار مباحثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة والتي تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة للبلاد.

- الحد من نفوذ إيران في سوريا.

- مساعدة اللاجئين وغيرهم من النازحين على العودة إلى ديارهم

- ضمان خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.

كما تعهد تيلرسون باستمرار قيام الولايات المتحدة بدورها عبر الوسائل العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، وتحقيق الاستقرار في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام، وتعهد أيضا بعدم مساعدة الأسد في إعادة إعمار الأجزاء التي تحت سيطرته. كما تعهد بأن تأخذ الولايات المتحدة مخاوف تركيا بعين الاعتبار بشأن الحكم الذاتي الكردي والمجموعات الإرهابية الكردية، وتوسيع نطاق تطبيق وقف إطلاق النار المحلي في سوريا للحد من المعاناة الإنسانية.

لسوء الحظ، لم يقدم وقف إطلاق النار الحماية الكافية للمدنيين في أماكن مثل الغوطة الشرقية ومحافظة إدلب شمالي البلاد.

ومع ذلك، فإن من شأن استراتيجية جادة أن تقدم المزيد. هناك ثغرات وعيوب في المسودة الأولى التي قدمها تليرسون عن الاستراتيجية الشاملة التي اقترحتها إدارة ترامب حول سوريا. في المجمل، ستؤدي معالجة هذه الثغرات إلى جعل هذه الاستراتيجية أكثر واقعية، وأكثر قوة، وأكثر فعالية. تحتاج هذه الاستراتيجية إلى ثلاثة تعديلات أو إضافات على وجه التحديد وهي:

*١-التعامل بواقعية مع الأمور السياسية:*

تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير اعتقادها بأنه يمكن للأمم المتحدة التفاوض مع الأسد ليتخلى عن السلطة لصالح حكومة ديمقراطية. فهذا يعني بالنسبة للأسد، إرغامه على الهزيمة والتخلي عن شيء يشبه النصر. وبما أنه ينتمي إلى الأقلية العلوية في سوريا، فإن أي حكومة وطنية تقوم على حكم الأغلبية ستؤدي بالتأكيد إلى تهجير هذه الأقلية، وتعرضها لأعمال العنف. يجب على الأسد أن يتخلى عن منصبه، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تعلم بأنه سيصر على أن يكون له دور رئيسي في اختيار خلفه، وأن تقاسم السلطة بأدوار وضمانات واضحة لجميع الأطراف الرئيسية سيكون جزءا من أي صفقة سيتم التوصل إليها.

*٢-الرفع من مستوى المساعدات الاقتصادية والأمنية في المناطق التي تخضع لحكم ذاتي:*

تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى الرفع من مستوى المساعدة التي يتم إرسالها إلى المناطق المحررة والمستقلة. إن تدفق عشرات ملايين الدولارات إليهم من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ليس كافيا. فهناك حاجة كبيرة إلى المزيد من الأموال، وعلى الخصوص من دول الخليج والاتحاد الأوروبي واليابان والبنك الدولي، لإعادة بناء المنازل، وإعادة فتح المدارس والمستشفيات، وإنشاء قوات دفاعية أقرب إلى قوات الشرطة من جيوش المعارضة. سيكون من الصعب على هذه الجهات المانحة الأخرى معرفة كيفية تقديم المساعدات لكيانات غير رسمية داخل دولة ذات سيادة، وتجاوز نظام الأسد هناك.

قد يصبح من الضروري القيام بترتيبات غير رسمية لتسهيل هذه العملية وإنشاء مناطق عازلة بين المناطق المستقلة والأراضي الخاضعة لسيطرة النظام في أجزاء من شمال وجنوب سوريا. ومع ذلك، لا ينبغي أن تتدفق هذه الأموال إلى الأسد أو المناطق التي يسيطر عليها حتى يتنحى، باستثناء كميات محدودة من المساعدات الإنسانية بمجرد ما إن يبدأ باحترام اتفاقات وقف إطلاق النار.

*٣-وضع استراتيجية حازمة بخصوص تركيا والأكراد:*

وأخيرا، إذا كانت الولايات المتحدة ستتبنى استراتيجية شاملة تقوم على مساعدة المناطق المستقلة (على الأقل بشكل مؤقت)، فإن عليها أن تجد حلا لمسألة الأكراد لأن تركيا ستعتبر هذه الاستراتيجية تهديدا رئيسيا لأمنها القومي.

إن وجودا أمريكيا طويل الأمد في شمال سوريا للمساعدة في مراقبة الحدود خشية تدفق المقاتلين والأسلحة إلى الوحدات الكردية في سوريا وحزب العمال الكردستاني داخل تركيا يجب أن يكون من عناصر الاستراتيجية الأمريكية.

ومن بين العناصر المهمة الأخرى هو أن تقوم الولايات المتحدة بشكل صريح بالإعلان عن حاجة الأكراد إلى وجود منطقتين منفصلتين تخضعان لحكمهم طبعا تحت إشراف القوات التركية، كما إنه على الأكراد السماح للقوى الأخرى التي تتواجد داخل مناطقهم بالحصول على نوع من الاستقلالية. وقد تختار الولايات المتحدة الذهاب أبعد من ذلك وفرض حظر أوسع نطاقا حيث يمكن أن تعلن بشكل صريح أنها لن تدعم حصولهم على الاستقلال في أي منطقة من الشرق الأوسط.

من الناحية العملية، فإن الولايات المتحدة لن تفعل شيئا في أي حال من الأحوال، فقد سعت واشنطن إلى تحاشي القيام بتصريح من هذا النوع وقد آن الأوان لتتخذ موقفا واضحا.

فحتى مع القيام بهذه التعديلات، ستبقى سوريا مجالا يصعب التعامل معه. للأسف، فات الأوان بالنسبة للغوطة الشرقية. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في مواصلة تحركاتها من أجل تحسين الأوضاع فإن الاحتفال بهزيمة تنظيم الدولة لن يكون كافيا. لقد حان الوقت لتبني استراتيجية واقعية وشاملة لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد سبع سنوات من الحرب الدامية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: ناشيونال انترست

بقلم: مايكل وأوهانلون

ترجمة: مركز الجسر للدراسات