الأربعاء 2018/08/22

محللون إسرائيليون: الحرب في سوريا لم تبدأ بعد

الحرب الكبرى في سوريا ستبدأ عام 2019، ما جرى في السنوات السبع الماضية لم يكن حرباً بشكل من الأشكال، كانت عملية سيطرة على تمرد داخلي ظهر إثر احتجاجات سلمية.

أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد لا تحمل في ذاكرتها إلا تجربة اجتياح حماة في ثمانينات القرن الماضي بعد تمرد جماعة الإخوان المسلمين، وعلى غرار الأخوين حافظ ورفعت الأسد، رأت أنيسة المعروفة بكرهها الشديد لسنّة سوريا أن ابنيها بشار وماهر يمكن أن يكررا هذه التجربة الناجحة في القمع، ويوطّدا حكم عائلة الأسد لعشرات السنين القادمة، شهدت أنيسة خمس سنوات من وحشية مجازر أولادها التي فاقت بكثير مجزرة الثمانينات، لتموت في نفس الأسبوع الذي بدأ فيه اجتياح حماة.

الفارق الوحيد بين ما حدث في حماة سابقاً واليوم، هو اتساع رقعة المواجهات بين النظام ومعارضيه، أما من ناحية المقاتلين فقد بقي الأمر على حاله. نحن اليوم تجاوزنا مرحلة الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت، أو بين الرأسمالية والشيوعية التي أتاحت إمداد المقاتلين الأفغان بالسلاح لمواجهة السوفييت الشيوعيين وعميلهم الرئيس الأفغاني نجيب. لن يحصل المقاتلون السوريون على صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات.

الأسد الابن أربكه المشهد الجديد لاتساع الاحتجاجات ضد حكمه. جاءته النصائح الروسية ألا يشتت جيشه في معارك برية على طول مساحة البلاد وعرضها، وأن يلجأ إلى قصف المدن والبلدات الثائرة بالبراميل المتفجرة وبالمدافع والصواريخ بعيدة المدى، إلى أن يتم توقيع اتفاقيات خفض التصعيد، وتبدأ قوات الأسد في استعادة معظم المناطق التي خسرها، ثم ليبدأ في اجتياح مناطق خفض التصعيد هذه واحدة تلو الأخرى، بحملات برية، ويهجّر الذين يرفضون المصالحات، ويجمعهم في نقطة واحدة أخيرة هي إدلب.

تحدّث بشار الأسد قريباً عن "نجاح" خطة مناطق خفض التصعيد الفذّة هذه، وكيف أنها مكَّنت وستمكّن قواته من القضاء على التمرد القائم ضده وبشكل نهائي.

هذا كلّه وبجميع تفاصيله يُعتبر حسب الأعراف القتالية لجيش كان يحصل على 80% من ميزانية الدولة العامة، بمثابة مناوشات مع مجموعات مسلحة قليلة العدد، عديمة الخبرة، ضعيفة التسليح، لكن رعونة الأسد وحماقته وحقده على الشعب الرافض لاستمراره في الحكم، دفعته إلى هذا التدمير الوحشي للمدن، ولم يتوانَ عن استخدام الكيماوي أكثر من 300 مرة، كانت فرصته للهندسة الديموغرافية لبلد أكبر من مقاسه، اقتضت خطة العائلة التخلص من نصف عدد سكان سوريا من غير الطائفة العلوية الموالية للنظام.

إذن: الحرب الكبرى ستبدأ عام 2019 كما ورد في التقرير الذي نشره موقع "ذي أمريكان إنترست" عن محللين في الجيش الإسرائيلي، الذين يرون أن المعركة الحقيقية ستكون حين تلتقي جيوش نظامية مقابل جيوش نظامية على أرض سوريا، وليس ما حدث على مر الأعوام السابقة.

