الأربعاء 2018/08/01

التلغراف: لماذا بدأ الأسد بإصدار “قوائم الموت”؟  

بقلم: خوسي إنسور

المصدر: التلغراف

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


كان 13 من تشرين الثاني/ 2012 المرة الأخيرة التي رأت فيها "هبة الدباس" شقيقها "إسلام" خلال زيارة له في سجن صيدنايا ذي السمعة السيئة بدمشق، حيث كان محتجزاً في غرفة مظلمة.

خلال زيارتها له، التي لم تتعدَّ الثلاث دقائق، توسلها للحصول على المزيد من الملابس والمواد الغذائية والتي وعدت بإحضارها معها في الزيارة القادمة، لكنها لم تسمع شيئاً عن "إسلام" مرة أخرى، أو تعلم أي شيء عن مصيره حتى هذا الشهر.

قالت الدباس "بعد خمس سنوات من الصمت قيل لنا إنه قد تكون هناك أخبار عن إسلام"، مضيفة: "بعثنا أحد أبناء عمومتنا للتحقق مع أحد الموظفين المحليين، للبحث عن اسمه في السجلات.. كُتب على أحد السجلات أنه ميت".

وأضافت "الدبّاس"، التي تقيم اليوم في مصر "كنا نتوقع موته، ولكن بطريقة ما، كنا نأمل أن يتمكن من الخروج من هناك ويكمل دراسته، إلا أنه كان قد رحل".

بدأ النظام بهدوء في تحديث سجلات الوفيات لعشرات الآلاف من المعتقلين الذين اختفوا داخل سجون نظام الأسد. إذ يعتبر هذا التحديث أول اعتراف ضمني بموت الكثيرين منهم في المعتقلات.

تتوجّه العديد من العائلات، التي طال انتظارها، اليوم إلى مكاتب السجلات المدنية في مختلف مناطق البلاد للبحث عن إجابات بخصوص ذويهم.

اعتُقل "إسلام"، المهندس المعماري ذو 22 ربيعاً، في تموز/ يونيو من عام 2011 مع شباب آخرين خرجوا للمشاركة في مظاهرات سلمية بشوارع مدينة داريا الواقعة في ضواحي العاصمة.

أطلق على "إسلام" لقب "وردة الثورة" بعد أن كان يقوم بتوزيع الورود والماء على رجال الشرطة الذين كانوا يوقفون المظاهرات.

ويُعتبر تاريخ شهادة وفاة "إسلام" في 15 كانون الثاني/ يناير من عام 2013، نفس اليوم الذي مات فيه عدد من النشطاء الآخرين الذين اعتُقلوا من داريا، ما يرجح احتمالية حدوث إعدام جماعي.

وقالت "الدبّاس" التي تبلغ من العمر 31 عاماً، والتي اعتُقل والدها أيضاً أثناء الاحتجاجات ولا يزال يقبع في السجن: "نحن على يقين من أنه أُعدم، لأن عدداً قليلاً من أصدقائه تم تسجيل وفاتهم في اليوم نفسه". مضيفة أن "عديداً ممن كانوا معه في السجن قالوا إنه أخرج من زنزانته في أحد أيام الثلاثاء، ومن الواضح أن هذا اليوم كان يوم تنفيذ الإعدامات".

معظم شهادات الوفاة التي تم إصدارها حتى الآن وعددها 400 شهادة تفيد أن الضحايا ماتوا جراء نوبات قلبية أو سكتة دماغية، لكن الأقارب يشتبهون في أنهم تعرضوا للتعذيب حتى الموت أو تم شنقهم دون محاكمة.

لم تسترجع أي من الأسر رفات أحبائها، كما لم يتم إخبارهم أين دفنت جثثهم.

وكانت "منظمة العفو الدولية" قد وصفت سجن صيدنايا المرعب بـ"المسلخ البشري"، حيث يقُتل فيه المعتقلون بأعداد كبيرة وبشكل ممنهج.

وفي تقرير لها صدر العام الماضي، قالت المنظمة إن ما لا يقل عن 13 ألف شخص، معظمهم من النشطاء الذين اعتقلوا في الأيام الأولى من الانتفاضة ضد بشار الأسد، قد أُعدموا سراً.

وقيلَ إنه في موقع مجمَع السجن، الذي يقع على التلال المطلة على دمشق، أُنشِئت محرقة للتخلص من جثث المعتقلين الكثيرة.

وتساءلت "الدبّاس" عن السبب الذي يقف وراء قرار النظام بالبدء في إصدار شهادات الوفاة الآن بعد مرور عدة سنوات من وفاة المعتقلين.

يعتقد الخبراء أن القرار سببه الثقة المتزايدة لدى النظام، خصوصاً بعد أن تمكن في الأشهر الأخيرة الماضية من استعادة مساحات شاسعة من الأراضي الاستراتيجية التي تحيط بالعاصمة والمناطق الواقعة في الجنوب.

تعد قضية السجناء السياسيين واحدة من المواضيع الشائكة وأكثرها حساسية، وكانت نقطة خلاف رئيسية في "محادثات السلام"،  سواء في تلك التي كانت ترعاها الأمم المتحدة في جنيف أو تلك التي لعبت فيها كل من روسيا وإيران وتركيا دور الوسيط في أستانا.

