الخميس 2017/12/14

التغلغل الروسي بالشرق الأوسط ..طموح مرتفع وواقع متحول

العنوان الأصلي : روسيا موجودة في كل مكان بالشرق الأوسط

المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن تزايد أهمية روسيا في الشرق الأوسط أصبح مكشوفا تماما في 11 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي على إثر الزيارات الثلاث التي أجراها فلاديمير بوتين لثلاث دول هناك في يوم واحد. فقد قام الرئيس الروسي بزيارة مفاجئة لسوريا وتوقف قصيرا في مصر قبل أن ينهي جدول زياراته هذا في تركيا. وكان قد التقى بنظرائه في الدول الثلاث، فقد سلطت الصفقات الاقتصادية والاتفاقيات العسكرية وكذا التسويات السياسية الضوء على دور روسيا في المنطقة. في الوقت الذي تملك فيه روسيا أسبابها الخاصة لتعزيز علاقاتها مع سوريا ومصر وتركيا، فهي تستفيد من كونها بارزة في الوقت الذي تبقى منافستها الإقليمية الولايات المتحدة، في الظلال.

تختلف الدبلوماسية الروسية كثيراً من بلد لآخر بشكل كبير. فالعلاقة الموسمية التي تجمعها مع القوى الاستراتيجية هناك كإيران تعود لعدة قرون، في حين أن سعيها لإقامة علاقة قوية مع السعودية آخذة في التطور على سبيل المثال. وقد أدت علاقة روسيا مع تركيا إلى عدة احتكاكات كما إنها أثمرت على مدى عقود اعتمادا على تأرجح ميزان القوى. لكن ما يثير الدهشة فيما يخص الدبلوماسية الروسية على مدى السنتين الأخيرتين هو كيف غطى الحضور الديبلوماسي لموسكو المنطقة؟.  فأنشطتها في مناطق كالأراضي الفلسطينية وليبيا وإسرائيل ولبنان وقطر والإمارات والسعودية يعيد إلى الأذهان الحضور الواسع الذي كان يتمتع به الاتحاد السوفياتي في جميع أنحاء المنطقة.

يبدو أن التناقض الحاصل مع الولايات المتحدة يدفعها للتخلي عن التزاماتها الإقليمية والتركيز على قضايا أخرى، كالتوجه صوب آسيا بعد طول انتظار عوض الاهتمام بجملة الحرائق التي تستعر في الشرق الأوسط، وهو أمر ملحوظ، وتزايدت حدته مع وجود روسيا في كل مكان بآن واحد.

تتعارض أهداف روسيا مع أهداف الولايات المتحدة في الدول الثلاث التي قام بوتين بزيارتها، كما إن العلاقة التي تربط روسيا بهذه الدول أكثر براغماتية من تلك التي تجمعها بواشنطن وموجّهة بشكل كبير نحو نقاط محددة.

في سوريا، تلعب الولايات المتحدة دورا كبيرا في محاربة الإرهاب لكنه تراجع بشكل شبه كلي عن الصراع الأهلي، الشيء الذي قلل من تأثيرها لجلب حلول سياسية تتماشى مع مصالحها. في هذه الأثناء، ستقوم روسيا بإحضار كل من تركيا وإيران والنظام إلى طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية سياسية.

أما تركيا، فالعلاقات الدافئة التي تجمعها بروسيا تتناقض تماما مع حالة الجمود التي تعصف حاليا بعلاقاتها مع الولايات المتحدة (على الرغم من أن العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة وتركيا في حالة مد وجزر).

وفي الوقت الذي خيبت الولايات المتحدة وروسيا آمال تركيا جراء السياسات السورية التي تتبعها كلاهما، جعلت روسيا من نفسها عنصرا لا غنى عنه لتحقيق ما تسعى إليه أنقرة: الوصول إلى حل سياسي يحرم الأكراد السوريين من إنشاء دولة فيدرالية. وبحكم طبيعة العلاقة الحميمة التي تربط موسكو مع دمشق والتي تتضح بشكل جلي في اللقاءات التي تجمع الرئيس بوتين مع بشار الأسد والتي جرت في الشهور الأخيرة، لكن هناك احتمالا يفضي بأن تعطي روسيا تركيا حاجتها من الصراع السوري.

