الخميس 2017/10/12

رايتس ووتش تطالب التحالف الدولي بدفع “تعويضات” لأقرباء قتلى غاراته في سوريا

المصدر: نيوز ديبلي

بقلم: نديم حوري

العنوان الأصلي للمقالة: 

( الاعتراف بالخسائر البشرية لهجمات التحالف الجوية في سوريا)

 يقول نديم حوري ( مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش ) إن على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الاعترافَ بالمدنيين الذين تم قتلهم في الهجمات الجوية بسوريا وتقديمَ المساعدة المادية لأقرباء الضحايا.

"عهد" فتاة في الحادية عشر من عمرها، تغيرت حياتها ليلة 20 آذار/مارس من العام الجاري إثر إحدى الهجمات التي استهدفت مدرسة بالرقة اتخذتها هي وعائلتها  ملجأ لهم من القصف. نجت عهد، لكن الهجوم قتل كلا من والدها وإخوتها وأكثر من 12 شخصا من أفراد عائلتها.

لم تكن الطائرات السورية أو الروسية من شن الهجوم هذه المرة، بل كانت طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بذريعة محاربة تنظيم الدولة (المعروف بداعش).

قمت بزيارة ميدانية للمدرسة التي جرى فيها الهجوم مطلع يونيو/حزيران الماضي بعدما قامت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من طرف قوات التحالف بالاستيلاء على المنطقة. في الوقت الذي صرح فيه أهالي المدينة أن عوائل مقاتلي تنظيم الدولة -الذين فروا من العراق- اتخذوا من المدرسة مسكناً لهم وأن بعضاً من مقاتلي هذا التنظيم دأبوا على زيارتهم هناك، كانت المدرسة مسكناً لبعض النازحين الذين لم تكن لهم صلة بالتنظيم، كعائلة عهد. وقد قمنا أثناء هذه الزيارة بجرد أسماء 40 مدنياً  بينهم 15 امرأة و16 طفلاً ممن قُتلوا في الهجوم.

 

يقتضي القانون الدولي تقديم تعويض لأقارب ضحايا انتهاكات قوانين الحرب، بما في ذلك ضرورة اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة للتقليل من الضرر المدني. وقد صرح التحالف بأنه قصف المدرسة اعتقادا منه أنها مقر لتنظيم الدولة ومنشأة لتخزين السلاح "وأنه لا وجود لأدلة كافية" تشير إلى تضرر مدنيين من الهجوم.  لكن الأدلة موجودة وواضحة وضوحَ جِرَاح عهد؛ لذا وجب على التحالف مراجعة تقاريره ومقارنتها بنتائج التحقيق الميداني الذي أجرته هيومن رايتس ووتش.

حتى إن لم ينتهكِ الهجوم  القانون الدولي، فإن الضحايا المدنيين مثل عهد يحتاجون للمساعدة، ولايزال السؤال مطروحاً ومُلحّاً حول سياسات التحالف تُجاه هؤلاء الضحايا في ضوء تزايد أعداد الإصابات.

في 1 أيلول / سبتمبر من العام الحالي، أقرّ التحالف أنه قد قتل "عن غير قصد" ما لا يقل عن 685 مدنياً في كل من العراق وسوريا منذ بدأ عملية "العزم الصُّلب" في 2014 . وقد قدر مراقبون مستقلون، كـ"إير وورز"، وهي منظمة للرصد والمراقبة، أعداد قتلى الهجمات التي شنتها قوات التحالف بـ 5000 قتيل. كما قام "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بنشر تقرير في 20  أيلول /سبتمبر الماضي يؤكد أن هجمات التحالف قتلت 1064 مدنياً، منهم 248 طفلاً في الرقة، منذ بدأ عملياته مطلع يونيو/ حزيران الماضي.

لكن التحالف لم يتناول قضية الضحايا بالشكل المطلوب بعد، إذ يُعتبر ضحايا الحرب أضراراً جانبية في الحرب الجارية للقضاء على تنظيم الدولة. كما لا تُظهرهم وسائل الإعلام،  فيظلون مجهولي الهوية، وفي حالة استجوابهم من طرف وسائل الإعلام العالمية، فغالباً ما يُسألون عن حياتهم في وجود تنظيم الدولة، ولا يتمُّ التطرق للأذى الذي تعرَّضوا لهم من قِبَل التحالف.

يقول التحالف إن هؤلاء الضحايا "سقطوا دون قصد"، لكنه لا يكلّف نفسه عناء القيام بأي جهد من أجل الوصول إليهم وتقديم الاعتذار لهم.  فالاعتذار وأشكال الاعتراف الأخرى بإلحاق الضرر من شأنها أن تكون إشارة قوية بأن التحالف يولي اهتماما كبيرا لمصيرهم وينفي فكرة أنه غيرُ مُبالٍ بهم .

في الوقت الذي تُعتبر فيه هذه المبادرات مهمة، فإن الضحايا الذين تُشبه حالتهم حالة عهد، يحتاجون إلى المساعدة المادية أيضا. عندما قابلنا عهد، كانت تعيش مع أقارب لها في لبنان، لكنهم معوزون أيضاً، ولا يستطيعون تحمُّل تكاليف تعليمها. فليس الهدف من هذه المساعدات وضع تعويض على الحياة البشرية، لكن الهدف هو تلبية احتياجات ضحايا قصف التحالف. وقد قام الجيش الأمريكي وكذا أعضاء في التحالف بدفع أموال في الماضي لضحايا الحروب التي دارت في كل من أفغانستان والعراق، ولم تأت هذه الأموال على شكل تعويض قانوني بل كمبادرة بهدف تخفيف معاناة المدنيين.  اعتُبرت هذه المدفوعات أموالاً لمؤازرة الضحايا أو هبات لتأكيد عدم وجود التزام قانوني وإعطائها صبغة قانونية.

في كانون الأول/ ديسمبر 2016، قام الكونغرس بإعطاء الضوء الأخضر للبنتاغون لدفع أموال لعائلات المدنيين الذي قُتلوا أو أُصيبوا جراء الهجمات الأمريكية في سوريا. لكن تظل الجهة التي ستقوم بدفع هذه الأموال غير معروفة. وقد صرّح في وقت قريب المتحدث باسم التحالف لـ"هيومن رايتس ووتش" أنه في ظل ظروف ملائمة، ستعطى أوامر بتقديم مساعدات مالية على شكل هِباتٍ كنوع من التعاطف مع المصابين وأسر الضحايا. لكنه لم يحدد ما الذي يقصده بالظروف الملائمة. فردُّ التحالفِ هذا نصَّ على أن " قسم المستحقّات" هو من عليه أن يتسلم مثل هذه الطلبات. لكن لا يعرف أحد من الضحايا وكذا الناشطين المحليين ممن أجرينا مقابلات معهم كيفية الوصول إلى مكتب المستحقات هذا.

يجب أن تظل المأساة التي تعرضت لها "عهد" تذكيراً للمعاناة التي يسببها التحالف في ظل عدم وجود سياسات لمساعدة ضحايا القصف. إذ من المستحيل تجنُّب معاناة المدنيين بشكل كلي في الحرب، لكن يمكن القيام بالكثير للتخفيف من حدّتها. تكمن الخطوة الأولى في اعتراف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالضحايا الذين خلَّفهم قصف قواته والعمل على جعل نظمه فعالة من أجل مساعدة الضحايا للحصول على تعويض. لا يستطيع أحد تعويض عهد خسارةَ عائلتها، لكن على الأقل يمكن الحرص على عدم جعل هذه الخسارة تكلِّفها عدم ذهابها إلى المدرسة.