الجمعة 2017/12/22

هذا ماسيحدث في سوتشي


مركز الجسر للدراسات


كان يجب الانتظار حتى يقدّم المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إحاطته أمام مجلس الأمن للتأكد من حقيقة ما عرضه على وفد المعارضة في جنيف 8، لكن دي ميستورا "أزال الشك باليقين"-كما يقال -حين أعاد سرديته نفسها في نيويورك خلال إحاطة 19/12/2017.

ما الذي عرضه دي ميستورا على وفد المعارضة؟

المبعوث الأممي قدّم للمعارضة إلى جانب ورقة المبادئ، ورقتين إضافيتين حول السلّتين الثانية والثالثة من القرار 2254، والمتعلقتين بقضيتي الدستور والانتخابات، ولم يفعل ذلك حيال السلتين الأولى والرابعة المتعلقتين بالحكم ومكافحة الإرهاب. لكنه قال في إحاطته: "قدمت المعارضة إسهاماً ملموساً رداً على عرضنا للنسخة المحدثة من المبادئ السورية الأساسية الاثنتي عشرة، كما انخرطت المعارضة في مناقشات معمقة لجميع السلال الأربع مع الأمم المتحدة".

أما النظام فرفض وفده مناقشة أي شيء، واكتفى بالإصرار على سحب بيان الرياض 2، احتجاجا على تضمنه "مغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد عند بدء المرحلة الانتقالية"، وإشارته إلى "الدور الإيراني في زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإحداث تغييرات ديموغرافية فيها، ونشر الإرهاب". كما شكك وفد النظام فيما إذا كان وفد المعارضة ممِثلاً لها بشكل كافٍ. أيضاً صرّح وفد النظام أنه سيكون من غير الممكن التحرك بجدية في عملية مراجعة الدستور أو الانتخابات حتى تتم استعادة "السيادة السورية الكاملة" و"هزيمة الإرهاب" في جميع أنحاء الأراضي السورية. قال دي ميستورا عن هذه النقطة: "كان ذلك بالنسبة لي شرطاً جديداً لم أسمعه من قبل، وقد جعلني أشعر بالقلق إزاء أية مبادرة أخرى، بالإضافة إلى جنيف، لأنه إن كان علينا أن ننتظر كلنا حتى تصبح البلاد كلها في بيئة جغرافية وسياسية مختلفة وبدون وجود أجنبي أو إرهابي على الإطلاق، فإن ذلك يعني أن أي نوع من النية الصادقة لمناقشة الدستور أو الانتخاب قد تم تأجيلها لفترة طويلة، هذا في حال تأكد هذا الموقف من النظام – وقد أكده لنا".

الذي يقرأ الورقتين الدستورية والانتخابية يلحظ جيداً أنهما مطابقتان للرؤية الروسية والإيرانية للحل في سوريا.

الورقة الدستورية تتحدث عن مرحلتين: تفاوضية وانتقالية، يجري في التفاوضية منها الاتفاق على إجراء "مراجعة دستورية" ووضع معايير اختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام، والقواعد الإجرائية الناظمة لعمله، وإنشاء "لجنة دستورية" تقوم بهذه المراجعة في المرحلة الانتقالية عبر الدعوة لحوار وطني يضع المبادئ الأساسية للدستور، والتي يقرّها المؤتمر الوطني، ويُحيلها للجنة الدستورية لتضع "مسودة الدستور الجديد" الذي يخضع للمصادقة الشعبية أو الاستفتاء العام، وعلى أساسه تجري الانتخابات في البلاد.

الورقة الانتخابية كذلك تتحدث عن مرحلتين تفاوضية وانتقالية، يجري في التفاوضية منها الاتفاق على الإطار الانتخابي المتضمن الجدول الزمني للانتخابات، والمؤسسات الانتخابية، وأهلية الناخبين بما فيهم المقيمون في الخارج، ودور الأمم المتحدة في الإشراف على الانتخابات، على أن يوضع هذا الاتفاق على الإطار الانتخابي موضع التنفيذ في المرحلة الانتقالية عبر إنشاء المؤسسات الانتخابية التي تدير عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق الدستور الجديد المشار إليه آنفاً.

