الأحد 2018/10/14

الغارديان: ملف خاشقجي يفرض على السعودية مزيداً من العزلة

بقلم: مارتن شولوف

المصدر: الغارديان

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

انسحاب عدد كبير من رجال الأعمال النخبة من مؤتمر الرياض الاستثماري، في الوقت الذي تقول فيه السلطات التركية إنها تملك تسجيلات صوتية من داخل القنصلية.

تجد السعودية نفسها معرضة للمزيد من العزلة على إثر اختفاء "جمال خاشقجي" بعد أن أدار رجال الأعمال النخبة ظهورهم للمؤتمر الاستثماري الذي كان مزمعا في الرياض، وفي الوقت الذي قال فيه مسؤولون أمريكيون إنهم يملكون تسجيلات الصوتية ومقاطع فيديو تظهر لحظة قتل الصحفي في إسطنبول.

تحول المؤتمر الاستثماري الذي كان سيعقد في الرياض في وقت لاحق من هذا الشهر إلى إخفاق تام يوم الجمعة، بعد انسحاب معظم منصات وسائل الإعلام المشاركة والعديد من كبار رجال الأعمال، ومن المتوقع أن يتوالى انسحاب المشاركين في الأيام القادمة. عبّر المنسحبون عن انزعاجهم من ظروف اختفاء خاشقجي بالقنصلية السعودية في تركيا وعدم وجود ردود مناسبة.

كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيرس" في تصريح له على قناة "بي بي سي"، ، إلى توضيح ما حدث. وأضاف قائلا: "نحن بحاجة إلى معرفة تفاصيل ما حدث ومعرفة المسؤول وبالطبع، عندما تتكرر مثل هذه الممارسات، أعتقد أننا بحاجة إلى مساءلة المتورطين".

تتعرض السعودية للمزيد من الضغوط لشرح ما حدث لخاشقجي بعد دخوله مبنى القنصلية في الساعة 1:14 بعد الظهر من الثلاثاء الموافق لـ 2 من تشرين الأول/ أكتوبر من الحالي. قالت تركيا إن الصحفي خاشقجي، الذي عُرف بنقده لولي العهد محمد بن سلمان، قد اغتيل على يد فريق اغتيال وصل إلى إسطنبول من الرياض. وقد قالت السلطات التركية إن لديها أدلة تظهر ملابسات ما حدث لم تعلن عنها بعد.

وقال مسؤولون أمريكيون للواشنطن بوست الجمعة الماضي إن محققين أتراكا يزعمون أن بحوزتهم تسجيلات صوتية وأشرطة فيديو لمحادثات بين خاشقجي، الصحفي البالغ من العمر 59 عاما، وقتلته المفترضين. وقال أحد المسؤولين: "يمكنك سماع صوته وأصوات رجال آخرين وهم يتحدثون إليه باللغة العربية" كما "يمكنك أن تسمع بوضوح كيف تم استجوابه وتعذيبه ومن ثم قتله". يطرح وجود هذه التسجيلات فرضية أن تكون المخابرات التركية قد قامت بوضع أجهزة تنصت في القنصلية السعودية أو قامت بالتجسس على القتلة المتهمين.

وقالت السيدة خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي التركية، لوكالة أسوشيتد برس يوم الجمعة الماضي إن خاشقجي كان يرتدي ساعة من نوع "آبل" عندما دخل القنصلية، وإن المحققين يقومون بفحص هاتفه الخلوي الذي تركه معها.

وفي رد مكتوب على أسئلة وكالة أسوشييتد برس، قالت جنكيز إن السلطات التركية لم تخبرها عن وجود أي تسجيلات وإن خاشقجي "لا يزال في عداد المفقودين"، مضيفة أنه لم يكن متوترا عندما دخل القنصلية السعودية في إسطنبول "ولم يشك في أن أي شيئا سيئا قد يحدث له"، حيث ودعها قائلا " أراك لاحقا ودخل"، وكانت تلك كلماته الأخيرة لها. كان من المقرر عقد قران كل من خاشقجي وخطيبته خديجة جنكيز هذا الأسبوع، حيث قررا العيش بين إسطنبول والولايات المتحدة، التي اتخذها خاشقجي منفى اختياريا له منذ عام 2017.

تقوم كل من أنقرة والرياض بالتحقيق بشكل مشترك في قضية خاشقجي، حيث قال مسؤولون أتراك إنهم سيمهلون السعودية يومين للموافقة على شروطهم.

في ظل استمرار المباحثات، أرسل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الأمير البارز خالد الفيصل للتباحث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن قضية خاشقجي. وقد اعتُبرت هذه الخطوة محاولة من الملك سلمان لإعادة إدراج الجيل القديم، الذي كان للمملكة من خلاله تأثير إقليمي قبل أن يصبح ولي العهد البالغ من العمر 33 عاما الحاكم الفعلي للسعودية.

كما أفرجت المحكمة التركية عن القس الأمريكي الذي كان محتجزا بتهم الإرهاب والذي تسبب احتجازه في نزاع مرير بين واشنطن وأنقرة. أثار الإفراج المفاجئ عن برونسون تكهنات بأن تركيا تسعى للحصول على دعم الولايات المتحدة في التحقيق الذي تقوم به في قضية خاشقجي. إلا أن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، شكك في الرواية التركية حول الظروف المحيطة باختفاء خاشقجي، مرجحا احتمالية وقوع "عملية" أخرى بالنظر إلى العداء الذي عرفته العلاقات التركية السعودية على مر التاريخ.

