الخميس 2018/06/21

ستراتفور: طريق ترامب إلى دمشق وفرصة للتغيير

بقلم: شارلز غلاس

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


كان قد صرح آخر سفير للولايات المتحدة في دمشق، روبرت فورد، أمام الكونغرس في وقت سابق من هذا العام بأن "التكاليف العسكرية والمدنية الأمريكية في سوريا على مدى السنوات الأربع الماضية قد بلغت 12 مليار دولار على الأقل".

إنه ثمن باهظ للفشل، الفشل في التخلص من بشار الأسد، وتحطيم تحالفه مع إيران، وكذا منع الجهادية السلفية من ترسيخ جذورها في سوريا للمرة الأولى، والفشل في الحفاظ على صداقة تركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو، وفي إنقاذ نحو نصف مليون سوري من الموت ووقف نزوح نصف سكان سوريا تقريبا من ديارهم. معظم المسؤولين السابقين في إدارة باراك أوباما ممن تحدثت إليهم في واشنطن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، نادمون على ما يحدث أمام أعينهم، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء حياله.

لقد ورثت إدارة الرئيس دونالد ترامب الفوضى في سوريا قبيل ترؤسها للبيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير من عام 2017. فقد اعتمدت هذه الإدارة في سياستها على مبدأ التخمين، فمن غير الواضح متى سيتوقف ترامب وفريقه الجديد، المتكون من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، عن إنفاق أموال البلاد وتكريس قواتها المسلحة وأجهزتها الاستخبارات في سوريا. فهم يستطيعون، إن أرادوا، أن يستفيدوا من أخطاء سياسات أوباما لتجنب إطالة أمد الحرب وترسيخ تدخل الولايات المتحدة فيها.

مخاطر التحرك:

يعترف "بن رودس"، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، في كتابه الجديد "العالم كما هو"، قائلا: "أردت أن أفعل شيئا بشأن الكارثة في سوريا، مثلما أيدت التدخل الأمريكي في ليبيا". لقد اختلف أفضل وأحسن الأعضاء في إدارة أوباما حول ما يمكن فعله في سوريا لما يقرب من سبع سنوات". على غرار رودس، أرادوا جميعا القيام بشيء ما. لقد أدى التدخل الأمريكي في ليبيا إلى فوضى سياسية هناك وإلى تغلغل الجماعات الجهادية المتنافسة في البلاد. بينما أدى عدم التدخل الأمريكي في سوريا إلى نتائج مماثلة على الرغم من بقاء حكم الأسد قائماً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. في الوقت الذي ترك فيه أوباما منصبه، زعم منتقدوه أنه لم يقم بواجبه: فقد رفض أن تتدخل القوات الأمريكية عسكريا في سوريا، كما رفض فرض منطقة حظر الطيران وإنشاء ملاجئ آمنة داخل سوريا للثوار والمدنيين. ويقول آخرون إنه فعل الكثير: فقد قام بدعم المعارضة إما بشكل مباشر أو من خلال وكلاء له في المنطقة، كما أجرى عمليات سرية من تركيا والأردن ونشر القوات الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة شمال شرق سوريا دون خطة لإخراج هذه القوات من هناك.

في الوقت الذي تسعى فيه إدارة ترامب إلى التوغل بشكل أعمق في المستنقع السوري، تجد نفسها أمام العديد من العقبات التي لا يمكن اختزالها في مفهوم "معي أو ضدي".  فعلى سبيل المثال، هل جاء انضمام مليشيا "جيش التوحيد" الجهادية، التي حاربت قوات النظام في حمص حتى حدود عام 2014، لصفوف هذه القوات لمحاربة تنظيم الدولة بصورة مفاجئة كما تصور الجميع؟  لماذا حافظت قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرق سوريا على علاقاتها مع نظام الأسد وسعت إلى عدم الدخول في صراع مع النظام، كما اعترفت بسيادة هذا النظام على كل المناطق السورية في الوقت الذي تأمل فيه الحصول على حكم ذاتي مع نهاية الحرب؟ أسئلة أخرى تتبادر إلى الذهن. ما هي القوى القبَلية المتنافسة على طول الحدود بين سوريا والعراق والتي تملك مفاتيح السيطرة على الصحراء دون أن تكون لها علاقة بإيران أو روسيا أو الولايات المتحدة أو أي سلطة خارجية أخرى؟ كيف يمكن للاختلاف الطائفي والعرقي في سوريا أن يسهم في تسيير شؤون البلاد؟ إذا كانت حكومة الأقلية العلوية في نظام الأسد مكروهة للغاية، فلماذا لم تنضم الأغلبية المسلمة السنّية إلى الثورة؟ قد يؤدي التدخل الأمريكي بشكل أكبر في سوريا إلى المزيد من التدمير والفشل في السنوات القادمة.

الاعتبار من فشل الماضي:

على الرغم من أن فورد كان مؤيداً للاحتجاجات السلمية ضد الأسد في عام 2011، فقد حث الكونغرس هذا العام على التدقيق في عمليات ترامب بسوريا، وهو ما لم تقم به إدارة أوباما. مؤكدا أن الحفاظ على وجود القوات الأمريكية شمال شرق سوريا قد يؤدي إلى رد سوري على غرار "التكتيكات غير التقليدية التي قامت فيها سوريا بلبنان في الفترة الممتدة بين 1983 و1984". تدل كل المؤشرات على أن الأسد سيحاول استعادة الشمال الشرقي بعد أن قام بفرض سيطرته على باقي البلاد بدعم من إيران وروسيا من خلال استخدام نفس التكتيكات التي أدت إلى خروج قوات مشاة البحرية الأمريكية من لبنان في شباط / فبراير من عام 1984. اختتم فورد إفادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بكلمة تحذيرية جاء في نصها ما يلي:

"أعتقد أنه يجب علينا أن نصغي إلى كلمات وزير الدفاع السابق روبرت ماكنامارا

في كتابه الذي يلخّص ما تعلّمه من التدخلات الأمريكية الفاشلة في فيتنام.. الآن كثر من أي وقت مضى.  فقد حذر ماكنامارا من التدخل في الحروب الخارجية لفترات طويلة. وشدد على أننا "لا نستطيع أن نفهم بشكل كامل تعقيدات الحروب الأهلية المحلية، وبعض مشاكل السياسة الخارجية لعدم وجود حلّ حقيقي لها، وهذا ينطبق على سوريا بشكل كبير، ولا أعتقد أن هناك صراعاً أكثر تعقيدًا مما نراه اليوم في سوريا".

من خلال متابعتي للحرب من داخل وخارج سوريا على مدى السنوات السبع الماضية، ارتأيت القدوم إلى واشنطن ومعرفة مكامن الخطأ من مسؤولي إدارة أوباما وإدارة ترامب. فهم يرون أن النجاح الوحيد الذي حققته الولايات المتحدة في سوريا هو انتزاع الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة من قبضتها. تعتبر إدارة أوباما أن ما حدث في سوريا كارثة ستثقل كاهل الولايات المتحدة لسنوات. من المحتمل أن تستفيد إدارة ترامب من أخطاء الإدارة السابقة. على السوريين الذين نجوا من حرب وحشية امتدت سبع سنوات ونصفاً ألا يفقدوا الأمل.