الثلاثاء 2017/11/28

ستراتفور: إسرائيل والسعودية … أسوأ الأسرار المخفية في الشرق الأوسط

العنوان الأصلي : الأوقات الغريبة في الشرق الأوسط تصنع شراكات غريبة

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

مر وقت اعتبرت فيه السعودية عِداءها لإسرائيل الدعامة التي تستمد قوتها منها، لكن التغير الذي طرأ على الروابط الجيوسياسية قللت بشكل مطرد من حدة الصراع القائم بين البلدين. ولعل هذا التغيير تجلى بشكل واضح عندما قام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي جادي إيسنكوت الأسبوع الماضي بالظهور على قناة سعودية.

خلال المقابلة التليفزيونية التي أجريت معه في 16 من تشرين الثاني/ نوفمبر، عبر غادي إيسنكوت عن استعداد إسرائيل للتعاون الاستخباراتي مع السعودية بخصوص إيران، وأكد هذا الموقف لاحقا وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز قائلا إن الروابط التي تجمع إسرائيل بالمملكة أصبحت أقوى.

على الرغم من العداء بين البلدين، إلا أن تاريخاً حافلاً بالعمل المشترك يجمعهما خلف الكواليس. الواقع أن التعاون السري الذي يجمعهما هو أحد أسوأ الأسرار المَخفيّة في الشرق الأوسط. فبعد مضي 70 سنة على تأسيس الدولة اليهودية، يبدو أن الأهداف الاستراتيجية للمملكة، وانخفاض رغبتها في استمرار الضغائن،  تجعل من الجارتين وكذا العلاقة التي ربطتهما سابقا خلف الكواليس، محطَّ اهتمام دولي.

 

بعيداً عن الظلال:

منذ سنة 1948 وحتى بدايات 2000، حدد الصراع بين البلدين أسس العلاقات الإسرائيلية-السعودية. ففي الوقت الذي احتجّت فيه المملكة على القبضة التي تفرضها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وسخطها بشكل عام على حركة الصهيونية، إلا أنها لم تُبدِ رغبة حقيقية في الانضمام إلى جيرانها العرب في حرب على إسرائيل على مدى القرن الماضي. وقد أبدت السعودية ترددها في المخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال إخماد نيران الانتفاضات الفلسطينية وثوراتها ضد إسرائيل، بالرغم من دعمها الخطابي للقضية الفلسطينية.

بعد عزل الرئيس العراقي صدام حسين سنة 2003، تركز اهتمام السعودية وقلقها بشكل متزايد على إيران، حالها حال نظيرتها الإسرائيلية، وعلى الرغم من أن كلا البلدين اعتمدا بشكل كبير على الولايات المتحدة الأمريكية لضمان أمنهما، إلا أن الحرب المُضنية التي شنّتها واشنطن بدأت تتجه لصالح ربط علاقات دبلوماسية مع طهران مع مرور الوقت، وعوضاً عن ذلك حولت اهتمامها نحو آسيا.

العلاقات الخفية بين السعودية وإسرائيل تزايدت بشكل ملحوظ مع تزايد التهديد الإيراني

منذ سنوات قليلة مضت، تغيرت استراتيجية المملكة بعض الشيء، فقد شكل موت الملك عبد الله في كانون الثاني/ يناير  2015،  نهاية حقبة تميزت بحذر المملكة إزاء سياستها الخارجية. وعلى الرغم من أن أخاه غير الشقيق وخليفته، الملك سلمان، شاركه ظاهرياً التفكير والرؤية نفسها، إلا أن ابن أخيه الطموح كان له رأي آخر. لاحظ وليّ العهد محمد بن سلمان أوجُه قصور استراتيجية المملكة بخصوص المنطقة وقام بتشكيل خطة جذرية لمعالجتها.

تحرّك بسرعة، ووضع جانبا معارضيه السياسيين، وسعى إلى تأمين منصبه الحالي في نظام تعاقب الحكم. فصعوده إلى سلم الحكم أدى إلى ظهور جيل جديد يغيب عن ذاكرته الحية النزوح الفلسطيني سنة 1948 أو الحرب الإسرائيلية-العربية التي جرت سنة 1967..

