السبت 2017/08/19

هل تستطيع “هيئة المفاوضات” تجاوز ما يخطط له الوسيط الدولي؟ .. ورقة تحليلية لمؤتمر دي ميستورا الصحفي

هذه ورقة تحليلية لمؤتمر المبعوث الدولي إلى سوريا، تتضمن رؤيته لما هو مطلوب من المعارضة السورية العسكرية والسياسية القيام به قبل عقد مؤتمر "جنيف حقيقي" حسب تعبيره، قبل نهاية 2017، مطالباً إياها أن تكون أكثر "واقعية وبراغماتية"، وأن تلحظ الوقائع الجديدة على الأرض، بمعنى أن تتخلى عن كثير من شعاراتها التي ترفعها الآن، والتي بسببها -حسب رأيه- أوصلت مفاوضات جنيف إلى طريق مسدود.

ما الذي يريد دي ميستورا الوصول إليه كاتفاق نهائي مع النظام؟ .. هذا ما تحاول الورقة الإجابة عليه.

 

أولاً: صار لافتاً تعويض دي ميستورا عن فشل مساره السياسي في جنيف، بالاعتماد على مسار أستانا، واستثمار نتائجه كإنجازات شخصية له ولفريقه التابع للأمم المتحدة، وهو في مؤتمره أشار إلى مسألة مهمة تتمثل بالاتفاقات المحلية التي تعني الهدن والمصالحات، واتفاقات وقف إطلاق النار، والتي بلغت حسب النشرة الصادرة بتاريخ 18/8/2017 عن وزارة الدفاع الروسية 2188 مصالحة على مستوى المدن والبلدات والقرى، والتي انضم إليها حسب النشرة السابقة 228 فصيلاً عسكرياً.

 

ثانياً: بنفس الطريقة يستثمر دي ميستورا بعض نجاحات الملف الإنساني، فإدخال خمسين شاحنة مساعدات إلى دوما، جديرة بالذكر عنده، مع أنها دخلت بحماية روسية وليس بحماية الأمم المتحدة، دي ميستورا في القسم الأول من مؤتمره تحدث كأنه منسق إغاثي، وليس كوسيط دولي مكلف بتسهيل الوصول إلى حلّ سياسي، لذا هو يحرص وبشكل متكرر على حضور "جان إيغلاند" مستشار الشؤون الإنسانية إلى جانبه.

 

ثالثاً: الخط الزمني للمرحلة القادمة، تحدث فيه دي ميستورا عن ست محطات:

1- إحاطة لدي ميستورا في مجلس الأمن نهاية شهر آب/أغسطس.

2- جولة أستانا 6 أول أيلول/سبتمبر.

3- جولة جنيف 8 في النصف الأول من أيلول/سبتمبر.

4- اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 18أيلول/سبتمبر.

5- المؤتمر الموسّع لمنصات المعارضة السورية تشرين أول/أكتوبر.

6- مؤتمر جنيف "حقيقي" نهاية تشرين الأول/أكتوبر، أو بداية تشرين الثاني/نوفمبر.

 

رابعاً: الأحداث المتضمَّنة داخل الخط الزمني:

1- الأحداث العسكرية:

وضع دي ميستورا "تحرير الرقة" في مقدمة الأعمال العسكرية، ثم تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة "تنظيم الدولة" في دير الزور، متوقعاً إتمام ذلك بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ومع أنه أدخل إدلب في حديثه بعدها، إلا أنه ترك الحديث عن القضية الكبرى كما سمّاها "مستقبل إدلب" بشكل دقيق، موحياً بأنها قد تُرجأ إلى أن تكون نتيجة اتفاق بين النظام والمعارضة الموحّدة في مؤتمر جنيف "الحقيقي"، الذي يُتوقع انعقاده بداية تشرين الثاني/نوفمبر.

 

أستانا 6 سيكون قد ضمّ إلى صفوفه باقي فصائل المعارضة التي لم تشارك سابقاً فيه، ولم تدخل في اتفاقيات "تخفيف التصعيد"، فيوم 18/8/2017 تمّ الإعلان في جنيف عن توقيع "فيلق الرحمن" في جوبر والغوطة الشرقية، مع الجانب الروسي اتفاقَ وقف إطلاق النار، هذا الاجتماع المستمر الانعقاد في جنيف يحضره إلى جانب "فيلق الرحمن" عدد من فصائل الجيش الحر مثل جيش الإسلام، وأسود الشرقية، وغيرها، ويتأهب من لم يوقّع منها سابقاً للتوقيع الآن على اتفاقات ثنائية مع الجانب الروسي، ستكون أستانا 6 قد ضمنت وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية بكاملها ابتداء من حدود "إسرائيل"، مروراً  بالحدود الأردنية، واللبنانية وتأمين العاصمة دمشق ومحيطها، وأمّنت انتشار جيش النظام على كامل المساحة الممتدة بين دمشق إلى دير الزور والرقة جنوب وشرق الفرات، تاركة فقط ساحة عمليات "ب ي د" ، ودرع الفرات شمالاً، إضافة إلى إدلب والمناطق المحاذية لها الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام".

