الأربعاء 2017/12/13

بعد القضاء على تنظيم الدولة ..كيف تبرر الولايات المتحدة توسيع وجودها العسكري في سوريا؟

العنوان الأصلي : توسيع نطاق المهمات في سوريا

المصدر: ناشيونال انترست

تاريخ الإصدار: 11/12/2017

بقلم: بول بيلار

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


علمنا مؤخرا أن أعداد القوات الأمريكية في سوريا تصل أربعة أضعاف الأرقام التي أعلنها المسؤولون الأمريكيون السابقون. لكن هذا التناقض لم يحظ باهتمام الرأي العام، وذلك على الأغلب لأن الأرقام المعلن عنها أقل بكثير من أعداد القوات الأمريكية الموجودة في أماكن أخرى: يقدر عدد القوات الأمريكية الموجودة في سوريا بـ 2000 جندي، في حين أن الرقم الرسمي المعلن عنه سابقا لم يتجاوز 500 فقط.

والواضح أن هذه الحصيلة غير الكاملة قد استثنت الجنود الذين يقومون بمهمات قصيرة، وكذا أولئك الذين يؤدون مهمات تتسم بالحساسية.  وكان قد صرح المتحدث باسم البنتاغون قائلا إن الإعلان عن الأرقام الجديدة والكاملة هو جزء من الجهود التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في إطار الشفافية.

لكن ما يبدو أقل وضوحا وشفافية من هذه المعطيات الجديدة حول أعداد الجنود الأمريكيين هو السبب وراء بقاء أي من هذه القوات في سوريا. لا يختلف اثنان على أن السبب وراء نشر القوات الأمريكية في سوريا هو القضاء على تنظيم الدولة، فعلى الرغم من أنها دولة غير تقليدية إلا أنها اتخذت شكلا تقليديا من الأهداف العسكرية عندما احتلت مساحات كبيرة من سوريا والعراق. أما الآن فقد تم القضاء على الدولة الصغيرة التي أنشأها التنظيم. غير أن الوجود الأمريكي العسكري في سوريا، الذي تناقصت سطوته، لا يبدو أنه سينتهي هناك. وكان ماتيس قد صرح أن الولايات المتحدة "لن توقف ببساطة"  الجهود التي تقوم بها في سوريا.

تسعى الولايات المتحدة إلى توسيع مهماتها في سوريا من خلال نسج مبررات جديدة تقوم مقام مهمة القتال المسلح ضد تنظيم الدولة. إذ إن توسيع نطاق المهمات العسكرية يعد نوعا من أنماط التفكير المعتادة التي تلي البعثات العسكرية الأمريكية. لم يقم ترامب بوضع هذا النوع من التكتيكات لكن حكومته لجأت إليها.

إن تصريحات ماتيس حول عدم انسحاب الولايات المتحدة من الأماكن التي تدخلت فيها تُشير إلى أحد المواقف الأمريكية، التي تعتقد أن الولايات المتحدة أكثر تأهيلا من غيرها، وعليه فإن عليها أن تتولى المسؤولية الأكبر لإرجاع الأمور إلى نصابها في أي بلد مضطرب لا تشكل فيه مصالح الولايات المتحدة مسألة عابرة. فبالنسبة لسوريا تتعدى مسألة محاربة تنظيم الدولة وتهدئة الأوضاع والقيام بإعادة بناء بعض من مقومات الدولة.

تتضمن بعض من أنماط التفكير المتعلقة بالملف السوري حالة من النسيان بخصوص التجارب الأخيرة والدروس التي كان يجب استخلاصها والواضح أن ذلك لم يحدث. فالمواقف الأمريكية تجاه تنظيم الدولة والنظام وحلفائه الإيرانيين والروس كلها متداخلة.

فللرؤية الأمريكية السائدة حول موضوع مكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة طابع عسكري في مفهوم " الحرب ضد الإرهاب". ولذا كان استعمال الأسلحة مناسبا باعتبار تنظيم الدولة، هذه الدولة الصغيرة، هدفا عسكريا.  لكن تنظيم الدولة الذي لا يبدو أكثر من حركة سرية وأيديولوجية، لم يعد يمثل كل هذه الأهداف العسكرية. فقد أصبحت أدوات مكافحة الإرهاب غير العسكرية الآن أكثر أهمية بشكل نسبي.

كثيرا ما ننسى أن الحرب نفسها، وخصوصا اندلاع الحرب الأهلية السورية، كانت نعمة على تنظيم الدولة. كما إننا ننسى أن الخسائر والأضرار الجانبية التي من الصعب تجنبها كنتيجة للعمليات العسكرية الأمريكية في الصراعات المعقدة ميالة لتعزيز التطرف المعادي للولايات المتحدة عوض نقصه، بما في ذلك التطرف الذي جاء على شكل إرهاب دولي.

