الخميس 2018/07/19

الغارديان: قمة ترامب-بوتين.. روسيا هي الرابح الأكبر

المصدر: الغارديان

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لم يكن حديث دونالد ترامب عن لقائه مع بوتين مرتجلاً عندما قال إنه ربما قد يكون أسهل جزء في رحلته إلى أوروبا، لقد عنى ما قاله.

قبل مغادرته واشنطن الأسبوع الماضي متوجها لحضور قمة حلف الناتو، أثارت تصريحات دونالد ترامب حول المباحثات التي سيجريها مع فلاديمير بوتين دهشة الجميع عندما قال إن اجتماع هلسنكي الذي جرى الإثنين الماضي سيكون أسهل اجتماع من بين ثلاثة اجتماعات سيقوم بها خلال هذه القمة.

بالنظر إلى تصريحات ترامب، من الواضح أن هذا التعليق لم يكن وليد اللحظة، فقد كانت هذه خطته منذ البداية؛ فقد قام أولا بتوجيه انتقادات قاسية لحلف الناتو بهدف تقويض التزاماته معه، ثم جدد علاقاته مع بريطانيا من أجل إلحاق الضرر بالاتحاد الأوروبي، وأخيراً، لعب دور رجل المتعاون خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي، أو ما يمكن وصفه "الخطة الثلاثية" التي تنبني على: التنمر فالتنمر ثم التراجع إلى الخلف.

لقد قدّمت الزيارة الأوروبية ونتائجها صورة مخيفة عن نظرة ترامب للعالم، حيث تضرِب استراتيجيته بالقيم السياسيّة الغربية، التي تم تبنّيها منذ هزيمة هتلر، عرض الحائط. تقوم هذه الاستراتيجية على قطيعة مدروسة مع شبكة التحالفات التي تلت الحرب العالمية الثانية وعدم احترام للقواعد العالمية، وتعتبر عودةً إلى الحقبة التي تركّز فيها الدول الكبرى على مصالحها مع عدم وجود حلفاء لها لدعمها.  حقبة لا تُعير فيها الدول الكبرى أهمية للدول الصغيرة، في حين تطفو القوة العسكرية على المعايير الدولية. ولأن روسيا قوة عسكرية كبيرة، فقد أعاد ترامب تبنّي هذه الاستراتيجية. قد لا تكون الحرب الباردة الحدث الوحيد الذي انتهى، قد ينتهي عهد ميثاق القيم والأخلاق الدولية الذي تم تبنيه عام 1945 أيضاً.

توجّه ترامب لإجراء مباحثات هلسنكي مع بوتين دون الحديث عن مدى جاهزيته لاستئناف العمل مع موسكو قائلاً: إن هناك "الكثير من الأمور الجيدة التي يمكن الحديث عنها، مضيفاً أنه لدى الجانبين "فرص كبيرة للعمل معاً"، أو  "ستكون علاقة البلدين استثنائية" أو عبارة "يسعى العالم لرؤيتنا معاً"، هذا في الوقت الذي بدا فيه بوتين متجهّماً ولم يعلّق كثيراً على الموضوع.

بعد خمس ساعات، وبعد إجراء جولتين من هذه المباحثات أجرى القادة مقابلات صحفية، هذه المرة تحدث بوتين كثيراً، معلقا أن المباحثات كانت ناجحة ومفيدة، وانتقلت العلاقات إلى مرحلة مختلفة، كما أضاف أنه لا توجد أسباب موضوعية لعدم تمكن روسيا والولايات المتحدة من التعاون بشكل استراتيجي في القضايا العسكرية ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والبيئية. كان بوتين مبتسماً طوال الوقت، حتى إنه أعطى ترامب كرة قدم، وذلك بمناسبة انتهاء استضافة روسيا لكأس العالم.

لقد قدم الرئيس الأمريكي للزعيم الروسي هدية أكبر بكثير من كرة القدم؛ حيث استخدم ترامب الاجتماع لتسهيل عودة روسيا غير المشروطة إلى نسخته عن النظام الدولي. فإذا ما اعتبرنا أن التصريحات التي قام بها كل من ترامب وبوتين ذات مصداقية خلال المؤتمر الصحفي، الذي تلا الاجتماع، فإن لائحة القضايا التي جعلت العلاقات الروسية-الأمريكية مضطربة لفترة طويلة -والتي تضم قضية أوكرانيا، والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى الهجمات الإلكترونية وحادثة تسميم الجاسوس المزدوج في ساليسبري (التي أخذت حيزا ضيقا من حديثهما). ورغم حرصه الشديد- فقد منح ترامب بوتين تمريرة حرة.

لقد كان مرجّحا فوز بوتين في اجتماع هلسنكي، لكن الحقيقة أن ما حدث هو انتصار للكرملين، وعلى الرغم من هذا فقد أكد ترامب رغبته في طيّ صفحات الماضي وعبر عن استعداده لربط علاقات جديدة مع روسيا. ويبدو أن ترامب لم يُثر قضية الانفراد الروسي بالملف الأوكراني، لدرجة أن بوتين أشار في المؤتمر الصحفي إلى أن واشنطن لا تمارس ضغوطاً كافية على كييف للاستسلام للمطالب الروسية. ويبقى التأثير العملي للمحادثات التي جرت بين الرجلين حول كل من سوريا والشرق الأوسط غير واضح، فلم تتم الإشارة إلى موقف ترامب حيال ما يحدث هناك. كما لا يزال التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية – حيث اعتقل على إثره 12 روسياً - يشكّل عقبة محرجة للغاية. لكن ليس بسبب ترامب، الذي لا يأخذ هذه القضايا على محمِل الجد. لقد عاد بوتين إلى موسكو تحت ضغوط أقل بخصوص القضايا الشائكة مع الولايات المتحدة.

إذا كان بوتين هو الفائز الأكبر، فتيريزا ماي ممن خسروا. خلال جلسة مجلس العموم التي جرت الاثنين الماضي، تحدثت ماي عن حلف الشمال الأطلسي للنواب كما لو أن شيئًا لم يتغير، حيث قالت إنه لطالما تقاسمت بريطانيا والولايات المتحدة الأعباء نفسها، وإن المقاربات التي قدمها ترامب لكل من الناتو وبريطانيا بناءة. تحدثت ماي كما لو أن الحلف لم يتغير لكن واقع الحال يقول عكس ذلك. فإذا أرادت أن تتجنب تعرض بريطانيا وحكومتها إلى أضرار جانبية في عملية هدم النظام العالمي التي يقوم بها ترامب، فعليها أن تستيقظ من غفلتها بسرعة.