الخميس 2018/01/18

روسيا وإيران: أصدقاء أم أعداء ؟

المصدر: مركز بيغن السادات للأبحاث الاستراتيجية

بقلم: إميل أفدلياني

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ظلت إيران قوة إقليمية لقرون، إذ حكمت البلاد سلالات قوية إيرانية كالسلالة الأخمينية والسلالة الساسانية في القديم، بالإضافة إلى الصفويين والكاجار في القرنين السابع عشر والثامن عشر، الذين لعبوا دورا رئيسيا في الشرق الأوسط وجنوب منطقة القوقاز وعدة أماكن أخرى. غير أنه في العقود التي تلت الحرب الباردة، عندما قامت الدول الغربية بفرض عقوبات مالية على برنامج طهران النووي، منعت هذه العقوبات إيران من فرض نفوذها الاقتصادي والسياسي من جديد.

وعلى الرغم من ذلك، ومع رفع العقوبات بشكل رسمي مع بدايات سنة 2016 ورفض إدارة ترامب (على الرغم مما تقوله) إلغاء الاتفاق النووي حتى الساعة، ترى اليوم طهران الفرصة سانحة لفرض نفوذها الاقتصادي والسياسي بدءا بالبحر الأبيض المتوسط ووصولا إلى جنوب منطقة القوقاز وأماكن أخرى.

لكن العقبة التي تقف أمام إيران وطموحاتها الجيوسياسية أن هذه المطامع تتعارض مع أهداف روسيا، إذ إن لروسيا أولوياتها جنوبي القوقاز حيث تسعى جاهدة إلى إبعاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من هناك ومن سوريا، لأن لهم مصالح هناك أيضا.

يمكن القول بأن المنطق الكامن وراء التعاون الحالي بين كل من روسيا وإيران يرتبط أساسا بالتعاون الاقتصادي والعسكري وكذا التعاون الجيوسياسي البحت. إذ تسعى كلا الدولتين إلى زيادة صادراتها من النفط والغاز نحو الأسواق الأوروبية على سبيل المثال. كما إن إيران على وجه الخصوص في وضع جيد يخولها بالمساهمة بحصة جيدة في سوق الغاز الأوروبي، في الوقت الذي يخشى فيه الاتحاد الأوروبي من الهيمنة الروسية في هذا المجال. يمكن أن يكون الغاز الإيراني وسيلة جيدة لتخفيف المخاوف الأوروبية، ولكن لتصدير غازها، ستحتاج إيران إلى موانئ على البحر الأسود كموانئ مدينتي باتومي وبوتي في جورجيا، وقد أعربت طهران عن استعدادها لاستخدام خط أنابيب الغاز العابر للأناضول وخط أنابيب يمر عبر البحر الأدرياتيكي.

ونتيجة لذلك، قامت إيران بإحراز تقدم بجعل نفسها على ساحل البحر الأسود. من خلال الاتفاق على تشييد منشآت لتكرير النفط بالقرب من مدينة سوبسا المرفئية الجورجية على البحر الأسود على مساحة 1.2 كيلومتر مربع في أواخر 2016.

ومع ذلك، لا تزال هنالك العديد من العقبات التي تواجه إيران جنوب القوقاز في الوقت الذي تقوم فيه كل من تركيا وروسيا بتعزيز حضورها عسكريا واقتصاديا في المنطقة. فموسكو، على سبيل المثال، قامت بعرقلة كل المحاولات الإيرانية لإنشاء خطوط وسكك حديدية مستقلة من أرمينيا وجورجيا.

ومن المحتمل أن تكون إحدى مظاهر التدخل الإيراني في مجال النفوذ الروسي الصراع المتأجج حول قره باغ الجبلية.

في بداية 1990، قامت الحكومة الإيرانية بعدة محاولات فاشلة للتدخل في الصراع، لكن من المتوقع أن تحاول إيران لعب دور رئيسي هناك بالنظر إلى أن كلا من أرمينيا وأذربيجان تقعان على حدودها. لكن روسيا، التي لا تزال القوة المهيمنة في عملية حل النزاع، ستعارض أي مبادرات إيرانية تهدد بتقليل دور موسكو.

وعلى الرغم من التنافس الحاصل، يمكن لكل من إيران وروسيا أن تتعاونا.

وعلى الرغم من أن العلاقة الروسية الإيرانية لا تخلو من الصعوبات من وجهة نظر جيوسياسية، إلا أن هناك أسبابا للتعاون. إذ تعطي الخريطة الأورو-آسيوية لمحة عن المنطق وراء رغبة النخبة السياسية الروسية في توثيق التعاون مع طهران.

اعتقد المفكرون السياسيون الروس في التسعينات أن كلا من إيران وتركيا سيمثلان أعمدة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط. اعتبر المفكرون الأورو- آسيويون- الذين يرون أن روسيا تنتمي للقارتين الأوروبية والآسيوية- أن موسكو بحاجة إلى طهران وأنقرة إذا ما أرادت التنافس مع القوى الغربية. وضع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذه المفاهيم رسميا جانبا لكنه لم يتخل عنها على أرض الواقع. إذ إن من مصلحة روسيا أن تظل إيران محايدة على الأقل كما كانت في فترة رومانوف والإمبراطورية السوفياتية.

إن من مصلحة كلا البلدين أن يتعاونا لصد التدخل العسكري الغربي جنوب القوقاز والشرق الأوسط. فكلاهما يرى أن التغير الكبير الذي طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة بخصوص الأراضي الأورو-آسيوية يضر بمصالح البلدين الجيوسياسية على حد سواء. بالنسبة لروسيا، تنتهك الولايات المتحدة النظام الذي جاء بعد الحرب الباردة من خلال زيادة الضغط العسكري على ما كان فيما قبل ضمن مجال الاتحاد السوفياتي. أما إيران، فترى الولايات المتحدة ضرورة الحد من مطامعها النووية وكذا امتدادها الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

ويمكن اعتبار هذا الخوف المشترك هو الدافع خلف التعاون الإيراني- الروسي. فقد قامت واشنطن في نهاية المطاف ومنذ وقت قريب بالكشف عن وثيقة لاستراتيجية وطنية جديدة تُبرز المشاكل الرئيسية في جميع أنحاء المنطقة الأورو-آسيوية، وحددت خلالها موسكو وطهران على أنهما يشكلان التهديد الأكبر لمصالحها في المنطقة.

أحد مسارح التعاون الروسي- الإيراني هي سوريا، حيث يسعى كل منهما إلى إيقاف النفوذ الغربي (الأمريكي على وجه التحديد) هناك. وقد تحدث الكثيرون عن الإجراءات العسكرية والاقتصادية التي قامت موسكو وطهران بتطبيقها في سوريا على مدى سنوات- لكن الاختلافات بين الحلفاء تبدأ في الظهور عند انتهاء الحروب وليس قبلها. وبالفعل، كانت هنالك إشارات على وسائل الإعلام حول وجود خلافات بين روسيا وإيران حول الأساليب والغايات وكذا نتائج الحرب في سوريا.

على الرغم من التعاون الذي يجمعهما، يرفض كل منهما ما يسعى الآخر إلى تحقيقه على المجال الجيوسياسي. فقد استطاعت إيران الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، الشيء الذي يثير قلق موسكو من أن وجود إيران قوية سيجعلها أقل ميلا للانصياع لقيادة روسية.

وعلى الرغم من الخلافات السياسية الروسية والإيرانية، فلا تزال الروابط الجيوسياسية قوية بما فيه الكفاية لاستمرار التعاون بينهما في الوقت الحالي.