ومن بين الأفكار الاعتيادية حول تنظيم الدولة أنه يجب الإطاحة بالأسد إذا كان هناك أمل بالقضاء على هذا التنظيم. قام الكاتبان ماكس أبراهمز وجون غلاسر بعرض العديد من الآراء المتكررة التي عُبِّر عنها على مدى سنتين حول موضوع محاربة تنظيم الدولة التي تقتضي محاربة الأسد. لكن الوضع اليوم، في ظل القضاء على تنظيم الدولة والوقت الذي لايزال فيه الأسد ينعم بالأمن في دمشق، دليل على مدى بطلان تلك الحجة. من بين الكثيرين الذين دعوا إلى ذلك هم أنفسهم من يطالبون باستمرار وتوسيع الحملة العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة في سوريا، مع عدم الإقرار بالخطأ الذي ارتكبوه إثر تقييمهم السابق. يُظهر هذا من جديد مدى ضعف المساءلة في التحليلات الخاطئة للسياسات التي تتخلل مناقشات واشنطن.

لكن حلم الإطاحة بالأسد لم يمت، على الرغم من أن مساعدة أصدقائه له، والتي يبدو أنها لا تُجدي نفعا في المستقبل المنظور. لكن ثبات الحلم يولِّد المزيد من النسيان في اتجاهين على الأقل. فالأول يتمثل في نسيان العواقب المترتبة عن جهود الولايات المتحدة وجهود دعمها لتغيير النظام في المنطقة. ويتضمن هذان الجانبان الغزو الذي طال العراق سنة 2003، والذي أنتج الجماعة التي عرفت فيما بعد باسم "تنظيم الدولة" وكذلك الفوضى التي أثيرت إثر عزل القذافي في ليبيا.

ويبدو أن هناك حالة من النسيان للفترة التي ظلت فيها عائلة الأسد في السلطة، بما في ذلك حافظ الأسد، الذي قضى على المعارضة الداخلية بصورة وحشية كما فعل ابنه بشار- تقدر هذه الفترة ب 47 سنة تحديدا. وعلى أي شخص يرفض بقاء الأسد في السلطة أن يجد إجابة "لِمَ الآن؟" ومحاولة فهم كيف استفاد العالم والولايات المتحدة من بقاء عائلة الأسد في السلطة قرابة نصف قرن.

أما بالنسبة لبشار الأسد وأصدقائه الروس والإيرانيين فإن التصور الأمريكي السائد افتراض عقيم إذ ينبني على أن أي وجود أو نفوذ لكل من إيران وروسيا هو أمر سيء ومعارض لمصالح الولايات المتحدة بشكل تلقائي. إن هذا التصور يُلغي كل مجهود لحل الجوانب التي تتعارض فيها التحرُّكات الروسية والإيرانية مع المصالح الأمريكية والمصالح الأمريكية الموازية أو التي لا تتعارض مع تلك المصالح.

يستمر غياب مثل هذه الجهود على الرغم من المثال الصارخ (ليس في سوريا وحسب وإنما في العراق وأماكن أخرى) لمحاربة تنظيم الدولة باعتباره مصلحة موازية. ينضم إلى هذا التصور المعتاد استخدام الاستعارات الفضفاضة والمضللة التي لا تتعلق فقط بتدخل الولايات المتحدة، بل أيضا بالتدخل المادي والعسكري من أجل شَغل حيِّز للتصدي للنفوذ الإيراني أو الروسي الذي يعتبر سيّئاً في المكان نفسه.

إن أساليب التفكير هذه، مجتمعةً، تغلق طريقاً للخروج من سوريا، وتعني ضمنيا عدم وجود نهاية للحملة العسكرية الأمريكية هناك. كما إنها تَحُول دون إعلان الانتصار (الانتصار العسكري على تنظيم الدولة) والعودة إلى الديار.  فلاديمير بوتين أكثر دراية من النقاد الأمريكيين بمخاطر البقاء إلى أجل غير مسمى في سوريا وهو يتصرف على هذا الأساس الآن.

وعليه، فقد أصبحت سوريا مكانا آخر، كأفغانستان، التي تشن فيها الولايات المتحدة حربا لا نهاية لها. في هذه الأثناء سيُذكّر الروس الجميع بأنهم في سوريا بدعوة من الحكومة الحالية عكس الولايات المتحدة التي لم تتم دعوتها. وسيستمر الأتراك في التعبير عن غضبهم حول العمليات التكتيكية التي تقوم بها الولايات المتحدة مع الأكراد، بينما سيواصل "المتطرفون السنّة" استغلال أي ضرر تلحقه الولايات المتحدة أو وكلاؤها المحليون من أجل الدعاية لأجنداتهم والتجنيد.