الثلاثاء 2017/08/08

مايكل راتني إذ يقرع أجراس وفاة “هيئة المفاوضات”

في مطلع الشهر العاشر عام   2011 أعلن 74 عضواً  تأسيس المجلس الوطني السوري في إسطنبول، وسط مطالبات بتوسعة المجلس، وانتهى الاجتماع التأسيسي الأول بضم 140 عضواً، ليصبح العدد 214، وسط مطالبات جديدة بتوسعته، ليصل العدد بعد شهرين ونصف فقط في الاجتماع الثاني للمجلس في العاصمة التونسية إلى 311 عضواً.

في 5/12/2011 اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، المجلس الوطني "ممثلاً رائداً وشرعياً للسوريين يسعى إلى انتقال سلمي ديمقراطي"، وأن الولايات المتحدة "ملتزمة بالمساعدة... في تحقيق هذا الانتقال، وفي 23/2/ 2012 أعلنت كلينتون أن المجلس الوطني السوري هو ممثل "ذو مصداقية" للمعارضة السورية.

في 2/3/ 2012، اعترف الاتحاد الأوروبي رسمياً بالمجلس الوطني السوري كـ"ممثل شرعي" للشعب السوري.

بدأ المجتمع الدولي يعلّق فشله في إيجاد حل سياسي استناداً إلى بيان جنيف 30 حزيران 2012 على ضعف تمثيل المجلس الوطني، وضعف رؤيته السياسية، وفيما المجلس الوطني منشغل بهاتين المسألتين، وعمل على توسعة وصلت بأعضائه إلى عدد زاد على 600 عضواً، ثم خفّضها إلى ما يفوق 400 عضواً، ووجّه لهم دعوة لحضور الاجتماع الثالث للمجلس في الدوحة بتاريخ 3/11/2012،  إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون استبقت ذلك بيومين في 1/11/2012  بإعلان وفاة المجلس الوطني، ومعلنة في الوقت نفسه ولادة "الائتلاف الوطني"  بقولها: " إنه حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني السوري وضم "من يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون اليوم في سبيل حريتهم" إلى صفوف المعارضة، وأضافت، أن اجتماعاً للمعارضة الأسبوع القادم في قطر سيكون فرصة لجذب المزيد من الناس إلى طاولة المحادثات، وانتقدت كلينتون المعارضة قائلة :  "لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص يتمتعون بخصال جيدة كثيرة لكنهم في كثير من الأمثلة لم يذهبوا إلى سوريا منذ 20 أو 30 أو 40 عاماً " ، وكذلك "عبّر مسؤولون أميركيون عن خيبة أملهم لعدم قدرة المجلس الوطني السوري على الخروج بخطة متماسكة وبسبب ضعف اتصاله بجماعات المعارضة المسلحة المتفرقة داخل سورية".

تمّ إثر ذلك تشكيل الائتلاف الوطني من 63 عضواً، بحضور ودعم دولي كثيف، والاعتراف به في الأمم المتحدة كمفاوض عن الشعب السوري، والاعتراف به في جامعة الدول العربية كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، ومنحه مقعد سوريا في الجامعة.

كحال المجلس الوطني استمر المجتمع الدولي في تبرير عجزه عن إيجاد حل سياسي بضعف تمثيل المعارضة مطالباً الائتلاف بتوسعة تتبعها أخرى، فكانت التوسعة الأولى بنسبة 100% تقريباً، ضمت إلى صفوف الائتلاف الكتلة الديمقراطية، والحراك الثوري، وممثلي الفصائل المسلحة، ثم تبعتها توسعات شملت ضمّ المجلس الوطني الكردي، والايزيدي، والتركماني، وآخرها التوسعة النسائية، وفتح حوارات عديدة مع هيئة التنسيق، وحتى تيار بناء الدولة، لكن كل ذلك لم يشفع للائتلاف، فتمّ نعيه أيضاً والإعلان عن وفاته في مؤتمر فيينا 2، من قبل مجموعة العمل الدولية، وبشكل متزامن مع تكليف الرياض بتشكيل هيئة المفاوضات، جاء في بيان فيينا " ورحبت المجموعة بالعمل مع المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا وآخرين، لجمع أوسع طيف ممكن من المعارضة، والذين سيتم اختيارهم من قبل السوريين، ليقوموا باختيار ممثليهم في المفاوضات وتحديد مواقفهم التفاوضية، وذلك لتمكين العملية السياسية من الانطلاق".