إن أهمية العلاقة التي تربط روسيا بتركيا تتعدى العلاقة التي تربط هذه الأخيرة بالولايات المتحدة، لكن روسيا تستمتع بتعزيز صورتها كوسيطة ومحاورة وصديقة، في الوقت الذي تتكبد فيه الولايات المتحدة العناء للقيام بالأمر نفسه. فقد عانت الولايات المتحدة في الضغط على تركيا وغيرها من القوى الشرق أوسطية الأخرى من أجل تحسين مجال حقوق الإنسان والاعتماد عليهم لتحمل أعباء سياستها الإقليمية. تقود دول الاتحاد الأوروبي صفقة مساومة أكثر صرامة بشأن حقوق الإنسان مع حلفائها في الشرق الأوسط، بينما تتجاهل روسيا هذه المسألة، من أجل تخفيف العبء عن شركائها الإقليميين.

استخدمت روسيا استراتيجية التدخل في سوريا من أجل تعميق علاقاتها عبر المنطقة، فمصر، التي دأبت منذ القدم على نمط اللعب على حبلي روسيا والولايات المتحدة من أجل أمنها الخارجي والاتفاقيات الاقتصادية ها هي اليوم تنجذب مرة إلى روسيا. وها هي خطة بناء محطة طاقة نووية روسية في مصر قيد التنفيذ، كما أعلن بوتين في القاهرة في 11 كانون الأول/ ديسمبر الحالي جاهزية روسيا ببدء الرحلات المدنية إلى مصر بعد مضي سنتين على وقفها. فإذا ما تم التوصل إلى اتفاق يقضي بالسماح لروسيا باستخدام القواعد العسكرية المصرية، سيعزز هذا من مكانة مصر في روسيا ودورها في تعزيز الوجود العسكري الروسي في المنطقة.

فازدياد الوجود والقوة الدبلوماسية الروسية لا يعني بطبيعة الحال أن روسيا قادرة على تحقيق ما تسعى إليه في الشرق الاوسط. فموسكو لا تملك تاريخا طويلا لاستعمالها القوة الناعمة لتحقيق غاياتها في المنطقة، وعلى الرغم من موقع روسيا القوي في سوريا، لايزال الوجود العسكري والدبلوماسي الأمريكي عبر الشرق الأوسط يقزم هذا الموقع. فتوقيت زيارة بوتين مرتبط بسياسات داخلية روسية وبالانتخابات الرئاسية التي ستجرى في آذار/ مارس القادم 2018.

استغل بوتين النجاحات التي حققها في سوريا ليتحكّم بدور موسكو العالمي بينما تستمر المواجهة مع الولايات المتحدة، وكذلك لتعزيز صورة روسيا على إثر فضيحة المنشطات التي حدثت في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. ستعرف روسيا حدودها في الوقت الذي تسعى فيه لتعميق وجودها في الشرق الأوسط.

الغالب أن محادثات السلام السورية ستؤجل. وفي إيران ومصرو تركيا سترجح الكفة حتما نحو وضع أقل ودية بالنسبة لموسكو. غير أن موسكو تقوم بربط علاقات اقتصادية أعمق للتقليل من هذا القصور.

بالنسبة لدول الشرق الأوسط، تطمح روسيا إلى تصوير نفسها كوسيط متطوع- وقوة عظمى لا تتدخل في الشؤون المحلية لكن بإمكانها تقديم العون الدبلوماسي والاقتصادي والأمني. وبهذه الطريقة، تستفيد روسيا من الفراغ التي خلفته استراتيجية الولايات المتحدة التي تصب بلا شك في مصلحة السعودية وإسرائيل.