بحسب المحللين الإسرائيليين، حينما يحين ذلك الموعد ستكون إيران قد حوّلت سوريا إلى "إلى نقطة انطلاق للعمليات العسكرية ضد إسرائيل"، وهي الآن فعلياً "تمكّنت من بناء بنية تحتية عسكرية قوية في سوريا ونشرت "فيلقها الخارجي" الشيعي إلى حدود إسرائيل، وقدرتها على الحرب ممكنة الآن على جبهات متعددة وفي مسارح عمليات بعيدة، على الأرض، وفي الجو، وفي البحر، وفي المعلومات والمجالات السيبرانية من قِبل مقاتلين من حزب الله، إيران، سوريا، العراق، أفغانستان، باكستان، وحتى اليمن. إن النطاق الواسع للحرب المحتملة سيخلق خيارات عسكرية جديدة لإيران وحزب الله، ويفرض توسيع القدرات الإسرائيلية إلى حدود هذه المسارح".

عامل آخر يرفع التوتر الإسرائيلي إلى مستويات عالية جداً، فالحدود الشمالية مهددة بشكل كبير بالصواريخ الإيرانية التي تعمل على إنتاجها داخل سوريا ولبنان، بحيث لا تحتاج إلى نقلها من إيران فيما لو عجزت عن ذلك عبر المعابر البرية والبحرية والجوية، قد يشلّ هذا "البنية الأساسية الإسرائيلية الحاسمة ويجعل الحياة هناك غير محتملة". الكثير الكثير من المنشآت والمعامل موجودة في هذه المنطقة بسبب الهدوء السائد فيها من نصف قرن تقريباً، باتفاق السلام غير المكتوب مع عائلة الأسد.

ما بعد حرب الثماني سنوات 1980-1988 بين إيران والعراق، أو ما يعرف بحرب الخليج الأولى، أظهرت إيران " أنها تسعى لتجنب الحروب التقليدية وما يترتب عليها من خسائر فادحة لقواتها، بدلاً من ذلك، تعتمد على عمليات بالوكالة، والإرهاب، ومع ذلك، فقد كانت مستعدة في بعض الأحيان للمغامرة بنشاطات عالية المخاطر تنطوي على احتمالية التصعيد. (مثال: أطلقت القوات الإيرانية في سوريا طائرة بدون طيار محملة بالمتفجرات في الأجواء الإسرائيلية في فبراير- شباط الماضي، تم إسقاطها، ولكن الحادث أثار جولة من الاشتباكات).

من جانبها "يبدو أن إسرائيل عازمة على تجنب الحرب، رغم أن أفعالها تُظهر أنها مستعدة لقبول خطر التصعيد لمواجهة هذه التهديدات الناشئة. وبالفعل، فقد نفذت منذ عام 2013 أكثر من 130 ضربة في سوريا حول شحنات الأسلحة الموجهة لحزب الله، ومنذ أواخر عام 2017، وسّعت هذه الحملة لاستهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا، دون أن تؤدي إلى المواجهة الأوسع".

لكن احتمال نشوب حرب بين إيران وإسرائيل أمر "يستحق التحليل الدقيق"، "من المرجح أن تحدث مثل هذه الحرب نتيجة لتصعيد غير مقصود، بعد إجراء إيراني آخر ضد إسرائيل من سوريا، أو بعد ضربة إسرائيلية في لبنان أو سوريا (على سبيل المثال، ضد منشآت إنتاج الصواريخ). يمكن أن تبدأ نتيجة لضربة أمريكية و / أو إسرائيلية على برنامج إيران النووي. قد يحدُث أيضا نتيجة لصراع يبدأ في الخليج لكنه يصل إلى حدود إسرائيل. ربما نتيجة للتحركات الإيرانية التحريضية (مثلما حاول صدام حسين في عام 1991 عرقلة الحملة العسكرية الأمريكية لطرد القوات العراقية من الكويت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل)".

