الأثنين 2018/02/05

كيف باعت روسيا الأسد في سوتشي؟

انتهى مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه روسيا، باتفاق "على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية، ووفد معارض واسع التمثيل، وذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري، يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254".

وناشد المؤتمرون " أمين عام الأمم المتحدة أن يكلف المبعوث الخاص لسوريا بالمساعدة في إنجاز أعمال هذه اللجنة الدستورية في جنيف".

لجنة دستورية، وتسوية سياسية.. عبارتان كافيتان لإنهاء حلول يمكن ان تأتي من مسار أستانا العسكري، الذي إما سيتوقّف، أو سيتابع طريقه في اتفاقات موضعية وثانوية حول تخفيف تصعيد هنا ومصالحة هناك ودخول قافلة مساعدات لقرى وبلدات صغيرة، أو تبادل سجناء، ونزع ألغام، فالمسار لن يكون له أي أفق في أن يضم الملف السياسي إلى جدول أعماله كما كان الروس يأملون، وهم انصاعوا أخيراً للرفض الدولي لخطّتهم هذه.

مناشدة الأمم المتحدة لقبول مخرجات سوتشي، وطلب تكليف المبعوث الخاص في نقل هذه المخرجات إلى مسار جنيف الأممي، أيضاً سيكون كافياً لإقفال سوتشي وعدم تكراره، أو نقله إلى دمشق كما كان يروّج له النظام.

للحصول على الصورة الحقيقية لما جرى في سوتشي، سنستعرض الأوراق والتصريحات التي ترافقت مع عقد المؤتمر.

أولاً: البيان الختامي بحد ذاته أنهى سوتشي بشكل كامل حين نصّ على " اللجنة الدستورية ستضم -بالحد الأدنى -ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية - السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبَلية ونساء. مع إيلاء العناية الواجبة لضمان التمثيل الدقيق للمكونات العرقية والدينية في سوريا. على أن يكون الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، ونناشد الأمين العام للأمم المتحدة أن يكلف المبعوث الخاص لسوريا بالمساعدة في إنجاز أعمال هذه اللجنة الدستورية في جنيف".

هذا النص يفيد ثلاث قضايا:

1- المشاركون في سوتشي لن يكونوا لاحقاً، وبشكل حصري أعضاء اللجنة الدستورية، بحيث تحرم منها المعارضة المقاطعة للمؤتمر، بل ستكون المعارضة المشاركة في جنيف من المكونات الرئيسية فيها. هذه الفقرة ستتكرر في أكثر من تصريح، والمفارقة أنها أيضاً صدرت عن الروس كما سيأتي، وهي كافية للقول إن سوتشي فقد قيمته السياسية تماماً.

2- الصلاحيات الواسعة الممنوحة للأمم المتحدة في وضع الضوابط اللازمة لتشكيل وعمل هذه اللجنة.

3- سحب الملف من سوتشي، وإعادته للمبعوث الخاص، لينجز أعمال اللجنة الدستورية في جنيف.

ثانياً: تصريحات دي ميستورا التي أعلن فيها عدة أمور مهمّة:

1- سيشكل دي ميستورا لجنة صياغة الدستور السوري الجديد بناءً على 3 لوائح مقترحة من الدول الثلاث الضامنة "روسيا تركيا إيران"، تتضمّن كل لائحة 50 شخصية، يختار من بينها 45-50 شخصية "بناء على مشاورات مع وفدي المفاوضات السوريَّين في جنيف والجهات المعنية الأخرى".

2- التأكيد على مسار وحيد هو جنيف: قال دي ميستورا: "إننا لا نريد مساراً موازياً أو منافساً لجنيف، ولذلك ستصبح اللجنة الدستورية حقيقة واقعة ولكن ضمن مسار جنيف وليس في أي مكان آخر".

3- الهدف النهائي للجميع هو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بشكل كامل، فالدستور الجديد " ستجري على أساسه الانتخابات البرلمانية والرئاسية"، بمعنى أننا نحن أيضاً أمام انتقال سياسي، وهو ما يتوافق مع القرار 2254.

