الأربعاء 2018/06/20

أسوشييتد برس تكشف “انتهاكات صادمة” في السجون الإماراتية السرية باليمن


العنوان الأصلي : تعرض معتقلين يمنيين لانتهاكات جنسية على يد إماراتيين 

بقلم: ماغي مايكل

المصدر: أسوشيتد برس

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


حرص 15 ضابطاً ممن وصلوا إلى سجن جنوب اليمن على تغطية وجوههم، لكن لهجتهم دلت على أنهم من دولة الإمارات. أمر هؤلاء الضباطُ المعتقلين بأن يصطفّوا ويخلعوا ملابسهم وينبطحوا أرضاً. ثم قام الضباط بتفتيش المناطق الحسّاسة لكل سجين، زاعمين أنهم كانوا يبحثون عن الهواتف الخلوية الممنوعة.

صرخ الرجال وبكوا، في حين هُدّد الذين قاوموا باستخدام الكلاب وضربهم حتى حدوث نزيف.

تعرض المئات من المعتقلين للاعتداء الجنسي في الوقت نفسه وتحديدا في 10 مارس/ آذار الماضي في سجن "بئر أحمد" بمدينة عدن الجنوبية، وفقا لما جاء على لسان سبعة معتقلين أجرت وكالة أسوشييتد برس مقابلات معهم.  تُعدّ شهادات هؤلاء المعتقلين نافذة على عالم من الاعتداءات الجماعية والإفلات من العقاب في السجون التي تسيطر عليها الإمارات باليمن.

تُعدّ الإمارات، التي تم الكشف عن سجونها السرّية والتعذيب الممنهج الذي تقوم به على نطاق واسع من خلال التحقيق الذي أجرته وكالة أسوشييتد برس في حزيران/ يونيو الماضي، حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، فقد رصدت وكالة أسوشييتد برس ما لا يقل عن خمسة سجون تَستخدم فيها قوات الأمن التعذيب الجنسي لقمع وإرهاب السجناء.

وكانت وكالة أسوشييتد برس قد وجهت سؤالاً للبنتاغون بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها دولة الإمارات قبل عام. لكن على الرغم من التقارير الموثقة عن التعذيب التي أصدرتها الوكالة وجماعات حقوق الإنسان وحتى الأمم المتحدة، فقد رد الرائد أدريان رانكين غالاوي، المتحدث باسم البنتاغون، أن "الولايات المتحدة لا تملك أية أدلة على إساءة معاملة المعتقلين في اليمن".

مضيفا.. "إن القوات الأمريكية مطالبة بالإبلاغ عن إساءة معاملة المعتقلين.. وحتى الساعة لم تصلنا أي بلاغات".

اعترف المسؤولون الأمريكيون بأن القوات الأمريكية تتلقى معلومات استخباراتية من شركائها الإماراتيين، وأنها شاركت في الاستجوابات باليمن. لكن "رانكين غالاوي" قال إنه لا يستطيع التعليق على تبادل المعلومات الاستخبارية مع الشركاء.

معلقا أنه "على موظفي وزارة الدفاع الالتزام بأعلى معايير السلوك الشخصي والمهني"، في حين لم يقم أي مسؤول إماراتي بالرد على تساؤلاتنا.

سيطرت القوات الإماراتية، التي تزعم أنها تقاتل نيابة عن الحكومة اليمنية، على مساحات واسعة من الأراضي والبلدات والمدن في الجنوب خلال حرب اليمن الأهلية التي دامت ثلاث سنوات. احتجزت الإمارات مئات الرجال في شبكة تضم ما لا يقل عن 18 سجناً سرياً لاشتباهها في أنهم من مقاتلي القاعدة أو تنظيم الدولة، حيث يتم احتجازهم دون توجيه اتهامات أو إخضاعهم للمحاكمة.

