السبت 2018/08/04

ستراتفور: عودة أكراد سوريا إلى حظيرة الأسد


المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أصبحت السهول الواقعة في شمال شرق سوريا -حيث لم يحسم البيت الأبيض قراره بعد بشأن سحب قواته من هناك أو التوغل أكثر- عبارة عن مقابر جماعية. خلال السنوات الثلاث الماضية التي سيطر فيها تنظيم الدولة على هذه الأراضي النائية، ذُبِح آلاف المدنيين والمئات من قوات النظام دون السماح لأسرهم بدفنهم. تقول بريانكا موتابارثي، التي تترأس قسم الطوارئ في منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن الرقة، التي اتخذها تنظيم الدولة عاصمة لخلافته، تحتوي على "ما لا يقل عن تسع مقابر جماعية، تحتوي كل منها على عشرات الجثث إن لم نقل المئات، الشيء الذي يجعل مهمة استخراجها صعبة.

تم العثور على 400 جثة في حديقة الحيوانات التابعة بمدينة الرقة، وسوف يستغرق الأمر عدة أشهر حتى تتعرف العائلات على ذويهم من الجثث المتحللة. كما بدأت المدن والقرى الأخرى التابعة للمناطق التي يديرها الأكراد بالعثور على مقابر مماثلة نتيجة حكم تنظيم الدولة.

قام "مجلس سوريا الديموقراطية"، الذي يتلقى دعماً حيوياً من الولايات المتحدة بإرسال 2000 جندي من القوات الخاصة للتمركز في شمال شرق البلاد، قام ببادرة غير اعتيادية في 30 تموز/ يوليو الماضي عبر تسليم رفات 44 عنصراً من قوات النظام تم إعدامهم من قبل تنظيم الدولة في قرية عين عيسى عام 2014. وقبل عشرة أيام، تم الكشف عن وجود أربع مقابر جماعية بالقرب من مقر اللواء 93 التابع لقوات النظام من طرف مسؤولين محليين، واستغل الأكراد هذه المناسبة لإصلاح علاقتهم مع بشار الأسد. إن عملية إعادة ضمّ المناطق التي يسيطر عليها الأكراد قيد التنفيذ، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل الكثير لإيقافها.

 

بوادر المصالحة:

يُجري الأكراد ونظام الأسد محادثات منتظمة في مدينة الطبقة وفي دمشق، بشأن استعادة المنطقة التي تخضع لسيطرتهم بدعم أمريكي خلال الحرب التي دامت سبع سنوات. وقد قام الجناح العسكري لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، بتسليم سد الطبقة، الذي سيطر عليه بعد معركة له مع تنظيم الدولة العام الماضي، كما إن هذه القوات تتعاون مع مسؤولي النظام من أجل تقديم الخدمات الحيوية.

على الرغم من النظام قد سحب معظم قواته للقتال في أماكن أخرى، إلا أنه حافظ على وجود مؤسساته المدنية في البلديات والمدارس والمستشفيات في الشمال الشرقي. كما واصل دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وحافظ على الرحلات الجوية بين دمشق والقامشلي، التي تعد أكبر البلدات الكردية والتي تقطنها غالبية كردية وآشورية بالقرب من الحدود مع تركيا.

أثناء محاربة تنظيم الدولة، كان الأكراد حريصين على عدم إشراك قوات النظام في معاركهم. وعلى عكس أكراد العراق، لم يطالب أكراد سوريا بالاستقلال. في مؤتمر أخير لـ"قوات سوريا الديموقراطية" في مدينة الدرباسية، دعت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سوريا الديمقراطية"، إلى مشاركة واسعة فيما أسمته "المسار السياسي السوري-السوري"، مشدّدة على "وطنية" الأكراد السوريين. مؤكدة أنها تسعى إلى أن تكون "سوريا دولة لا مركزية وديموقراطية" وهو هدف من المتوقع أن يعارضه نظام الأسد.

 

لامركزية مستبعدة:

لقد رفض السوريون اللامركزية في الماضي. عندما قامت فرنسا باحتلال سوريا بين عامي 1920 و1946، قامت بتقسيم البلاد إلى أربع دويلات:  دولة علوية في الشمال الغربي، دولة درزية في الجنوب، بالإضافة إلى ولايتي حلب ودمشق.  أجبر السوريون فرنسا على التخلي عن هذا المخطط من خلال شن حرب قوية عليها، ومن غير المرجح أن يقلد الأسد، مثل والده، النموذج الفرنسي الفاشل.

يمثل الأكراد، نحو 10٪ من السكان السوريين، الشيء الذي لن يسمح لهم بإقامة دويلة مصغرة خاصة بهم. تنتشر المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد في منطقة الجزيرة، وهي منطقة زراعية كبيرة ذات طابع صحراوي تقع في الشمال الشرقي. كما إنهم يسيطرون على مدينة عين العرب (كوباني)، الواقعة في الشمال الشرقي من حلب بالإضافة إلى 120 قرية جبلية ضمن ما يطلق عليه اسم "الجبل الكردي"، أو ما يعرف بمنطقة عفرين، التي سيطرت عليها القوات التركية العام الماضي. يعيش العديد من الأكراد في دمشق وحلب، حيث اندمج معظمهم ولم يسعوا إلى المطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال.

تعارض تركيا بشدة حصول الأكراد على حكم ذاتي، والذي من المحتمل أن يشجع أكراد تركيا على القيام بخطوة مماثلة، وذلك بالنظر إلى الروابط الوثيقة التي تجمع كلًا من "حزب العمال الكردستاني" التركي، و"وحدات حماية الشعب الكردي" في سوريا، التي تمثّل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية".

أعربت الولايات المتحدة، عن التزامها بوعودها لـ"قوات سوريا الديموقراطية"، حيث صرّح وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، للصحفيين في 7 حزيران / يونيو الماضي قائلاً: "لن نتخلى عن المنظمة ببساطة". لقد سمع الأكراد مثل هذه الوعود في الماضي، خاصة في العراق، حيث تخلت الولايات المتحدة عنهم مرتين في عهد صدام حسين، كانت أول مرة عام 1975، ثم تخلّت عنهم مرة أخرى عام 1991.

لجأ الأكراد إلى خوض مباحثات مع النظام خوفاً من انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وعدم الحصول على دعم هذه الأخيرة بشكل نهائي، في محاولة للاستفادة من الخيارات التي لا تزال متاحة أمامهم.

يبقى من غير الواضح ما الذي سيحدث، لكن التكهنات تشير إلى احتمالية رفع أعلام النظام في الشمال الشرقي بعد الانسحاب الأمريكي من هناك.

يَعتبر موالو النظام، التحالف الكردي-الأمريكي الذي جرى خلال الحرب "خيانة" للوحدة الوطنية. قد يتناسى النظام ذلك في حال حدوث مصالحة، إلا أن أحد المصادر الأمنية التابعة لقوات النظام أخبرني بأنه " لا يمكن للنظام أن يصفح لوقت طويل".