ثالثاً: بيان الخارجية التركية أكّد أنه "وخلال قيام المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا بتشكيل هذه اللجنة سيكون بمستطاعه أن يعين أسماء من داخل أو من خارج قائمة الـ 150 شخصاً".

رابعاً: تصريح المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا لافرينيتييف، أن المشاركين في مؤتمر سوتشي صدقوا على قائمة أعضاء اللّجنة التي تضم 150 شخصا،وأن التشكيلة النهائية للجنة وكذلك إطار عملها سيحددهما دي ميستورا، الذي بإمكانه إدراج أفراد آخرين فيها"، وأوضح عن هؤلاء الأفراد بقوله: إن هذه الهيئة قد ينضم إلى عملها ممثلون عن مجموعات المعارضة السورية، التي لم تشارك في مؤتمر سوتشي.

خامساً: ورقة الدول الخمس توصي "في مفاوضات جنيف الابتعاد عن الجولات الفردية، والاتجاه إلى عملية سياسية متواصلة، مع تمكين المبعوث الخاص للأمم المتحدة من دعوة الأطراف حسب الحاجة للمشاركة الفاعلة ضمن فرق عمل تركز على الدستور والانتخابات وغيرها من القضايا حسب مناسبتها، وسيرافق ذلك مجموعات عمل تركز على وضع تدابير بناء الثقة مثل ملف المحتجزين، وإعادة تفعيل فرق العمل المعنية بوقف إطلاق النار، وايصال المساعدات الإنسانية". إذن ورقة الدول الخمس تعيد إلى جنيف جميع ملفات مسار أستانا العسكري، وتربطها بالملفات التفاوضية السياسية.

الذي يجمع الصورة الكاملة لمشهد سوتشي هو الشخص الذي أجبر روسيا على تعديل كثير من إجراءات ومضامين المؤتمر، مقابل الم

وافقة على حضور الأمم المتحدة إلى سوتشي، فغياب المنظمة الدولية كان سيفقد سوتشي شرعيته.

هو "غوتيريس" الأمين العام للأمم المتحدة الذي أرسل رسالة للروس يفرض فيها شروطه للسماح لمبعوثه "دي ميستورا" بالحضور، وهو في تصريحه عقب أعمال المؤتمر أفصح شيئاً عن مضمون رسالته معتبراً إياها من نتائج المؤتمر.

تصريح "غوتيريس" تضمّن التالي: جاءت مشاركة الأمم المتحدة في اجتماع سوتشي على أساس تفاهم مشترك بين الجانب الروسي والأمم المتحدة على طبيعة المؤتمر، ومخرجاته، وكيفية مساهمته في دعم مسار جنيف". وتابع قوله: "سأركز على ثلاثة نقاط أساسية في البيان الختامي لسوتشي:

أولاً: اعتمد البيان رؤية لسوريا لكل السوريين، وفقاً لما عكسته النقاط ال 12السورية – السورية الحية التي طرحها مبعوثي الخاص لسوريا السيد ستافان دي ميستورا في نهاية العام الماضي.

ثانياً: أكد المؤتمر ضرورة إنشاء لجنة دستورية تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وهناك تفاهم على أن هذه اللجنة ستضم -بالحد الأدنى -ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية- السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء، بالإضافة إلى تمثيل مناسب للمكونات العرقية والدينية في سوريا.

ثالثا: أقر المؤتمر بشكل واضح أن الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية سيتم عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف.

نستطيع أن نقول: إنّ روسيا باعت النظام في سوتشي، فهي:

أولاً: جعلت البيان الختامي ورقة المبادئ الاثني عشر التي اتفقت عليها المعارضة مع الأمم المتحدة في جولات جنيف التفاوضية، وأهملت ورقة المبادئ التي قدمها النظام في جولة جنيف 3.