وقال شهود عيان إن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي حيث كانوا يقومون باغتصاب المعتقلين بينما يصور حراس آخرون هذه الاعتداءات، وقاموا أيضا بصعق الأعضاء التناسلية للسجناء أو تعليق صخور عليها. في حين اغتُصب آخرون باستخدام أعمدة من الخشب والفولاذ.

"يقول أحد المعتقلين "يقومون بتجريدنا من الملابس ثم يقومون بربط أيدينا بقطب فولاذي من اليمين واليسار بحيث تنبطح أمامهم ثم يقومون باغتصابك".

قام المحتجزون بتهريب رسائل ورسومات من داخل سجن عدن، إلى وكالة أسوشييتد برس حول الإساءة الجنسية التي يتعرضون لها.

وكان قد أخبر "المعتقل الرسام" وكالة أسوشييتد برس، شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على حياته، أنه اعتقل العام الماضي وقضى فترة احتجازه في ثلاثة سجون مختلفة. "لقد عذبوني دون أن يتهموني بأي شيء. كنت أتمنى في بعض الأحيان، أن يلصقوا إحدى التهم به وأعترف بارتكابها كي ينتهي هذا العذاب"، مضيفاً.. "أسوأ ما في الأمر هو أنني أتمنى الموت كل يوم".

وتُظهر الرسوم رجلاً عارياً معلّقاً بالسلاسل أثناء تعرُّضه للصعق بالكهرباء، ونزيل آخر على الأرض محاط بكلاب بينما يركله عدة أشخاص، ورسومات لحلات اغتصاب.

كتب على إحدى الرسوم التوضيحية "عراة بعد الضرب" في حين يظهر رسم آخر رجلا في وضعية مهينة، كتب على الرسم "كهذا يتم تفتيش السجناء".

وفقا لثلاثة مسؤولين أمنيين وعسكريين يمنيين، تحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس شريطة عدم الكشف عن هوياتهم خوفاً على حياتهم، فإنه يتم استخدام التعذيب الجنسي في أربعة سجون من ضمن خمسة رصدتها الوكالة.

يوجد أحد هذه السجون في قاعدة بوريقة – وهو مقر للقوات الإماراتية - . والثاني في منزل "شلال شايع"، رئيس أمن عدن المتحالف بشكل وثيق مع الإمارات، والثالث في ملهى ليلي تحول إلى سجن يدعى "وضاح"، في حين أن السجن الرابع هو سجن "بئر أحمد"، حيث وقعت فظائع في آذار/مارس الماضي.

وفقاً لما جاء على لسان سجينين ومسؤولين أمنيين، فقد شوهدت عناصر أمريكية في قاعدة البوريقة، إلى جانب مرتزقة كولومبيين، لم يستطع المعتقلون التأكد إذا ما كان ما إذا كان هؤلاء الجنود الأمريكيون تابعين للحكومة الأمريكية أو مرتزقة.

بدأت حرب اليمن في عام 2015، بعد أن استولى الحوثيون الذين تدعمهم إيران على مساحات شاسعة من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وأجبروا حكومة عبد ربه منصور هادي على الخروج من هناك. يسعى التحالف الذي تقوده السعودية وتسانده الولايات المتحدة إلى القضاء على الحوثيين من خلال شن حملة جوية لا هوادة فيها دعماً لحكومة هادي. في الوقت الذي تسيطر فيه الإمارات على جنوب اليمن.

لقد كان إضراب السجناء عن الطعام سبباً وراء سلسلة من الانتهاكات التي تعرّض لها السجناء في آذار/ مارس الماضي. في حين صدر أمر بإطلاق سراح ما لا يقل عن 70 معتقلاً في وقت سابق من هذا العام، من قِبل المدَّعين العامّين لكن معظمهم لا يزال رهن الاحتجاز. وكانت الحكومة اليمنية قد صرّحت بأن السجون التي تديرها الإمارات لا تخضع لسلطتها، في حين أمر هادي بإجراء تحقيق حول ملف التعذيب.

