الأثنين 2018/06/25

روسيا في سوريا.. بين ضغوط إيران وإسرائيل


بقلم: إميل افالدياني

المصدر: مركز مركز "بيغن-السادات" للدراسات الاستراتيجية

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


خلال الأشهر الماضية، كان أحد المخاوف الرئيسية للكرملين هو معرفة إلى متى ستستمر إسرائيل في تنفيذ الضربات الاحترازية على الأراضي السورية.

ففي 10 شباط/ فبراير الماضي، تم إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار فوق المجال الجوي الإسرائيلي، ما أدى إلى رد إسرائيلي سريع ومدمّر. بعد ذلك بشهرين، في 9 أبريل / نيسان، شنت الطائرات الإسرائيلية مرة أخرى هجوماً جديداً قصفت خلاله قاعدة (تي4) وقتلت 14 شخصاً، من بينهم سبعة عناصر من قوات الحرس الثوري الإيراني. وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هذا الأمر بأنه "تطور خطير للغاية".

توحي هذه الأحداث بأن مشاركة عسكرية إسرائيلية - سورية (ومشاركة إيرانية ضمنية) يمكن أن تتحول إلى حالة خطيرة، قد تخسر روسيا السيطرة من خلالها؛ الشيء الذي يعتبر أمراً مقلقاً لموسكو، لأنها تحرص على الحفاظ على التوازن في سوريا.

فكيف يمكن لروسيا حينئذ أن تردّ في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية؟

بالنسبة لموسكو، فإن وجود إسرائيل في ساحة المعركة سيكون تطوراً مؤسفاً، إذ تحاول هذه الأخيرة أن تكون قوّة مهيمنة في المشهد السوري بعد أن حقّقت انتصارات مهمة. إن تحقيق هذا الهدف يزداد صعوبة مع ازدياد عدد القوى المتحاربة على الأرض السورية. كما إنه من غير المحتمل أن تسحب الولايات المتحدة قواتِها من سوريا، فيما لا يزال الأتراك في منطقة عفرين التي تقع شمالي البلاد، في الوقت الذي تقترب فيه القوات الإيرانية من الحدود الإسرائيلية، كما لم تستطع مؤتمرات السلام الأخيرة تحقيق الكثير. فآخر شيء تسعى روسيا إلى تحقيقه هو أن تكون إسرائيل طرفا في الصراع العسكري الذي يدور على الأراضي السورية.

يمكن لهذا أن يفسر سبب إقرار روسيا لعدد من النقاط الحاسمة المتعلقة بأمن إسرائيل. دعونا نتأمل الأحداث التي تلت إطلاق الولايات المتحدة وحلفائها صواريخ كروز على سوريا في 14 من نيسان/ أبريل الماضي. في البداية، ردت موسكو باقتراح استئناف تسليم صواريخ الدفاع الجوي المتقدمة من طراز(إس-300) إلى دمشق، وهو الإمداد الذي تم تعليقه عام 2013 بسبب المعارضة الإسرائيلية.

قال حينها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنه على ضوء الضربات التي قام بها الحلفاء الغربيون، لم يعد لدى روسيا أي التزام أخلاقي بالامتناع عن نقل الصواريخ إلى سوريا. وذكرت صحيفة "كوميرسانت" اليومية الروسية أن عمليات التسليم قد تبدأ عما قريب.

ومع ذلك، في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا في أوائل شهر مايو / أيار بمناسبة الاحتفالات بيوم النصر، نقلت صحيفة "إزفستيا" الروسية البارزة عن كبير مساعدي الكرملين، فلاديمير كوجين، قوله إن موسكو لم تكن تجري محادثات مع النظام بشأن تزويده بصواريخ أرض-جو من طراز (إس-300). كما قام وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بإجراء زيارة إلى موسكو في 31 أيار/ مايو الماضي. زعم العديد من المحللين الروس المرتبطين بالكرملين أنه تم التوصل إلى اتفاق ستقوم إيران بموجبه بسحب قواتها من الحدود الإسرائيلية-السورية. فإذا كان هذا صحيحًا، فيمكن اعتباره تغيرا واضحا في سياسة الحكومة الروسية.

من المحتمل أن تكون موسكو قد أخذت بعين الاعتبار تلميحات مسؤولين في وزارة الدفاع وسياسيين إسرائيليين، حين أكدوا عبر منابر إعلامية روسية عزم إسرائيل على الرد واستهداف الأراضي الإيرانية إذا ما هاجمت إيران إسرائيل من سوريا، إما بشكل مباشر أو عبر وكيلها في المنطقة، حزب الله.

على الصعيد العالمي، فإن هناك احتمالاً يقضي بأن تلعب روسيا دور الوسيط بين إيران وإسرائيل. سيكون هذا الدور عبارة عن طفرة دبلوماسية مهمة تُظهر للعالم أن عملية السلام بين هذين العدوّين اللدودين تقع على عاتق موسكو. يبدو أن الكرملين يدرس هذه الإمكانية استناداً إلى ما جاء في وسائل الإعلام الروسية. كما إن غياب الدور الروسي في التطورات التاريخية الممكنة في شبه الجزيرة الكورية قد يدفع بفلاديمير بوتين إلى البحث عن طريقة ليكون الكرملين وسيطاً قوياً في الشرق الأوسط.

إن تنازلات روسيا لصالح المصالح الإسرائيلية في سوريا لن تكون عائقاً أمام إيران وروسيا لتعزيز الشراكة القائمة بينهما. إلا أن هناك العديد من النقاط الشائكة بين البلدين. إذ يضع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني روسيا والدول الأوروبية في نفس الجانب ضد احتمال انهيار الاتفاق. كما إن المعارضة المشتركة بين البلدين ضد الضغوط الأمريكية تجعل موسكو وطهران أكثر من مجرد حلفاء. إن هذا ما يجعل موقف روسيا في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في سوريا صعبا. إذ تسعى كل من روسيا وإيران إلى جعل الوضع الجيوسياسي مستقرا في سوريا والمنطقة. في ظل استمرار الصراع السوري، من الصعب للغاية توقع ما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل.

يدرك الروس أنه في ضوء الضرورات الأمنية لإسرائيل، ستقوم هذه الأخيرة بالتدخل عسكرياً بين الفينة والأخرى، كما إنهم يعلمون أنها ستُضطر للردّ حتى إذا لم تستهدف مرتفعات الجولان بشكل مباشر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى من غير المحتمل أن يقدّم الإيرانيون تنازلات في سوريا بسبب طموحاتهم الجيوسياسية ومصالحهم العسكرية هناك، لذا فمن الطبيعي أن تصطدم هذه الرؤى المختلفة من وقت لآخر.

تجد روسيا نفسها بين المطرقة والسندان من أجل تحقيق التوازن بين إسرائيل وإيران، في الوقت الذي تحاول فيه جعل نفسها طرفاً أساسياً في التخفيف من حدة الصراع بين هذين العدوين الجيوسياسين.