جعلت المعارضة السياسية ملف المعتقلين السياسيين أحد المطالب الأساسية لها، لكن النظام رفض ذلك مراراً وتكراراً.

وقال كريستيان بنديكت، مدير الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، لصحيفة "تليغراف": "هناك الكثير من التكهنات بأن النظام وحليفته روسيا يتطلعان إلى شطب قضية المعتقلين وإخراج هذا الملف من "الأجندة السياسية"، سواء في أستانا أو جنيف".

وأضاف قائلاً "هم لا يحبذون التطرق إلى هذا الملف، وهم بالتأكيد يرفضون المطالبة بالسماح لمفتّشي السجون المستقلين بالوصول إلى مرافق الاحتجاز، الشيء الذي من شأنه أن يفتح الطريق أمام وابل من المتاعب بالنسبة للنظام في ظل الظروف الرهيبة التي يوضع فيها المعتقلون".

وكما قالت "الدبّاس": "يعتبر ملف المعتقلين أكبر المشاكل العالقة بين النظام والمعارضة. فمن خلال الكشف عن مصائر المعتقلين الآن، أجهض النظام الثورة وفتح الباب أمام التسوية السياسية".

حسن حسن، عضو بارز في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، أكد أن ما يقوم به النظام اليوم هو خطوة مدروسة وليست صحوة ضمير مفاجئة.

وقال: "هذا منطقي في هذه الأيام بعد أن أصبح الجنوب في قبضة النظام.. لقد كان النظام يستعد لفترة ما بعد الحرب من خلال الحصول على شرعية جديدة، وقد يكون هذا الإجراء جزءًا من هذه الشرعية".

وأضاف قائلاً من المرجّح أن تكون روسيا هي من دفع بالنظام إلى إغلاق ملف المعتقلين من أجل بدء عملية " المصالحة" مع عائلات الضحايا، حيث تتطلع موسكو التي أنهكتها الحرب إلى بدء هذه العملية.

روسيا، التي تدخّلت في الصراع لصالح الأسد في أواخر عام 2015، قدّمت نفسها كوسيط قوي بالمنطقة في الوقت الذي زادت فيه رغبة إدارة دونالد ترامب بالانسحاب عسكريا من هناك.

استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة هلسنكي مع ترامب كفرصة للدفع نحو رؤيته بـ "عودة الحياة" إلى سوريا.  وعبّر عن رغبته للعمل مع الرئيس ترامب و "التغلب على الأزمة الإنسانية ومساعدة اللاجئين السوريين على العودة إلى ديارهم". ويشمل ذلك عودة ستة ملايين من اللاجئين الموجودين في كل من لبنان والأردن وتركيا.

وأعرب الروس الأسبوع الماضي عن عزمهم إرسال "مجموعات عمل" إلى الدول الثلاث لقيادة جهود العودة إلى سوريا، وأنهم قد أجرَوا محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لاقتراح تشكيل مجموعات مماثلة في ألمانيا التي تعجّ باللاجئين.

وقد أثارت هذه الدعوة انتقاد الكثيرين واتّهموا موسكو، التي أسفرت حملتها الجوية عن مقتل آلاف المدنيين ونزوح مئات الآلاف، بلعب دور المصلح بعد أن شاركت في تدمير البلاد.

لقد ربطت روسيا بين استقرار سوريا وإعادة إعمارها، وهي حريصة على البدء في إعادة بناء البنية التحتية للبلاد، حيث ستبدأ في جني ثمار مشاركتها المكلفة.

إذ سيشكل كل مستشفى مدمر وطريق وجسر ومحطة للطاقة فرصة لتحقيق ربح مادي بالنسبة لروسيا.

هناك مؤشّرات تدل على أن موسكو قد تحصل على دعم أوروبا، والتي كانت تصر على تنحي الأسد أولاً قبل أن ترسل أي أموال إلى البلاد.

سلّمت القوات الروسية هذا الأسبوع مساعدات طبية قادمة من فرنسا إلى ضواحي الغوطة الشرقية في دمشق، التي سقطت في يد النظام بعد معركة دموية في مايو/ أيار الماضي. كان وصول هذه المساعدات التعاون الأول من نوعه بين أوروبا وروسيا.

تدور اليوم في إدلب، التي تعتبر آخر معاقل الثوار المتبقين، أكبر معركة وأخطر معركة خلال الحرب التي دامت سبع سنوات. يوجد نحو 2.7 مليون مدني، محاصرين من قبل قوات النظام الموجودة في الجنوب والغرب والشرق، والحدود التركية المغلقة في الشمال. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، يمكن أن يبدأ الهجوم في غضون أشهر. وحذرت وكالات الإغاثة من أن القتال سيؤدي إلى كارثة إنسانية ويدفع بالمزيد من المدنيين إلى النزوح.

قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش" في تغريدة على حسابه على تويتر "إذا كانت روسيا تريد المساعدة في إعادة اللاجئين إلى سوريا، فيمكن أن تبدأ بوقف استهداف المدنيين في إدلب، والسماح للمحكمة الجنائية الدولية بمقاضاة مجرمي الحرب، وإطلاق سراح عدد لا يحصى من المعتقلين المهددين بالتعذيب والإعدام في سجون الأسد".