بدأت الحادثة في شهر آذار/مارس الماضي عندما فتح الجنود زنزانات في الساعة الثامنة صباحا، وأمروا جميع المعتقلين بالخروج إلى ساحة السجن، ثم اصطفوا بها وأجبروهم على الوقوف تحت الشمس حتى الظهر. عندما وصلت القوة الإماراتية، كان المعتقلون معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي واقتيدوا في مجموعات أو بشكل فردي إلى غرفة حيث كان الإماراتيون. طلب منهم الإماراتيون خلع ملابسهم والاستلقاء. ثم قاموا بترك أرجلهم مفتوحة ولمس أعضائهم التناسلية.

سُمع أحد السجناء يبكي قائلاً "أنت تقتل كرامتي"، وصاح ثان "هل أتيتم لتحريرنا أو نزع ملابسنا؟"، فرد ضباط الأمن الإماراتي: "هذه هي وظيفتنا".

قال أحد السجناء إنه عندما أجبرهم الإماراتيون على الوقوف عراة "كل ما يمكنني أن أفكر به هو أبو غريب" - في إشارة إلى السجن خارج بغداد حيث ارتكب الجنود الأمريكيون انتهاكات ضد المعتقلين خلال حرب العراق.

 

وقال شاهد آخر لأسوشييتد برس: "كانوا يبحثون عن هواتف محمولة داخل أجسادنا

". “هل تصدق هذا! كيف يمكن لأي شخص إخفاء هاتف هناك؟".

في نفس المدينة، في السجن الذي تديره الإمارات داخل قاعدة البريقة العسكرية، قال سجينان: إنهما يعتقدان أن الموظفين الأمريكيين في الزي العسكري على علم بما يجري من تعذيب – حيث يمكنهم سماع الصراخ أو رأوا علامات تعذيب. قال السجناء إنهم لم يروا أمريكيين متورطين مباشرة في الإساءات.

وقال مسؤول أمني كبير، اشترط عدم الكشف عن هويته، في سجن ريان بمدينة المكلا "الأمريكيون يستخدمون الإماراتيين كقفازات للقيام بعملهم القذر".

وقال مسؤولان أمنيان آخران، مقرّبان من الإماراتيين، إن المرتزقة بمن فيهم الأمريكيون موجودون في جميع المعسكرات والمواقع العسكرية الإماراتية، بما في ذلك السجون، إذ تتجلى مهمتهم الرئيسية في الحراسة.

قال أب لأربعة إن الصراخ من الضرب في بعض الأحيان شديد لدرجة أنه يشعر بأن زنزانته تهتز. مضيفاً أن "ما يحدث هناك يفوق الخيال"..

قال مسؤول أمني سابق، قام بتعذيب المعتقلين لانتزاع اعترافات لأسوشييتد برس إنه يتم استخدام الاغتصاب كوسيلة لإجبار المعتقلين على التعاون مع الإماراتيين في التجسس.

مضيفاً أنه "في بعض الحالات، يقومون باغتصاب المعتقل، وتصويره أثناء اغتصابه، واستخدامه كوسيلة لإجباره على العمل من أجلهم".

واستناداً إلى التحقيق الذي أجرته وكالة أسوشييتد برس العام الماضي، فقد صوّت مجلس النواب في 24 أيار / مايو الماضي على طلب يلزم وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس تقرير ما إذا كان أفراد الجيش أو المخابرات الأمريكية قد انتهكوا القانون خلال استجواب المعتقلين في اليمن. اعتمد مجلس النواب هذا الإجراء كجزء من مشروع قانون تفويض الدفاع لعام 2019. رعى التعديل النائب رو خانا، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، إذ يُلزم هذا مطالبة وزارة الدفاع بتقديم تقرير خلال 120 يوماً إلى الكونغرس.