خاض الائتلاف خلال فترة حياته السياسية جولة مفاوضات جنيف 2 التي انهارت يومها.

اعترفت الأمم المتحدة بهيئة المفاوضات بقرارها 2254، لكن بطريقة ضعيفة، حيث وضعت إلى جانبها في نفس القرار منصتي القاهرة وموسكو، وهو ما فتح أمامها معضلة التمثيل من جديد، وكانت جولات جنيف من الثالثة إلى السابعة تكاد تقتصر على القضايا الإجرائية فيمن يمثّل وفد المعارضة، وكانت المفاوضات أشبه ما تكون بينيّة بين منصات المعارضة إلى أن توصلت في افتتاح جنيف 4 للجلوس على ثلاث طاولات متجاورات، ليعود الخلاف في الجولات التالية حول هذه النقطة من جديد، وكانت إحدى أسباب عدم بدء المفاوضات المباشرة مع النظام.

حاول دي مستورا الالتفاف على هذه العقدة المستعصية باقتراح الآلية التشاورية في جنيف 6، تجمع وفوداً تقنية عن المنصات الثلاث في لوزان، وهنا بعيداً عن أنظار "هيئة المفاوضات" تمّ التوصل إلى تفاهمات عديدة بين ممثلي المنصات الثلاث أودعوها في ثلاث وثائق تقنية، وفيما بدا حدوث تقارب في العلاقة بين المنصات على هامش جنيف 7، إلا أن هيئة المفاوضات لم تقر وثائق لوزان، ففيها ما يختلف مع رؤيتها السياسية، ووثيقتها التأسيسية، وعند حضور المنسق العام لهيئة المفاوضات إلى جنيف نهاية هذه الجولة بدا أيضاً أن الأمور عادت إلى نقطة الصفر، وأن هذه التفاهمات والتقاربات قد انهارت تماماً، ما دعا منصتي القاهرة وموسكو للتعبير عن استيائهما علناً من المنسق العام للهيئة، وتحميله والهيئة إفشال هذا التقارب.

كان خبر هذه الوثائق والتفاهمات قد وصل إلى الولايات المتحدة، لذا قرر المبعوث الأمريكي مايكل راتني حضور جنيف 7 للاطلاع على الوضع عن كثب، ومباركة هذه النتائج، لكنه فوجئ بموقف هيئة المفاوضات الرافض لها، الأمر الذي أعاده على عجل إلى بلاده، وهناك فيما يظهر تمّ اتخاذ قرار تكليف راتني ببدء العمل على إنهاء دور "هيئة المفاوضات"، والعمل على تشكيل تمثيل جديد للمعارضة السورية.

صدر التصريح الأول عن الموقف الأمريكي في اجتماع راتني يوم 20/7/2017 في عمّان بممثلي الفصائل المسلحة حين قال لهم: " إن المعارضة السورية ليس لها تمثيل سياسي، وأن وفد جنيف لا يعبّر عن المعارضة بشكل حقيقي، وأن على فصائل الجيش الحر أن تعمل على اختيار ممثلين عنها ليكونوا هم المفاوضين في المرحلة القادمة"، تبعه يوم 23/7/2017 نفس التصريح من ضباط أمريكيين في اجتماع مماثل مع الفصائل.

وعلى خُطا المجلس الوطني والائتلاف، ولتلافي تبعات ما حصل في جنيف 7، قرّرت هيئة المفاوضات العمل على توسعة تشمل ضمّ عدد من الشخصيات الوطنية، وضمّ منصتي القاهرة وموسكو لها لكن على أساس الموافقة على بيان الرياض، والرؤية السياسية للهيئة، وشكّلت لجنة للعمل على الشق الأول، فيما أرسلت رسائل للمنصتين تدعوهما للاجتماع في الرياض، وبحث هذه التوسعة، إضافة لوثائق لوزان التقنية، لكن الهيئة فوجئت بالرفض السريع من المنصتين لهذه الدعوة، وهو ما كانت هيئة المفاوضات شبه متأكدة منه، فالمنصتان تريان في هذه الدعوة وتحديد الاجتماع في الرياض رسالة سياسية مفادها أن الهيئة هي الممثل الوحيد للمعارضة، وأن على المنصات الأخرى أن تذوب فيها.

