الأربعاء 2018/10/03

هل سيفشل دي ميستورا في إعلان “اللجنة الدستورية”؟

شاركت روسيا في مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية بقوّة، بعد أن تخلّصت بالاتفاق مع السعودية من هيئة التفاوض العليا التي خاضت جولات جنيف من الثالثة حتى السابعة طيلة عامي 2016، 2017، وكانت واثقة من أن المؤتمر سيتمخّض عن هيئة تفاوض جديدة تساير "الحقائق" التي نشأت على الأرض بعد "الانتصارات الساحقة" التي حقّقها الجيش الروسي والمليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية وفرق المرتزقة الأخرى التي استقدمها النظام لوقف تقهقره وهزائمه في مساحات واسعة من البلاد. كما تساير "الواقعية السياسية" فبحسب قول المبعوث الروسي لافرينتيف "تتزايد الآن أكثر فأكثر، الدول التي كانت تتخذ موقفاً رافضاً للحكومة الحالية في دمشق، وتعيد النظر في موقفها، مثل المملكة العربية السعودية".

المفاجأة كانت في البيان الختامي للرياض 2 الذي شدّد على "المحافظة على سقف مواقف قوى الثورة والمعارضة التفاوضية" و "عدم التفريط بها"، و"إقامة هيئة حكم انتقالية" تعمل على تهيئة "بيئة آمنة ومحايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية" وأكد البيان الختامي "أنّ ذلك لن يحدث دون مغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد عند بدء المرحلة الانتقالية".

بعد الرياض 2 مباشرة أبدى الروس امتعاضهم الشديد من تشكيلة هيئة التفاوض الجديدة، ومن البيان الختامي للمؤتمر، تحدّث لافرينتيف عن محاولة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر الرياض 2 "وبصدق إقناع المعارضة عدم إدراج فقرات مسيئة للحكومة الحالية، أو الحديث عن ضرورة رحيل الأسد"-كما قال-، لكنه فشل في ذلك.

وزير الخارجية الروسي لافروف عبّر بدوره عن استيائه مما حدث في الرياض 2 الذي وصفه بمحاولة من السعودية لتوحيد المعارضة، وأن روسيا عملت بأقصى وسعها لمساعدتها. "ولكن أدّت العملية في جنيف إلى طريق مسدود مرة أخرى". كان الاتفاق "أن يصل الوفد إلى جنيف دون أية شروط مسبقة لإجراء محادثات مباشرة مع "الحكومة السورية". لكن كما قال لافروف: "لقد خدع زعماء المعارضة هؤلاء السيد ستافان دي ميستورا، وللأسف، أيضاً خدعوا شركاءنا السعوديين. تمّ إزالة العديد من الراديكاليين عندما تمّ تشكيل الوفد، ولكن يبدو أنه ينبغي تنقيح شكل الوفد للتخلص من الراديكاليين المتبقين، وآمل أنه سوف تتخذ الجهود الآن لتغيير هذا الوضع".

إذن قرّر الروس التخلّص من هيئة التفاوض الجديدة فور تشكيلها، وبدأوا بالتجهيز لمؤتمر سوتشي، ووجّهوا الدعوات لأكثر من 1500 شخصية من النظام، ومن المعارضة المصنّعة في غالبها من النظام، حيث تم استبعاد كل من يريد " استخدام منصة سوتشي من أجل الصراخ بعدم القبول ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة" بحسب لافرينتيف، فيما صرّح لافروف بوجوب "تأديب المعارضة التي ما زالت تطالب برحيل الأسد"، وكانت النتيجة الإعلان عن تشكيل لجنة دستورية، "يجب أن يوافق الرئيس الحالي للنظام بشار الأسد عليها"، وأن تعمل على "صياغة إصلاح دستوري يجب أن يتّسق مع الشرعية السورية، ولا بد أن يتم بناؤه بدقة وفقاً للدستور الراهن"، وأن اللجنة "ربما تختار دمشق نفسها مقراً لها بضمانات ما من قبل روسيا أو أي دول أخرى". كما جاء في تصريحات لافرينتيف عنها.

ولكي تبارك الأمم المتحدة هذه اللجنة فقد وافق الروس على طلب دي ميستورا إدراج عبارة "على أن يكون الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف".

