الأحد 2018/05/20

دون الإعلان عن خطوط عريضة.. الولايات المتحدة تسعى إلى بدء مفاوضات جديدة مع إيران

المصدر: نيويورك تايمز

بقلم: دايفييد سانجر

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


من المتوقع أن يضع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الإثنين القادم استراتيجية جديدة من أجل التوصل إلى اتفاق جديد، من شأنه أن يمنع إيران نهائياً من تصنيع دائم للوقود النووي، ما يعني قطع الطريق أمامها لإنشاء قنبلة نووية، وهو طلب كان قد رفضه قبل الآن حلفاء الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن يقوم مايك بومبيو بتوسيع عدد الدول المشاركة في المحادثات، مثل اليابان ودول عربية لم تشارك في المفاوضات التي أنتجت اتفاق 2015، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ نحو 10 أيام.

إلا أنه من غير المرجح أن تتبنى القوى الأوروبية الكبرى استراتيجية بومبيو الجديدة للتفاوض، خصوصاً أن هذه القوى عارضت الخطوة التي اتخذها ترامب منذ البداية، وهي الآن في طور البحث عن طرق لإلغاء آثار العقوبات الاقتصادية التي هدّدت الولايات المتحدة بفرضها على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران.

يعارض الأغلبية في الاتحاد الأوروبي قرار ترامب بالانسحاب، حيث غرد دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي في تويتر ساخراً من ترامب قائلاً "مع هكذا أصدقاء، من يحتاج إلى أعداء؟" وأضاف قائلاً " نحن ندرك أنه إذا احتاج أحدنا ليد المساعدة، فلن يجد إلا واحدةً عند نهاية ذراعه".

مع ذلك، يدرك بومبيو أنه على الرغم من كل الامتعاض الأوروبي، إلا أن تهديدات ترامب بفرض عقوبات، والتي من شأنها أن تحظر أي شركة تتعامل مع إيران من القيام بأي عمل تجاري مع الولايات المتحدة، هي الحل الأمثل للملف الإيراني.

فقد أعلنت شركة "توتال"، عملاق النفط الفرنسي، هذا الأسبوع إلغاء العقود المخطط توقيعُها مع إيران، وقال كبار المسؤولين التنفيذيين في شركات أخرى متعددة الجنسيات، أنه لا خيار أمامهم. إيران هي زبون صغير مقارنة بالولايات المتحدة.

تدعو خطة بومبيو إلى بدء مفاوضات جديدة من شأنها أن تشمل قيوداً نووية أقوى وأطول زمنياً، بالإضافة إلى قيود أخرى تشمل الاختبارات التي تجري على الصواريخ وكذلك عمليات تصديرها، وحدّ الأنشطة الإيرانية التي تدعم الجماعات الإرهابية أو بشار الأسد في سوريا.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحاولون إيجاد طريقة لفرض قيود جديدة أو حتى عقوبات تشمل النشاط الإيراني الإلكتروني، وذلك تحسباً لأي رد انتقامي قد يستهدف البنوك والمؤسسات المالية.

فقد قامت إيران بشن هجمات إلكترونية ضد الأنظمة الأمريكية في عامي 2012 و2013، انتقاماً للهجمات الإلكترونية التي شنّتها الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية، وكذلك رداً على فرض المزيد من العقوبات على إيران. حيث ترى شركات الأمن المختصة في الإنترنت تصعيداً في نشاط إيران الإلكتروني.

ومن المتوقّع أن يُلقي بومبيو غداً الإثنين خطاباً، في "مؤسسة هيريتيج" في محاولة منه لتقليل الخلاف القائم بشأن الملف الإيراني مع أوروبا.

قال "بريان هوك" مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية -الذي كان قد أجرى مفاوضات وصلت إلى طريق مسدود مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في محاولة لإقناعهم بالتعديلات الجوهرية التي تريد الولايات المتحدة فرضها على الاتفاق النووي الإيراني- : "أعتقد أنه من الإنصاف القول إننا نتفق مع الأوروبيين بالكثير من الأمور، أكثر بكثير من تلك التي نختلف بشأنها".

