الأربعاء 2018/02/28

إيران ومخططاتها بعيدة الأمد في دير الزور (ترجمة)

تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في محافظة دير الزور من خلال الدخول في اشتباكات مباشرة مع تنظيم الدولة وذلك عبر طريقتين:

أولا، عن طريق إنشاء قوة عسكرية في مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، وهي الرابط المفقود من الممر البري الإيراني والذي يربط لبنان بالمتوسط مرورا بسوريا والعراق.

ثانيا، من خلال استغلال الساكنة الشيعية في قرى مثل حطلة ومراط شرقي نهر الفرات، من أجل تعزيز نفوذها وتثبيت الوجود الشيعي شرقي سوريا.

البوكمال: القطعة المفقودة:

بعد أشهر من الاشتباكات العنيفة، استطاعت المليشيات الإيرانية وحزب الله بالإضافة إلى قوات النظام السيطرة على مدينة البوكمال شرقي مدينة دير الزور.

جاءت سيطرة المليشيات الإيرانية على المدينة بعد شهر من الاشتباكات مع تنظيم الدولة فيها وبالمناطق المجاورة، مع تقدم هذه القوات من نقطتين رئيسيتين: من خلال شن حزب الله وقوات النظام هجمات من محطة الضخ الموجودة في الصحراء جنوبي المدينة، وثانيا من داخل الأراضي العراقية المقابلة للمدينة، حيث شن الحرس الثوري هجمات بدعم من المليشيات العراقية التي تدعمها إيران.

قاد هذه الهجمات غرفة العمليات المشتركة التابعة لإيران بقيادة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، بالتعاون مع مجموعة من ضباط من الحرس الثوري الإيراني.

وكان ثمن هذه المعارك باهظا؛ فقدت إيران والمليشيات التي تدعمها أكثر من 200 مقاتل وعشرات الجرحى. كان من بين القتلى قائدان في الحرس الثوري الإيراني وهما: خير الله صمدي، مستشار قاسم سليماني، والعديد من قادة حزب الله الميدانيين، وغيرهم من المليشيات العراقية، فضلا عن 150 جنديا من قوات النظام. والواقع أن عدد القتلى الإيرانيين يعكس الأهمية التي توليها هذه القوات للمدينة.

لم يقتصر الدعم الإيراني في المعركة على القوات البرية، فقد سخرت العديد من الأسلحة والعتاد خلال تسابقها مع الأمريكيين، في حين حاولت الولايات المتحدة تحفيز المليشيات الكردية للوصول إلى المدينة أولا.

وعلى الرغم من ذلك فقد فشلت محاولات المليشيات الكردية والولايات المتحدة، وذلك راجع للعديد من الأسباب، كان أهمها التردد الأمريكي في اتخاذ خطوة حازمة. يبدو أن هذا التردد نابع من الخوف من رد روسي يضع حدا لاتفاق تقاسم السلطة في محافظة دير الزور، والذي يقضي بتخصيص مناطق جنوب نهر الفرات للنظام وحلفائه، وروسيا وإيران، في حين تخصص مناطق شمالي نهر الفرات للمليشيات الكردية وحلفائهم الأمريكيين.

وعلى نحو مماثل، فقد تأخرت المليشيات الكردية في الوصول إلى المدينة، جراء مقاومة تنظيم الدولة في قريتي خشام وجديد عكيدات في شرق دير الزور، وقوات النظام التي تعبر شمال الفرات للسيطرة على حطلة ومراط.

في المقابل، تقدمت القوات الإيرانية والقوات الموالية للنظام بسرعة، من منطقة إلى أخرى، تاركة مناطق واسعة بريف دير الزور الشرقي في يد تنظيم الدولة من أجل الوصول إلى ضواحي المدينة في الوقت المناسب. كما استفادت قوات النظام من وجود حلفاء في شرق العراق، ما ساعد على حسم المعركة لصالحهم.

إن انتصار إيران في البوكمال مكنها من تحقيق حلم كان تسعى لتحقيقه منذ 1979: فتح ممر بري إلى البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان وسوريا والعراق، الأمر الذي شكل أكبر المخاوف العربية والإقليمية.

تسعى إيران اليوم إلى طرد تنظيم الدولة من المناطق المتبقية والتي تخضع لسيطرتها في البادية السورية جنوبي محافظة دير الزور وريف حمص الشمالي والشرقي لتأمين طريقها تماما إلى البحر.

موطئ قدم للشيعة:

لا تسعى إيران إلى فتح ممر بري عبر مدينة البوكمال فقط، بل تسعى أيضا إلى خلق جيوب نفوذ في دير الزور، ببلدتي حطلة ومراط على غرار كفريا والفوعة في إدلب، ونبل والزهراء في حلب.

تخضع قريتا حطلة ومراط لسيطرة وإدارة العناصر الإيرانية وقيادة عسكرية محلية بقيادة شخصيات دينية شيعية لها علاقات مباشرة مع إيران. وتهدف سياسة التغيير الديموغرافي التي تنهجها إيران إلى إعادة إعمار هذه المناطق بأفراد من الطائفة الشيعية ومنع السكان السنة من العودة إلى ديارهم.

إن العداوة التي يُكنّها السكان الشيعة نحو الفئات الأخرى التي تعيش في المنطقة عامل مهم آخر يساعد في تعزيز النفوذ الإيراني.

لا تعمل إيران ومليشياتها على تغيير البنية الديموغرافية لقريتي حطلة ومراط فقط، بل تقوم بتنظيم حملات دينية في مناطق غرب نهر الفرات بدير الزور، من أجل محاولة تغيير أهل تلك المناطق إلى المذهب الشيعي والانضمام إلى المليشيات التي تنتشر في المحافظة.

تسعى هذه الحملات الدعوية التي تقوم بها إيران، إلى استغلال الحالة الاقتصادية للمدنيين الذين أنهكتهم سنوات الحرب، من خلال تقديم دعم شهري لكل أسرة من الأسر الشيعية، وتقديم مساعدات غذائية عينية.

حاولت المليشيات الإيرانية أيضا استخدام تكتيكات تخويف لإجبار المدنيين على الانضمام إلى صفوفها إذا ما كانوا يريدون البقاء على قيد الحياة وتجنب الاعتقال. كما تقوم هذه المليشيات بالتمييز بين المدنيين من غير الشيعة في المناطق التي يسيطر عليها النظام بدير الزور.

تشير كل هذه التحركات إلى أن إيران تسعى إلى حماية مصالحها في دير الزور على المدى الطويل. تستفيد إيران من الموقع الاستراتيجي للمنطقة ومواردها والطائفة الشيعية لزيادة لتثبيت وجودها شمال شرق سوريا والحفاظ على الحدود السورية العراقية السهلة الاختراق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر: تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية)

بقلم: محمد حسن

ترجمة: مركز الجسر للدراسات