اعتقد الروس أن من صلاحيتهم تسمية ثلثي أعضاء اللجنة: ثلث النظام، وثلث المعارضة الحاضرة في سوتشي، وترك الثلث الثالث للمبعوث الدولي ليسميه من المستقلين، ووقع اختيار الروس على منصة موسكو "قدري جميل"، ومنصة القاهرة "أحمد الجربا"، ومنصة أستانا "رندة قسيس"، وتيار قمح "هيثم مناع"، لتسمية 50 شخصية تمثّل المعارضة، مع شرط عدم ضم أي عضو من هيئة التفاوض إلى هذه القائمة ما عدا الأعضاء العشرة الذين صوّتوا بالموافقة على المشاركة في مؤتمر سوتشي. لكنّ الرفض الدولي الواسع والتهديد بعدم الاعتراف باللجنة الدستورية، أو منح الشرعية لها ما لم تستوعب كامل المعارضة الموصوفة في القرار 2254، جعل هذا الثلث يمر عبر هيئة التفاوض بالتنسيق مع تركيا الدولة الضامنة للمعارضة في مؤتمر سوتشي.

إذن سقط هذا الثلث من يد الروس، لكنهم واصلوا الضغط على دي مستورا ليكون لهم الحصة الأكبر من الثلث الذي بيده، لكن عودة الولايات المتحدة إلى الملف السوري بقوة وتحريكها لمجموعة الدول المصغرة: الخمس ثم السبع، ودعمها المعلن للمبعوث الدولي، جعله يمضي في تسمية الخمسين شخصية من المعارضة المستقلة بعيداً عن الخضوع للضغوط الروسية عليه.

هنا اتخذ الروس والإيرانيون والنظام معاً قرارهم النهائي بتعطيل تشكيل اللجنة الدستورية، بنفس الطريقة التي درجوا عليها خلال جولات جنيف التسع الماضية في تعطيل الحل السياسي حسب بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن الدولي، واختاروا بديلاً عنها الحل العسكري عبر نقض اتفاقيات خفض التصعيد التي وقّعوا عليها في مسار أستانا، هذا القرار الذي اضطروا للإعلان عنه في اجتماع الدول الضامنة لمسار أستانا مع المبعوث الدولي 11 أيلول/سبتمبر الماضي حين رفضوا قائمة الخمسين التي قدمها دي ميستورا بشكل كامل، ثم في اجتماع وزير خارجية النظام وليد المعلّم مع الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس"، وتم وضع خمسة شروط تعجيزية للقبول باللجنة الدستورية تتضمن:

1-تسمية ثلثي أعضائها من طرف النظام وروسيا وإيران.

2-يقوم النظام بتعيين رئيس اللجنة الدستورية.

3- للنظام حق استخدام الفيتو على أي قرار يطلب التصويت عليه أثناء عمل اللجنة.

4-أن تنحصر مهمة اللجنة بإدخال بعض الإصلاحات على الدستور الحالي.

5-ألا تتدخل الأمم المتحدة في سير عملها. حيث يعتبر ذلك انتقاصاً "للسيادة الوطنية".

الآن وفي ظل إمهال دي مستورا إعلان التشكيل النهائي للجنة الدستورية قبل نهاية هذا الشهر فمن المستحيل تقريباً أن يتوصل إلى إقناع النظام والروس وإيران بتغيير شروطهم التي وضعوها للموافقة عليها.

العامل الحاسم والأكبر من كل ما سبق في رفض النظام وروسيا وإيران للجنة الدستورية، هو قرار الولايات المتحدة تثبيت وجودها في المنطقة الشرقية بذريعة "مكافحة الإرهاب" ومنع عودة ظهور تنظيم الدولة، وقطع الممر البري على إيران الواصل بين طهران وحزب الله في الجنوب اللبناني، فبعد فشل المفاوضات بين النظام وميليشيا "ب ي د" الكردية في منح هذه الأخيرة حكماً ذاتياً لإدارة المنطقة الشرقية، اتخذت الولايات المتحدة قرارها بإبقاء هذا الجزء من البلاد خارج سيطرة النظام، وتحويله إلى إقليم شبيه بإقليم كردستان شمال العراق، وقد يقع مثل ذلك في مناطق شمال غرب سوريا في محافظتي إدلب وحلب، بحيث تبقى تحت السيطرة التركية، ويُمنع النظام من الوصول إليها، وبذلك ستفقد العملية الدستورية أي معنى لها ما لم تكن شاملة لكل أراضي "الدولة السورية" بحدودها الجغرافية الحالية.

يملك دي ميستورا بالطبع خيار الإعلان عن جزء من اللجنة الدستورية يتضمن المعارضة والمستقلين فقط، ويحمّل النظام مسؤولية تعطيل اللجنة، قد يحدث هذا، لكنه لن يكون شيئاً ذا قيمة تُذكر، فالروس سيقّدمون الحماية للنظام في حال الذهاب لاستصدار قرار إدانة ضده، وقد يذهب دي ميستورا نحو تأجيل الإعلان عن اللجنة الدستورية، بانتظار حصول تفاهمات دولية حولها، لكن قد يستمر هذا التأجيل لو حصل لسنوات عدّة قادمة.