يقول "خانا" بهذا الصدد، " نأمل الحصول على جواب شاف، لأنها ليست الطريقة الأمريكية للقيام بالأمور".

توفر الولايات المتحدة أسلحة بمليارات الدولارات بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحالف الذي تقوده السعودية. كما كثفت الولايات المتحدة حملتها للطائرات بدون طيار ضد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في اليمن. قال البنتاغون إن القوات الأمريكية تساعد القوات الإماراتية واليمنية في القضاء على مقاتلي القاعدة من المدن اليمنية الجنوبية.

لقد خلّفت الحرب أكثر من عشرة آلاف قتيل ونزوح الملايين ودفعت بالبلد إلى حافة المجاعة.

لكن بدلاً من استعادة سلطة هادي في المناطق الجنوبية اليمنية المحررة من الحوثيين، تقوم السعودية باحتجازه في الرياض لأكثر من عام. ولم يُسمح له بالعودة إلى اليمن إلا يوم الخميس مع بداية هجوم قادته الإمارات للسيطرة على مدينة الحديدة، والتي تعتبر نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية.

لقد دفعت سيطرة دولة الإمارات على جنوب اليمن، والسجون، بالعديد من اليمنيين إلى الشعور بالقلق إزاء المدنيين الأبرياء الذين يتم دفعهم إلى أحضان المتطرّفين الذين تزعم القوات الإماراتية أنها تحاربهم.

وقال قائد يمني موجود حالياً في الرياض، شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته: "في السجون يرتكبون أكثر الجرائم وحشية" مضيفاً أن "الانضمام إلى تنظيم الدولة والقاعدة أصبح وسيلة للانتقام من جميع الانتهاكات الجنسية التي تحدث، فهم يصنعون تنظيم الدولة في السجون".

وقال رجل في منتصف العمر إنه في السجن منذ عام 2016، وتم نقله عبر شبكة السجون السرية عدة مرات. وقال إنه تم استجوابه 21 مرة، تعرض خلالها للتعذيب بالكهرباء والضرب وهجوم الكلاب بينما كان معصوب العينين ومقيداً بالسلاسل.

مضيفاً .. "تتعدد أساليب التعذيب فهم يقومون بضربك باستعمال الأسلاك الكهربائية أو الحديدية، أو الصعق بالكهرباء أو خلع ملابسك باستثناء الملابس الداخلية، ويضربون بأحذيتهم على أجسادنا ووجوهنا. وقد يقوم الجنود بعد ذلك بحملك ورميك على الأرض".

وكانت وكالة أسوشييتد برس قد رصدت في السابق 18 موقعا للاحتجاز، في حين ذكرت مصادر أن هناك 21 موقعاً للاحتجاز، بما في ذلك 13 سجناً و8 معسكرات عسكرية.

في حين قدّم سجين آخر إلى وكالة أسوشييتد برس أسماء قال عنها إنها الأسماء الحقيقية لخمسة جلادين إماراتيين. في حين لم يعلق مسؤولو الإمارات على هذه التصريحات.

ومن بين أكثر الجلادين وحشية في اليمن، سجين سابق يدعى "عواد الوحش"، الذي تم اعتقاله وتعذيبه قبل أن يوافق على العمل مع الإماراتيين، حسبما قال أربعة شهود لوكالة أسوشييتد برس.  في حين أطلق السجناء أسماء على الجلادين الآخرين وهم ضباط إماراتيون معروفون بأبو عدي، وأبو إسماعيل، وهتلر.

حاول السجناء الذين تعرّضوا لاعتداءات جنسية في آذار / مارس الماضي الوقوف في وجه هذه الاعتداءات حيث قاموا بالدخول في إضرابات عن الطعام احتجاجا على معاملتهم، وقاموا بشن هذه الحملة برفقة عائلاتهم، ما دفع بمنظمات حقوق الإنسان لضمان إطلاق سراحهم.