النقطة الجوهرية الفارقة أنه فيما تطالب المعارضة أن تكون العملية الانتقالية في ظل هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في بيان جنيف، والقرارات الدولية اللاحقة، فإن دي ميستورا يضرب بهذا كله عرض الحائط، ويتجنب ولو الإشارة إلى هيئة الحكم الانتقالي، بل وصرّح للمعارضة أنها ستبدأ بأخذ دور ما من خلال المؤسسات الدستورية والانتخابية المنشأة على هامش مؤسسات النظام المتحكمة بالبلاد تحكماً كاملاً، بدءاً من رأس النظام، مروراً بحكومته وبرلمانه، وأجهزته الأمنية والعسكرية، والوجود المستمر للقوات والمليشيات الأجنبية إلى نهاية المرحلة الانتقالية، وظهور الحكم الجديد في ظلها وليس في ظل هيئة الحكم الانتقالي.

دي ميستورا استبدل هيئة الحكم الانتقالي بشيء سمّاه "مقاييس معيارية" و "حوكمة" تعمل على إنشاء بيئة هادئة ومحايدة في المرحلة الانتقالية، هنا أيضاً كان أساس اعتراض هيئة التفاوض، أن النظام بأجهزته الأمنية والعسكرية، وانتشار القوات والمليشيات الأجنبية لن يوفّر البيئة الآمنة والمحايدة للمؤسسات الدستورية والانتخابية التي تمكّنها من العمل بحرية ومهنية، وأن الحكم الجديد لن يكون ذا مصداقية، ولن يكون الانتقال السياسي ذا معنى، ولن يمهّد الطريق للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، أو للتخلص من الإرهاب، وأن العملية برمّتها لن تعدو كونها استنساخا وتثبيتا لنظام الحكم الحالي.

هيئة التفاوض صاغت ردّاً على ورقتي دي ميستورا لكنها لم تستطع تقديمه بسبب اعتراض منصة موسكو، فرؤيتها تقترب مع ما طرحه دي ميستورا مع فارق توزيع صلاحيات الرئيس على خمسة نواب أثناء المرحلة الانتقالية، ويبدو أن تهديدات هيئة التفاوض لدي ميستورا بنقل الملف للأمين العام للأمم المتحدة وإطلاعه على تجاوزات ومخالفات مبعوثه لم تنفع، فدي ميستورا أعاد طرح أوراقه بحروفها على مسامع مجلس الأمن في إحاطته، بل ذهب أبعد من ذلك بكثير حين تجاوز حتى مجلس الأمن بقوله أمامهم: " أنا في الوقت الحاضر -سأقابل الأمين العام بعد ظهر اليوم -لست في وضع يسمح لي بتحديث مجلس الأمن بشأن التطورات الأخرى المتعلقة بمقترحات لعقد مؤتمر مبكر للحوار الوطني في مكان خارج سوريا". فالمبعوث مطّلع على رسالة الأمين العام لروسيا، والتي وجّه فيها أسئلة عديدة، وطلب تفاصيل كثيرة عن سوتشي لدراسة مدى توافقها مع قرارات الأمم المتحدة ليسمح لدي ميستورا وفريقه بالحضور كممثلين للمنظمة الدولية.

إذن دي ميستورا الذي يزور موسكو الآن يرى في مؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد في سوتشي، بمثابة جولة مبكرة للحوار الوطني التي أودعها في أوراقه، وأنه يمكن لهذا المؤتمر أن يتبنى ورقة مبادئه الأساسية، وأن يتم اختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام من بين المشاركين في سوتشي، وأن يتم تكليف هؤلاء بإنشاء اللجان والمؤسسات الدستورية والانتخابية.

أخطر ما يمكن أن يفعله دي ميستورا حسب بعض التسريبات، أن يتذرّع بعد مدّة بعدم إمكانية توفّر البيئة الآمنة والمحايدة اللازمة للاستفتاء على الدستور، وعدم تمكّن المؤسسات الانتخابية من القيام بعملها من حيث إحصاء وتسجيل وتصويت الناخبين وخصوصاً اللاجئين والنازحين، وأن يعمد إلى تمرير الدستور الجديد عبر المؤتمر الوطني المُنشأ من سوتشي ابتداء، بحيث تكون التغييرات الدستورية والقوانين الانتخابية مناسبة لإعادة انتخاب بشار الأسد، والإبقاء على منظوماته العسكرية والأمنية والتشريعية كما هي.

هذا هو السيناريو الأسوأ لسوتشي، وعلى المعارضة الوطنية التي تنوي المشاركة فيه أن تأخذه بالحسبان، بحيث يكون جدول أعمال المؤتمر واضحاً لديها، وكذلك عدد وأسماء المشاركين فيه، ومواقفهم السياسية في الثورة، وعليهم الإصرار على البدء بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي لتكون هي التي تدير المرحلة الانتقالية وليس بشار الأسد.