وقال بولتون في مقابلة صحفية له مع هيو هيويت، أحد صحفي المحطة الإذاعية التابعة لليمين المتطرف، "لا نعلم صدقا ما الذي حدث ". مضيفا.. "تلك أحد النقاط التي تطرقت لها خلال حديثي مع ولي العهد. لذا نحن بحاجة إلى معرفة ما الذي حدث، ونحن بحاجة إلى حل هذه القضية بسرعة، فالرأي العام بحاجة لمعرفة الحقيقة".

موضحا "أعتقد أن هذا الأمر ليس في صالح السعوديين أنفسهم، لأننا لا نعرف ما حدث، ومن الواضح أن هناك عداء تاريخيا بين تركيا والسعودية".

في وقت سابق من يوم الجمعة، حثت جنكيز، خطيبة خاشقجي، دونالد ترامب عبر تويتر لاستخدام نفوذه لمعرفة ما حدث. "ماذا عن جمال خاشقجي؟" كتبت ردا على تغريدة له قال فيها إنه "عمل جاهدا" لإطلاق سراح القس الأمريكي، أندرو برونسون.

في الوقت الذي انسحبت فيه مجموعات تجارية كبرى من مؤتمر الرياض، قال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، إنه لا يزال يعتزم الحضور.

وقد أثارت تعليقات الوزير الأمريكي المزيد من المخاوف حول إمكانية تأثير العلاقة الوثيقة التي تجمع واشنطن والرياض على مجريات التحقيق.

وعد دونالد ترامب بالاتصال قريبا بملك السعودية سلمان حول " الحدث الرهيب في تركيا".

وتعهد ترامب "بمعرفة ما حدث" عندما وجه له الصحفيون أسئلة حول هذا الموضوع عقب التجمع السياسي الذي كان يقوده في مدينة سينسيناتي.

وفي وقت سابق، كان ترامب قد ربط رده على الادعاءات المتعلقة بقضية خاشقجي بصفقات واشنطن مع الرياض الخاصة بالأسلحة التي تبلغ قيمتها 110 مليار دولار. كما تجمع أنقرة علاقات تجارية وسياسية ضخمة مع السعودية، ما يدفع أنقرة إلى التعامل مع هذه القضية بحذر.

دعا وزير الخارجية البريطاني الأسبق، مالكولم ريفكيند، لفرض عقوبات على السعودية، أحادية الجانب إذا لزم الأمر، عقب اختفاء خاشقجي. وقال لقناة "بي بي سي نيوز نايت": "إذا بقي ولي العهد الحالي في السلطة في المستقبل، فعلى المملكة المتحدة العمل مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى لدراسة ما يمكن القيام به للرد بشكل مشترك، كفرض العقوبات مثلا أو معاقبة السعودية بشكل من الأشكال وذلك كخطوة أولى".

مضيفا أنه "إذا لم تكن الولايات المتحدة راغبة في المشاركة، فعلى المملكة المتحدة أن تنظر في اتخاذ إجراءات دون مشاركة الولايات المتحدة".

تعتمد رؤية السعودية لعام 2030، التي يشرف عليها ابن سلمان، بشكل كبير على الاستثمار في الخارج، وستكون مقاطعة الشركات التجارية المؤتمر مزعجة لساسة السعودية شأنه في ذلك شأن حظر الكونغرس الأمريكي بيع الأسلحة للسعودية في المستقبل.

وقالت بعض الشركات إن انسحابها من المؤتمر الذي كان مقررا في 23 من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي يعتمد على نتيجة التحقيق، في حين أن انسحاب آخرين كان نهائيا.

وقال البنك الدولي إنه سبق أن أبلغ السلطات السعودية بأن رئيسه، جيم يونج كيم، لن يحضر المؤتمر الاستثماري. كما انسحبت كل من صحيفة "الفاينانشيال تايمز" و "سي إن إن" من المؤتمر كرعاة إعلاميين له، وعقب انسحاب مذيعي قناة "سي إن إن" من هذا الحدث، انسحبت بلومبرغ أيضا.

كما انسحبت صحيفة نيويورك تايمز قبل يومين، تلتها سلسلة من الانسحابات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أريانا هافينغتون، وصاحب صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الدكتور باتريك سون شيونغ، ومقدم البرامج في قناة "سي إن بي سي" أندرو روس سوركين.

أما بخصوص المجموعات التجارية التي أعلنت انسحابها، فقد أعلن السيد ريتشارد برانسون، مؤسس مجموعة "فيرجن"، ومؤسسة فياكوم انسحابهما من المؤتمر، كما فعلت شركة "أوبر" الأمر نفسه، على الرغم من مساهمة صندوق الثروة السيادية في السعودية في هذه الشركة بشكل كبير. وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر"، دارا خسروشاهي، إنه لن يحضر المؤتمر "ما لم تظهر حقائق أخرى بخصوص قضية خاشجقي".

أُدرجت كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، كمتحدث في المؤتمر، لكن جهاد أزعور، رئيس قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، لم يقل ما إذا كانت لاغارد ستحضر المؤتمر أم لا. وقال أزعور معلقا على هذا الموضوع " نحن في انتظار الحصول على مزيد من المعلومات حول هذا التطور الذي حصل أخيرا".

وقال منظمو المؤتمر إنه سيستمر لأن التكلفة السياسية لإلغائه ستكون أكبر بكثير من الإحراج من عدم حضور المدعوين.