الأثنين 2017/09/18

هل ستكون معركة دير الزور كمعركة برلين 1945 ؟

في تحليل لها عن معركة دير الزور بعنوان "تشبه برلين 1945، سباق روسيا وأمريكا لآخر ركن من سوريا" نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية عن فرانتس كلنتسفيتش، نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد، الذي يُمثِّل الغرفة العليا في البرلمان الروسي قوله: "يشبه الأمر معركة برلين، عندما تقدَّمت القوات السوفييتية من ناحية، وتقدم الحلفاء من الناحية الأخرى"، وأن هذه المقاربة متداولة بين الكثيرين من المراقبين الروس.

الحقيقة خلاف ذلك، ومراد الأمريكيين صرف أنظار الروس عن الرقة، ومقايضة بسط نفوذ الميليشيات الكردية هناك مقابل ترك دير الزور تسقط بيد النظام والروس والإيرانيين.

قبل معركة برلين كان هناك خلاف بين السوفييت والحلفاء الغربيين حول مصير المدينة، وقرر الحلفاء الغربيون إثرها عدم تقديم أي مساعدة للسوفييت لدخول برلين، الجنرال الأمريكي أيزينهاور الرئيس الجديد للولايات المتحدة يومها، اعتبر أن برلين ستكون في نطاق النفوذ السوفييتي بعد الحرب، ولم ير داعياً لزج الجنود الأمريكيين في المعركة، كما إنه برر قراره بالخوف من "النيران الصديقة" التي يمكن أن تصيب جنوده عند دخولهم المدينة. وكانت المشاركة الغربية الوحيدة الواضحة لهزيمة العاصمة النازية هي القصف الجوي خلال عام 1945 الذي قامت به القوات الجوية الأمريكية والقوات الجوية الملكية البريطانية، وانتهت هذه الغارات ليلة 21-إبريل قبل دخول السوفييت المدينة.

سيتصرف "الأمريكيون والحلفاء الغربيون" في دير الزور بنفس الطريقة، ولنفس الأسباب، فالهدف الغربي هنا كما كان هناك .. القضاء على العدو وليس الاستيلاء على الأرض، بينما الروس والنظام لهما هدف آخر هو استعادة السيطرة على دير الزور، كما فعلا في حلب، في خطوة لإعادة فرض سلطة النظام على البلاد بكاملها.

لكن الروس لن يتركوا الرقة أيضاً للأمريكيين، فالميليشيات الكردية التي تقف اليوم على مشارف دير الزور الشمالية عند نقطة المعامل (السبعة كيلومتر)، ستنسحب بالسرعة التي قطعتها للوصول إلى هنا (150 ميل خلال 24 ساعة)، فهي في عمق منطقة القبائل العربية العدوِّ اللدود لها، والميليشيات الكردية لا زالت مرتابة من استمرار الدعم الأمريكي لها بعد القضاء على تنظيم الدولة؛ فالأمريكيون يواجهون اعتراضاً تركياً شديداً على هذا الدعم، وسيعملون في النهاية على تحجيم النفوذ الكردي إلى الحد الذي لا ترى فيه تركيا تهديداً لأمنها القومي.

سيستمر الروس بقصف الميلشيات الكردية في محيط دير الزور، وسيبقى الأمريكيون في موقف شبه المتفرّج، وهذا قد يدفع الأكراد لاحقاً لعقد صفقة مع الروس والنظام حول نوع من الحكم الذاتي التابع للسلطة المركزية في دمشق، بالطبع ستتقلص مساحة أراضي الحكم الذاتي لتصل إلى مناطق المثلث الحدودي السوري التركي العراقي المحاذي لنهر دجلة، وهو الحلم الكردي القديم قبل بدء الثورة.

إصرار الأمريكيين على خطئهم في عدم إشراك الفصائل المسلحة المكونة من أبناء المنطقة سيتسبب بتسليمها للنظام بشكل كامل، وتحقيق الطموحات الإيرانية في توفير ممر بري لهم من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.

يعدّ الممر البري هذا المعضلة الثانية التي تواجه الأمريكيين فالاعتراضات الإسرائيلية والسعودية والأردنية أيضاً هنا شديدة بحجم الاعتراضات التركية شمالاً، وخصوصاً مع عدم استجابة الروس للمطالب الإسرائيلية في تحجيم الامتداد الإيراني في سوريا، لذا سيميل الأمريكيون إلى تفاهم مع الروس حول تقاسم مناطق نفوذهم بحيث تكون للروس شمالاً ضمن اتفاقات أستانا مع تركيا وإيران، وتكون للأمريكيين على الحدود الجنوبية بمحاذاة الأردن وفلسطين.

دير الزور تعدّ اليوم بنظر النظام العاصمة الاقتصادية الجديدة، بما تملكه من ثروات نفطية ومائية وزراعية وحيوانية، والنظام يعوّل عليها كثيراً ليرمم من خلالها اقتصاده المنهار تماماً.

ليس من الواضح تماماً طريقة تعامل الميلشيات الكردية مع هجوم النظام السوري عليها، وعبوره الفرات شمال وشرق النهر، لكنهم في الغالب لن يُظهروا مقاومة تذكر كما يهددون اليوم، ولن يدخلوا في عمليات قتالية ضد قوات النظام.

الأسد لن يؤخر إعلان النصر في دير الزور، وعلى غرار ما يفعل في مناطق أخرى سيزورها، ويقف على ركام ما يتبقى منها، بوقت متزامن لعقد مؤتمر المعارضة في الرياض 2، وفي هذا رسالة كافية لبيان موقف النظام من العملية السياسية، والتسوية المرجوّة منها ضمن إطار بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن.

الشبه الوحيد بين معركة دير الزور ومعركة برلين، سيكون في حجم الدمار الهائل الذي سيصيب المدينة، ولن يكون هناك مهزوم ليوقع صكّ الاستسلام كما فعل النازيون، فتنظيم الدولة لن يكون موجوداً، ولن يعثر أحد له على أثر، وكالعادة سينقل عاصمته إلى مدينة عربية سنّية جديدة.. تمهيداً لتدميرها .