وضع إدلب في آخر الخط الزمني بعد الرقة ودير الزور تابع لوجود فصيل لم يقرر المجتمع الدولي بدء التفاوض معه، فهو مصنف كـ"منظمة إرهابية" تتبع القاعدة، لذا فاحتمالات إدلب ستكون:

1- حدوث تفاهم دولي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجنيب إدلب كارثة إنسانية، ودعوة "هيئة تحرير الشام" لتفكيك نفسها، وتسليم سلاحها، كما حدث في كولومبيا مع منظمة "فارك"، وبالتالي شمول إدلب في اتفاقات وقف إطلاق النار.

2- نقل عناصر الفصائل الموقعة على "تخفيف التصعيد" من جميع المناطق، وغير الراغبين بإبرام وضع تسوية مع النظام، وتجميعهم على خطوط تماس مع "هيئة تحرير الشام"، وفتح معركة معها.

 

3- تسهيل دخول عناصر تنظيم الدولة إلى إدلب، كما حدث سابقاً في تسهيل دخولهم إلى سوريا، أو في تسهيل تنقلهم عبر المناطق بعد انسحابهم منها، أو هزيمتهم فيها كالرقة ودير الزور، والقلمون والجنوب، أيضاً كما حدث سابقاً مرات عديدة، وبالتالي حدوث مواجهة عنيفة بين التنظيمين، بحيث تصبح إدلب المعقل الرئيسي لهما عالمياً، تشبه "تورا بورا" في أفغانستان، سيتخلّص أحد التنظيمين من الآخر وينهي وجوده في سوريا، ويعلن قيام إمارته الصغيرة ريثما يجري تفكيكها ونقلها إلى مركز جديد خارج سوريا. كما صار معهوداً من تاريخ التنظيمات الإسلامية المتشددة.

4- فتح معركة برية واسعة من طرف جيش النظام، والمليشيات الشيعية، بمساندة قصف جوي وصاروخي صاعق لقوات التحالف الدولي، والقوات الروسية، شيء يشبه معركة الموصل، مع وضع خطة إخلاء للمدنيين الفارّين من ساحة العمليات القتالية، بحيث لا يسبّب نزوحهم موجة لجوء إلى تركيا، لضمان موافقتها ومشاركتها في عملية السيطرة على إدلب.

 

بالعودة إلى أستانا يوجد ملاحظة مهمة، وهي أن الروس وقّعوا الاتفاق مع فيلق الرحمن في جنيف، وهذا يحدث لأول مرة، وهو مؤشر واضح على بدء دمج مساري جنيف وأستانا، وتضخّم الدور الروسي سياسياً، فهي راعية الهدن والمصالحات، وضامنة اتفاقات وقف إطلاق النار، ومتحكمة بقرار النظام، ومنصتي موسكو والقاهرة، كما سيأتي في قسم الأحداث السياسية.

دي ميستورا يفترض عسكرياً عند الوصول إلى "جنيف تشرين الثاني" ، أنه ليس هناك قتال بين النظام وفصائل المعارضة جميعها، وأن الحرب (وضعت أوزارها كما قال المحاميد)، قد تكون السيطرة على الرقة ودير الزور قد تمّت، أو أن الأمور في الوضع الذي لا يؤثر على العملية التفاوضية، فهي ليست مواجهة بين النظام والمعارضة، نعم فقط إدلب ستكون بحاجة لتفاهمات لكنها كذلك ليست حالة مواجهة بين النظام والمعارضة، لذا بالمثل لن تؤثر على مؤتمر "جنيف تشرين الثاني".

 

2- الأحداث السياسية:

 

1- اجتماع المنصات في الرياض:

ستبدأ الأحداث السياسية باجتماع منصات القاهرة وموسكو مع هيئة المفاوضات في الرياض، يوم الأحد 20/8/2017، وستحضر منصة القاهرة، وستشارك منصة موسكو عبر سكايب، سيكون لهذا الاجتماع عدة أهداف، أهمها التفاهم حول وثائق لوزان التقنية ـالتي ستحاول هيئة المفاوضات إدخال تعديلات عليها-، بينما تريد منصتا موسكو القاهرة تثبيتها. المتوقع إدخال تعديلات شكلية فقط على الوثائق دون المسّ بجوهرها الذي يتغاضى عن قضية مصير بشار الأسد،  كذلك سيناقش الاجتماع طبيعة تمثيل المعارضة في جولات التفاوض القادمة.

2- جولة أستانا 6: بداية شهر أيلول/سبتمبر عقب عيد الأضحى مباشرة، بإضافة الفصائل التي وقعت اتفاقات جنيف مع الروس، وانضمت لمناطق تخفيف التصعيد، مثل جوبر والقلمون، وغيرها، وستدخل البلاد بعد هذه الجولة في شبه وقف إطلاق نار شامل، عدا مناطق تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام.