إذا نشبت هذه الحرب فستُجبر إيران كلاً من حزب الله، وقوات الأسد على خوضها إلى جانب قواتها، وهنا "ستكون الحرب الشمالية القادمة في إسرائيل أوسع نطاقاً بكثير من الصراعات السابقة. قد تبدأ إسرائيل بحملة جوية مكثفة لمواجهة تهديد القذائف الصاروخية والمليشيات العدوّة، لكن التعامل الفعال مع هذا التهديد يتطلب عمليات برية واسعة النطاق. لن يقتنع أعداء إسرائيل فقط بإطلاق الصواريخ والقذائف على المنشآت العسكرية الإسرائيلية، والمراكز السكانية، والبنية التحتية الحيوية، لكنهم سيحاولون استخدام القوات البرية للتسلل إلى الخطوط الإسرائيلية، والاستيلاء على القرى الإسرائيلية المتقدمة والمواقع العسكرية الصغيرة".

أهداف إسرائيل من هذه الحرب ستكون واضحة جيداً: "تحطيم قوات العدو وإضعاف معنوياتهم، تعطيل تماسك محور المقاومة، زعزعة استقرار سوريا و / أو إيران، ببساطة إعادة تأسيس الردع وتحقيق فترة طويلة من الهدوء، والأهم: كم من هذه الأهداف قابلة للتحقيق؟"

"يمكن لإسرائيل أن تواجه احتمالاً مزعجاً: الجهود الروسية لإحباط استخدامها للقوة الحاسمة، وقلّة حماسة الولايات المتحدة، ودبلوماسية القوى العظمى غير الفعالة، يمكن أن تمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية الكاملة، قد لا تختلف النهاية تماماً عن خاتمة حرب تشرين أول/أكتوبر 1973".

الذي تحتاجه إسرائيل - بحسب المحللين الإسرائيليين- في هذه الحرب القادمة أمران اثنان:

*الأول: إبقاء القوات الأمريكية في سوريا:*

إن وجود وحدة عسكرية -ولو كانت صغيرة- في شمال شرق سوريا قد يثني المليشيات الشيعية الموالية لإيران عن الانتقال عبر هذه المناطق إلى الأمام مع إسرائيل في زمن الحرب، والحد من حركتها على بعض الطرق في جنوب شرق سوريا، وبالتالي تسهيل اعتراضها من قبل إسرائيل. لهذا السبب ومجموعة من الأسباب الأخرى، يجب على الجيش الأمريكي الاحتفاظ بوجود بري محدود في شمال شرق سوريا.

*الثاني: إبقاء الحرب قائمة:*

إن استمرار الحرب سيحدّ كذلك من قدرات قوات الأسد، والقوات الإيرانية، ومليشيا حزب الله وباقي المليشيات الشيعية، وسيُضطر قسم منها للبقاء على تلك الجبهات المفتوحة بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، وبالتالي يجب على حلفاء إسرائيل وخصوصاً الولايات المتحدة إعادة فتح برامج تسليح الفصائل المقاتلة بالتعاون مع السعودية والإمارات والأردن كما كانت، قبل أن يتخذ ترامب قراراً بإيقاف هذا الدعم - بحسب ما يرى المحللون الإسرائيليون-.

السلوك الروسي الغامض يمكن أن يجعل الحرب القادمة طويلة الأمد، والتحدي أمام الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية هو التوصل إلى تفاهمات مستدامة مع روسيا لضمان أن تلعب دوراً بنّاءً خلال الحرب، وفي الجهود المبذولة لإنهائها، بحيث تكون إسرائيل متأكدة من حرية العمل لتحقيق أهداف حربها، وقادرة على إنهائها وفق شروطها.

ضمن هذه المعطيات يمكن القول: إن هذا السيناريو لو حدث، فهو يعني أن عام 2019 سيكون عاماً ساخناً جداً، وقد تصبح الحرب إقليمية، فيما لو ضربت الصواريخ الإيرانية بعض العواصم الخليجية، أو نفّذت اعتداءات إرهابية ضد المصالح الأمريكية والغربية حول العالم.

ستكون الحرب الكبرى حينها قد بدأت فعلاً.