الجمعة 2018/09/07

الغارديان: هكذا فقدت الولايات المتحدة نفوذها بسوريا


بقلم: سيمون تيسدال

المصدر: الغارديان

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


في الوقت الذي تناقش فيه كل من روسيا وتركيا وإيران مصير إدلب، تركت الولايات المتحدة لغاضبها.

منذ عهد قريب، أمرت الولايات المتحدة بشن ضربات في الشرق الأوسط، لكن تلك الأيام قد أصبحت من الماضي، في الوقت الذي تستعد فيه كل من روسيا وحلفائها لشن هجوم عسكري مدمر على إدلب، الواقعة شمال غرب سوريا. لقد تخلت أقوى دولة في العالم عن أسلحتها وتخلت عن مفهوم السلام الأمريكي لأجل شعار "أمريكا أولا".

كان قد حذر دونالد ترامب هذا الأسبوع من أن حدوث "مذبحة في إدلب" سيثير "غضب" الولايات المتحدة؛ الشيء الذي يؤكد عدم قدرة أمريكا على التحرك بخصوص ما يحدث.

إن التعبير عن الغضب ليس كافيا، كما إن نفوذ ترامب في المنطقة يكاد يكون منعدما. فقد استخف بالجهود الدبلوماسية لوضع حد للحرب السورية التي دامت سبع سنوات، كما قام بقطع الدعم المادي عن الثوار وحديثه المتكرر عن انسحاب القوات الأمريكية، التي تساعد القوات الكردية الحليفة، من سوريا.

يمكن حصر أهداف ترامب في سوريا، بالنظر إلى السياسة المحددة التي يتبعها، في شقين: الشق الأول يتمثل في قتل أو القبض على ما تبقى من مقاتلي "تنظيم الدولة". والثاني: كبح النفوذ الإيراني بفرض انسحاب وحدات "الحرس الثوري الإيراني" والمليشيات الشيعية الموالية لطهران، إذ يعتبر الشق الأخير مطلبا إسرائيليا.

من الواضح أن مصير المدنيين في إدلب، الذين يقدر عددهم بنحو ثلاثة ملايين شخص؛ فر نصفهم من أجزاء أخرى من سوريا بحثا عن ملاذ آمن، ليس ضمن أولويات ترامب. ويقول مسؤولون أمميون ومسؤولون في وكالات الإغاثة إنه في حال شنت القوات الروسية وقوات النظام هجوما على آخر معقل للثوار، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى موت عشرات الآلاف وتشريد مئات آلاف المدنيين، في الوقت الذي تقتصر فيه حرب ترامب على نشر تغريداته ومواقفه على تويتر.

يمكن لسيناريو استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية من جديد أن يغير سرد الأحداث. فقد دفع الهجوم الكيماوي الذي شنه بشار الأسد على دوما بريف دمشق في نيسان/أبريل، بترامب لشن ضربات صاروخية على أهداف تابعة للنظام. كما أشار مؤخرا مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، إلى الرد بشكل مماثل في حال شن بشار الأسد هجوما كيماويا من جديد.

قد تحاول روسيا نشر معلومات مغلوطة يرى محللون أنها غطاء للقيام بهجمات كيماوية جديدة على إدلب. كما قال جيم جيفري، مبعوث ترامب الجديد لدى سوريا، هذا الأسبوع إن الولايات المتحدة تملك "أدلة كثيرة" تشير إلى استعداد قوات الأسد للقيام بهجمات كيماوية جديدة.

ليس ترامب المسؤول الوحيد عن إهمال الولايات المتحدة للملف السوري والمكاسب الاستراتيجية التي حققتها روسيا نتيجة لذلك في الشرق الأوسط. فرفض باراك أوباما التدخل بشكل مباشر في الملف السوري سلّم ملف سوريا بشكل فعلي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما وافق على تولي موسكو مسؤولية التخلص من مخزون الأسد من الأسلحة الكيمياوية في الفترة ما بين سنتي 2013 و2014.

لقد كانت عملية التخلص من الأسلحة الكيماوية مجرد خدعة، لكنها سمحت لأوباما بالالتفاف على "الخط الأحمر" الذي وضعه بنفسه والذي يحظر استخدام الأسلحة الكيمياوية. دخلت القوات المسلحة الروسية سوريا عام 2015 وهي موجودة هناك منذ ذلك الحين، لضمان بقاء الأسد في السلطة.

ومع ذلك، فإن ترامب قد ساهم في إضعاف موقف الولايات المتحدة من خلال تملق روسيا. أدى تركيز واشنطن على التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 والتواطؤ المحتمل لهذه الأخيرة، إلى حجب الأعين عن العديد من الأنشطة العدائية لروسيا في أماكن أخرى، ولا سيما في سوريا.

سلطت القمة الثلاثية - التي جرت في طهران اليوم لمناقشة هجوم إدلب "الذي يميز هذه المرحلة" وما تسميه موسكو "عودة الاستقرار على المدى الطويل" في سوريا ما بعد الحرب- الضوء على عدم جدوى ما يقوم به ترامب. إذ لم تشارك الولايات المتحدة في هذه القمة، وعليه فلن يكون لرأيها حول إدلب ومستقبل البلاد أي وقع.

لا يُتوقع من إيران أن تصغي لما تقوله واشنطن، بالنظر إلى عداء ترامب تجاهها، على الرغم من حرص إيران على إظهار نفسها أنها لاعبة رئيسية. غير أن الوضع يختلف مع تركيا.

تعارض تركيا حليفة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أي هجوم على إدلب، خوفا من تدفق موجة جديدة من اللاجئين إلى حدودها.

هل يمكن لترامب أن يغير من سياسته ويتدخل في حال حدوث اعتداءات في إدلب؟ كل شيء ممكن. إن من شأن أي تدخل عسكري أمريكي أن يتطور ليشمل أهدافًا سياسية وإنسانية أوسع نطاقا.

لكن هذا الطرح غير وارد؛ يبدو أن البنتاغون قلق اليوم بشأن تهديد روسي بشن هجوم على إحدى المناطق الواقعة شرقي سوريا، على الحدود مع العراق والأردن، حيث تتموضع وحدات صغيرة من القوات الأمريكية. ما الذي أدى إلى تراجع أقوى دولة في العالم؟ ففي الوقت الذي يقوم فيه الروس بأعمال عدائية في منطقة كانت تحت هيمنة واشنطن منذ وقت قريب، تجد الولايات المتحدة نفسها في وضعية المراقب، تراقب موت المدنيين العزل.