لقد كانت نقطة الخلاف الرئيسية مع الأوروبيين اللغة المستعملة في صياغة الاتفاق والتي ساهمت في تمديد أجل القيود المفروضة على قدرة إيران في إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب أو البلوتونيوم لإنتاج قنبلة نووية في أقل من 12 شهرًا. في الوقت الذي أكد فيه الأوروبيون أنهم لا يعترضون على هذه المدة مؤكدين أن الإيرانيين لن يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف دون إعادة فتح شروط اتفاق 2015 مع إيران، كانت إدارة ترامب تسعى إلى أن يكون هذا الشرط أحاديَّ الجانب، مع وجود خطر فرض العقوبات بشكل تلقائي إذا ما حاول الإيرانيون تمديد هذه المدة.

والآن ومع إعادة فرض العقوبات مرة أخرى، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم عالقين بين رفض قرار ترامب وبين العمل معه.

يقول "هوك" إنه إذا ما وضعنا الاتفاق القديم جانباً، فإن هناك فرصة لفتح صفحة دبلوماسية جديدة، على الرغم من عدم معرفة إذا ما كان الإيرانيون سيقبلون بذلك.

مضيفاً يوم الجمعة الماضي: "نحن نرى في هذا فرصة لتوسيع جهودنا في الأشهر القادمة والعمل مع العديد من الدول التي تشاطرنا نفس المخاوف بشأن منع الانتشار النووي والإرهاب، ومنع إذكاء نار الحروب الأهلية في جميع أنحاء المنطقة، لذا فنحن متفائلون جدا بشأن الدبلوماسية المقبلة".

حتى الآن، أكد مسؤولون إيرانيون التزامهم على العمل بمقتضيات صفقة 2015. لكن من الواضح أن هناك جدلًا في إيران، إذ يرى مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى الأشخاص الذين عملوا بشكل كبير لإنجاح البرنامج النووي،  أن الولايات المتحدة لم تكن تنوي أبداً السماح لطهران بالانضمام إلى الاقتصادات الغربية. وقد نصحوا قادة إيران بمنع المفتشين الدوليين من مراقبة منشآتهم واستئناف عميلة تخصيب اليورانيوم.

وبحسب "فالي نصر"، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وعميد كلية "جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة" في واشنطن، فإن "هناك دولتين فقط تهمان إيران، وهما روسيا والصين"، وأضاف قائلاً في تصريح إن كلا البلدين "لم يقدّما يد العون لإيران"،  لذا فموقفهم يبقى غير واضح فيما إذا كانوا سينضمون إلى إيران الساعية لإحباط محاولة ترامب الرامية إلى عزلها دولياً.

فروسيا شريك إيران في الحرب السورية، بينما الصين يمكن أن ترى في الانسحاب الأمريكي فرصة لإبرام اتفاقات طاقة مع إيران على الرغم من العقوبات الأمريكية، الأمر الذي سيُحرج الولايات المتحدة التي لا تستطيع تحمُّل تكلفة فرض عقوبات اقتصادية على المورّدين الصينيين.

وأضاف نصر "الذي ولد في طهران وهاجر إلى الولايات المتحدة بعد ثورة 1979" ..أن إدارة ترامب "ربما تسعى لاستراتيجية تؤدي إلى تغيير النظام في إيران" إلا "أنهم سيكتشفون أن تغيير النظام ليس بالأمر السهل".

من غير المُرجّح أن يتحدث بومبيو عن تغيير النظام في إيران خلال الخطاب الذي سيُلقيه يوم الإثنين، إلا أنه سوف يناقش سياسة احتواء واسعة للنشاطات الإيرانية.

خلال الفترة الرئاسية لأوباما، ألقى المسؤولون خطابات مماثلة قبل توقيع اتفاق 2015. لكن تلك الخطابات كانت مختلفة في طبيعتها لأن الدول الأوروبية الكبرى شاركت في فرض العقوبات آنذاك باعتبارها أفضل طريقة لإجبار إيران على التفاوض. غير أن قرار ترامب بإلغاء نتائج تلك المفاوضات ربما أثار غضب المسؤولين الأوروبيين لدرجة أنهم سيرفضون ببساطة التفاوض على صفقة جديدة، إلا إذا كانوا يخشون أن تكون العواقب الاقتصادية هائلة.