لم تكن قرارات الهيئة هذه كافية، كان مطلوباً منها الموافقة على وثائق لوزان التقنية، وتشكيل وفد موحّد مع المنصات على قاعدة التفاهمات الجديدة المتضمنة لرؤية منصتي موسكو والقاهرة للحل السياسي، وخصوصاً في التخلي عن رحيل الأسد كشرط مسبق، وإمكانية القبول بوجوده في المرحلة الانتقالية.

هذا يفسّر الأحداث الدراماتيكية اللاحقة، فبعد انتهاء اجتماع هيئة المفاوضات بداية هذا الشهر، الذي لم يسفر عن التغيير المطلوب منها، كان لابد من إبلاغها الرسالة الأمريكية التي بدأ راتني بنشرها كما ذكرنا سابقاً، وهي تغيّر موقف المجتمع الدولي عموماً، والموقف الأمريكي خصوصاً اتجاه أولويات الحل في سوريا، وأن التركيز الآن منصبّ على مكافحة الإرهاب، وأن بعض الدول الكبرى لا ترى مشكلة في بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، وأن هذه الدول ترى ضرورة أن تراعي الهيئة الوقائع الجديدة على الأرض، وأن تصوغ رؤية سياسية جديدة بمشاركة منصتي القاهرة وموسكو استناداً إلى هذه المعطيات، وتشكل وفداً موحداً إلى جنيف 8، هذا إن لم تتوصل إلى اندماج بينها وإطلاق منصة سياسية واحدة منها جميعاً، أو أن هذه الدول ستعمل على تأسيس هذه المنصة الجديدة.

الآن منصتا القاهرة وموسكو تطالبان بعقد الاجتماع في جنيف، وهو ما هربت منه هيئة المفاوضات بغاية فتح هذه الحوارات بعيداً عن دي مستورا والأجواء الرسمية في جنيف، أو بحضور خبراء الأمم المتحدة، فتاريخ دي مستورا معروف في توريط المعارضة تحت عناوين غير رسمية، وغير ملزمة، وفنية فقط، ثم يعمل على جمعها، ويقدمها كأساس جديد في العملية التفاوضية.

ستصرّ الهيئة على تفادي جنيف، وستمتنع منصتا موسكو والقاهرة عن الحضور للرياض، وستحلّ المشكلة بواحدة من الطرق الثلاث التالية:

أولاً: إلغاء الاجتماع بالكلية، وترحيل الموضوع إلى جولة جنيف القادمة، وتكرار التنازع هناك على طبيعة وأحقية التمثيل، وهو مستبعد.

ثانياً: مضيّ هيئة المفاوضات في مشروع التوسعة الخاص بها دون مشاركة المنصتين، وهو أيضاً مستبعد.

ثالثاً: الاتفاق على عقد الاجتماع في مكان ثالث، وهو ما بدأت بعض المصادر بتسريبه، وأن الأردن تعدّ العدّة منذ فترة لاستضافة مؤتمر للمعارضة السورية على أراضيها يثمر عن تشكيل جديد يتفق مع الرؤية الدولية الحالية للحل السياسي، وهي التي كانت كُلِّفت في فيينا 2 بالجزء العسكري من حيث تصنيف الفصائل المسلحة السورية.

الاجتماع في الأردن سيجنّب السعودية الحرج من تغيّر مواقف المعارضة، ولا يسبب حرجاً للأردن فهو لا يستضيف معارضة تريد إسقاط النظام في دمشق، بل معارضة أشبه ما تكون تريد بقاءه، وعقد تسوية سياسية معه، وهو ما ألمح إليه الجربا في مؤتمره الصحفي قبل أيام قلائل، مع الاحتمال القوي بتربّعه على رئاسة التشكيل السياسي الجديد.