المتوقع هنا أن يطلب الروس من المنصات إرسال ممثلين عنها لحضور أستانا، بحيث يمكنهم ذلك من تقوية دمج المسارين السياسي والعسكري، ويتيح لهم إعادة طرح أوراقهم السياسية، وخصوصاً ورقة مقترح الدستور السوري الجديد، وورقة مقترح تشكيل "اللجنة الدستورية المختصة بوضع الدستور"، وسيتم نقل مخرجات أستانا إلى جولة جنيف 8، لاعتماد نتائجها كوثائق رسمية لدى الأمم المتحدة.

3- جولة جنيف 8: ستكون بحدود 10أيلول/سبتمبر، لكن قد يتخلّى دي ميستورا عنها، ويستبدلها باجتماعات "تقنية" في لوزان، إن لم تكن وقائع الأرض العسكرية، أو التفاهمات في أستانا قد بلغت الحد الذي يتيح التوصل إلى اتفاق سياسي حول السلال الأربع، بطريقة تمكّن دي ميستورا من أخذ نتائجها إلى الجمعية العامة يوم 18أيلول/سبتمبر، واستصدار قرار دولي بها.

4- اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 18/9/2017: ستتضمّن إحاطة دي ميستورا فيه أن المعارضة وصلت إلى مستوى متقدم جداً من التفاهمات السياسية، وأنها تملك اليوم رؤية موحّدة تستطيع من خلالها خوض جنيف "حقيقي" مع النظام، فقط ينقصها أن تندمج في منصة واحدة تسهيلاً لإطلاق هذه العملية، وسيطلب من الدول الداعمة والراعية للمنصات أن تعمل على هذا، ومن جانب آخر سيُطلب من الروس والإيرانيين أن يجلبوا النظام إلى طاولة المفاوضات بشكل جدي هذه المرة، بحيث تختتم بوضع مسوَّدة الاتفاق النهائي للحل السياسي "بالحروف الأولى".

5- المؤتمر الموسّع لمنصات المعارضة السورية تشرين أول/أكتوبر: سيعقد غالباً بعيداً عن الرياض، والاحتمال الأبرز أن تستضيفه الأردن، أو الإمارات، وسينتهي بجسم جديد يمثّل المعارضة السورية بكل منصاتها السياسية، وفصائلها العسكرية المشاركة في أستانا، وستكون لها ورقة مبادئ للحل السياسي، وللعملية التفاوضية، بشكل أكثر "واقعية وبراغماتية، وتلحظ الوقائع على الأرض" (كما قال دي ميستورا في مؤتمره الصحفي)، سيكون مصير الأسد الغائب الأبرز عن هذه الوثيقة، كما سيجري تناول هيئة الحكم الانتقالي بطريقة أكثر مرونة.

6- جلسة طارئة لمجلس الأمن: يتوقع أن تعقب هذا المؤتمر كما حدث بعد مؤتمر الرياض الماضي، وصدر على إثره القرار 2254، ستطلب مجموعة دوليةٌ ما عقدَ هذه الجلسة، لتشدِّد في قرار شبيه على تنفيذ القرارات الدولية السابقة وتعتمد الممثل الجديد للشعب السوري في جولة جنيف التالية.

7- مؤتمر "جنيف الحقيقي": في نهاية تشرين أول/أكتوبر، أو بداية تشرين ثاني/نوفمبر: سيكون دي ميستورا قد وضع مقترحاً لمسودة الاتفاق النهائي للحل السياسي "بالحروف الأولى"، وغالباً سيضمِّنه رؤيته التي طرحها سابقاً في مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف التي قدمها لمجلس الأمن في إحاطة مغلقة، سبقت إحاطته المعلنة يوم 29/7/2015، كان مجلس الأمن قد رفض يومها مسودة دي ميستورا هذه، فقدم مقترحا بمجموعات العمل الأربع بدلاً عنها، سيُدخل دي ميستورا بعض التعديلات لتتناسب مع الواقع الجديد الدولي والسياسي والعسكري، وسيكون قد حصل قبل تقديم مقترحه للوفدين على ضمانات من الدول الراعية على موافقتهما عليه، مع ترك هامش للوفدين للتفاوض حول بعض الأمور الثانوية، كمواضع الفواصل، والنقاط، وجزالة اللغة العربية !

مع احتمال تأخير بعض تواريخ هذه المحطات، بسبب انشغالات بعض الدول والأمم المتحدة بقضايا أخرى، سنكون وصلنا إلى نهاية 2017، أو الأشهر الأربعة الحاسمة التي بدأ الحديث المحموم عنها في الأروقة السياسية والدبلوماسية من يومنا هذا، أو بتاريخ 18-8-2017 على وجه الدقة.

هذا ما أفصح عنه دي ميستورا في مؤتمره الصحفي، وعلى هيئة المفاوضات العليا تحديداً أن تحلل جيداً الرسائل التي أرسلها الوسيط الدولي خلاله.

أخيراً: الذي أدخل هيئة المفاوضات العليا هذا المعترك الصعب، وأفقدها شرعيّتها الدولية التي نالتها في جنيف 3، هو وفدها التقني في لوزان الذي ارتكب خطأ فادحاً باتفاقه مع منصتي موسكو والقاهرة على الوثائق التي تم التعرض إليها في دراسة سابقة.

هل تستطيع الهيئة تجاوز ما يخطط له الوسيط الدولي؟