في حزيران/ يونيو 2015، جرى لقاء بين الجنرال السابق أنور عشقي والسفير الإسرائيلي دورغولد لمناقشة التهديد الذي تشكّله إيران. وبعد سنتين من هذا اللقاء، قام شاب سعودي لم يُعرف من هو إلى الآن، يطلق عليه اسم "عبد الحليم حكيم" بتوجيه رسالة مفتوحة إلى ابن سلمان يدعو فيها السعوديين والإسرائيليين واليهود إلى تشكيل جبهة ضد "العدوان الإيراني".

في حزيران/ يونيو الماضي، قامت القناة الإسرائيلية الثانية باستضافة حكيم من جدة، وكانت تلك المرة الأولى التي تقوم فيها قناة إسرائيلية باستضافة مواطن سعودي في قناة تتحدث بالعبرية. سلّطت هذه التطورات المزيد من الضوء على العلاقات الخفيّة التي تربط  السعودية بإسرائيل.

مزايا الشراكة:

لا شكّ أن الخوف من إيران قرّب بين خصوم طالت عداوتهم في السنوات القليلة الماضية، لكن ذلك لا يفسِّر القرار الأخير للمسؤولين الإسرائيليين بإعلان هذا التعاون. فقد سعى البلدان على مرّ التاريخ إلى إبقاء جهودهما لمواجهة إيران طيَّ الكتمان. هذا بالإضافة إلى أن السعودية وإسرائيل لن تقوما بخطوة عسكرية مشتركة أو إنشاء قواعد عسكرية على أرض كلٍّ منهما في المستقبل القريب؛ إذ تتطلب خطوات كهذه تقارباً بادياً للعِيان. وفي المقابل ترتبط مزايا الإعلان عن هذه الشراكة في الأغلب بالشعوب والشرعية الإقليمية وكذا النفوذ الدولي.

بالنسبة للسعودية، إن علاقة علنية مع إسرائيل هي بمثابة إعلان عن رغبة الشعب في التغيير. ستكون هذه المرونة ضرورية في الوقت الذي يَشرَع فيه وليّ العهد في تطبيق برنامج إصلاح شامل من أجل تغيير الصورة التي تبدو بها المملكة في أروقة الكونغرس الأمريكي وعناوين الصحف الأمريكية، وخصوصا أن التصريحات الأخيرة حول التعاون الحاصل بين السعودية وإسرائيل لم تلقَ اعتراضا من كلا البلدين. فقد كشفت الردود الهادئة نسبياً الكثير لابن سلمان، الذي أَمِل اختبار مواقف وآراء شريحة كبيرة من الشباب. فعبر القيام بذلك، يمكنه معرفة إذا ما كان رجال الدين الوهّابيون سيحصلون على التأييد الشعبي الكافي لمواجهته، ومن ثم تحديد مثيري الشغب الذين يعارضون سياساته.  يمكن لولي العهد في الوقت نفسه إصلاحُ أجهزته الأمنية، والتي ستتولّى مهمة إيجاد المنشقّين.

إن إعلان علاقة مع قوة عسكرية كإسرائيل سيساعد السعودية أيضا على دعم قواتها الخاصة في معركتها باليمن، الشيء الذي من شأنه أن يعرقل تقدم إيران إلى حين تحديد خطوتها القادمة. كما يمكن للتعاون العسكري أن يبدأ بالتعاون الاستخباراتيّ بخصوص ملف مليشيات حزب الله اللبناني، العدوِّ الدائم لإسرائيل، والذي تتهمه السعودية بتدريب المليشيات الحوثية في اليمن. وقد يمتدّ هذا التعاون ليشمل تدريبات عسكرية مشتركة ومناورات بما في ذلك منع الإمدادات التي تصل من إيران إلى حلفائها في المنطقة، والتي يتم نقلها عبر البحر الأحمر.

وكميزة إضافية، يمكن لولي العهد أن يُثبت للولايات المتحدة -التي لاتزال حليفاً رئيسياً للسعودية- أنه ليس معاديا للسامية، وإعطاء نفسه غطاءً دبلوماسيا ضد الانتقادات الدولية المتزايدة للحرب في اليمن. فالأسلحة والمعدات المتطورة التي تحظرها الولايات المتحدة عن المملكة، كالطائرات المقاتلة من طراز "إف-35" يمكن أن تصبح بين يدي السعودية إذا ما تبين للولايات المتحدة أنها لن تستعملها ضد إسرائيل.

في البداية، ستستفيد إسرائيل من سلام مطلق مع السعودية كذلك. فمعاهدة السلام التي وقعتها إسرائيل مع مصر سنة 1979 أمنت حدودها الجنوب-شرقية، كما أمنت الاتفاقية التي وقعتها مع الأردن سنة 1993 حدود إسرائيل الشرقية. إذ إنه ومع كل شريك عربي جديد تكتسب إسرائيل الشرعية وقبول جيرانها بها. كما إن اعتراف السعودية بإسرائيل، التي تُعدّ معقِلاً للإسلام وأماكنه المقدّسة، سيُثقِل كاهل أولئك الذين يسعون إلى التخلص من الدولة اليهودية.

إن الاعتراف بالعلاقات مع السعودية من شأنه أن يعود على إسرائيل بمكاسبَ ملموسة. يمكن لهذه الدويلة أن تعتمد على المزيد من الدعم لمنع شَحن الأسلحة الإيرانية إلى مقاتلي حماس وحزب الله على حدودها الجنوبية والشمالية. بالإضافة إلى أن ربط علاقات تجارية وطيدة مع المملكة سيفتح سوقا ضخمة للسلع والخدمات الإسرائيلية. ومع تطور الاقتصاد السعودي، يمكن للصناعات الحديثة في مجال التكنولوجيا أن تجد قاعدة مستهليكن تواقة لدفع الكثير.

مخاطر السلام:

وعلى الرغم من هذا كله، تنطوي هذه العلاقة الناشئة على مخاطر كبيرة بالنسبة لابن سلمان على الخصوص. يعد الإسلام حجر الأساس الذي تستمد الحكومة السعودية شرعيتها، والذي يدعو إلى إرجاع القدس تحت راية المسلمين. من المرجَّح أن تؤدي العلاقة بين السعودية وإسرائيل إلى توسيع الهُوّة بين العرب والعالم الإسلامي واتهام السعودية بالرياء والردّة وربما إلى تعزيز موقف الإرهابيين الذين استهدفوا كلا البلدين من قبل. فقبل عقود قليلة مضت، أثار دخول القوات الأمريكية إلى المملكة خلال حرب الخليج استياء البعض، ما دفع بأسامة بن لادن إلى تكريس حياته محاولا إدخال البلدين في حرب دامية.

والواضح أن انعدام رد فعل شعبي عنيف لا يعني الإذعان بالضرورة ، فتذمّر السعوديين وعدم رضاهم عما يحدث يمكن أن يتحوَّل إلى حركة ذات صيت خطر إذا ما أخطأ وليّ العهد في تقدير رعاياه. من جهة أخرى، يبدو أن منافسيه في العائلة الحاكمة في حالة سكون جراء الأحداث الأخيرة لتعزيز سلطته وحملة التطهير التي طالت معارضيه، وقد يستفيدون من محاولات القائد الشاب الانفتاح على إسرائيل لتقويض خططه بخصوص المملكة.

كما إن ربط علاقات صداقة مع السعودية لن تلقى ترحيباً من البعض في إسرائيل كذلك،  فالفصائل اليمينية المتشددة، في سعيها لتحقيق مخططات وطنية ودينية، عاقدة العزم على الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ومن الممكن أن يقوِّضوا علاقة إسرائيل مع المملكة، من خلال توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والذي غالبا ما يثير غضب العالم الإسلامي. كما إن الدخول إلى الأماكن المقدسة قد يصبح عقبة سياسية بين كل من الأحزاب الدينية المتطرفة الإسرائيلية والسلفيين السعوديين.

لم تؤدِّ التحالفات المتزعزعة سوى إلى عدم استقرار الحكومات الإسرائيلية سابقا؛ فالخلافات التي تنشأ حول الدين من شأنها أن تهدد استقرار هذه الحكومات لا أكثر.

ولجعل الأمور أكثر تعقيدا، يمكن أن تتعرض إسرائيل لنفس المخاطر التي سيتعرض لها ولي العهد نتيجة لهذه العلاقات إذا ما وجدت نفسها مجبرة على الدفاع عن حليفها. وعوض أن تكون السعودية مكسبا قيّما لإسرائيل، يمكن لها أن تصبح تهديدا في ظل وجود رد فعل سلبي يهدد وصول ابن سلمان للعرش. فعندما قام آلاف المسلحين بالوقوف في وجه آل سعود سنة 1979، ساعدت القوات الفرنسية "كوماندوز" العائلة الحاكمة باستعادة المسجد الحرام، لكنه من غير الواضح إذا ما كانت إسرائيل مستعدة للقيام بالأمر نفسه، إذا ما أعاد التاريخ نفسه يوما ما.