ثانياً: أكّدت مبدأ الانتقال السياسي من خلال تسوية سياسية وفق القرار 2254، الذي يتضمّن في مقدمته التنفيذ الكامل لبيان جنيف والقرار 2118، " بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة، تخوّل بسلطات تنفيذية كاملة".

ثالثاً: أحدثت خرقاً مهمّاً في مبدأ "السيادة الوطنية" الذي يرفعه النظام للتحكم الكامل بأي عملية تغيير أو إصلاح دستوري، وإصراره على تنفيذها في دمشق وتحت سلطته، بينما نصّ البيان الختامي على أنّ "الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف".

رابعاً: الخرق الأكبر للسيادة الوطنية سيظهر في الصلاحيات الممنوحة للأمم المتحدة في الإشراف والرقابة على العملية الانتخابية حسب ورقة الدول الخمس التي ستوافق عليها روسيا مقابل تمرير اللجنة الدستورية حسب مخرجات سوتشي، فالأمم المتحدة سيكون لها دور في كافة العمليات اليومية المتعلقة بإدارة الانتخابات والشكاوى الانتخابية وعملية تسجيل الناخبين، وحق إقرار نتائج الانتخابات والاستفتاءات خلال المرحلة الانتقالية أو رفضها.

خامساً: أعطت المعارضة حق تشكيل ثلثي اللجنة الدستورية، فثلث تركيا سيذهب باتجاه هيئة التفاوض والائتلاف والفصائل، والمعارضة الكردية والتركمانية المقرّبة من تركيا، وثلث روسيا سيذهب باتجاه منصات موسكو والقاهرة وأستانا، ويبقى ثلث إيران للنظام، وسيعمل دي ميستورا على ألّا يحصل النظام على ثلث معطِّل لعمل اللجنة، أو سيختار لها نظام تصويت يتفادى ذلك.

معنى هذا الكلام أن روسيا عرّت النظام تماماً من أوراقه التي كان يعطّل بها مسار جنيف، ولم يبق له ولإيران إلّا تخريب العملية التفاوضية، والمضي في إثارة الفوضى على الأرض، لكنه هذه المرة سيكون موضع لوم ومساءلة من الروس أنفسهم، ولا يستبعد رفع الغطاء الدولي عنه الذي كانت تؤمّنه روسيا له في مجلس الأمن.

لماذا فعلت روسيا ذلك؟

تفاهمات دولية، وتبادل مصالح، لعلّ هذا هو السبب الأول، لكن يضاف إليه أيضاً الملل والتذمر الروسي من بشار الأسد ونظامه، والعجز الكبير الذي يظهر منه في المعارك على الأرض، والاعتماد الكلي على الجيش الروسي في الفترة الأخيرة، وكأن الروس يخوضون حرباً بالوكالة عن بشار الأسد، ويرى الروس أنه إن لم يتم تدارك الأمر فـ"الدولة السورية" ستنهار بالكلية، وهو ما لا تحتمله المنطقة بأي شكل من الأشكال، وعامل آخر، أنه لو مضى الروس في المستنقع السوري إلى نهايته فالحصيلة سيحصدها ملالي إيران، الأكثر انتشاراً برياً، وسيطرة على قرارات النظام.

الخلاصة أن المعارضة السورية بجميع أطيافها أمام فرصة قد لا تتكرر قريباً، وأن عليها ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها، والتنسيق فيما بينها لتقديم مشروع وطني دستوري وانتخابي يضمن عملية انتقال سياسي حقيقي يتخلص فيه الشعب السوري من نظام آل الأسد.

وجود غوتيريس على رأس المنظمة الدولية يعتبر فرصة ثانية قوية جداً، وعلى المعارضة التعاون مع الأمم المتحدة، في وضع المعايير التي تمنع شخصيات النظام المدرجة على لائحة العقوبات الدولية من المشاركة في اللجنة الدستورية، ومنعها كذلك من الترشح في الانتخابات البرلمانية، أو المشاركة في الحكم الجديد، وصولاً إلى إدراج رأس النظام على لوائح العقوبات الدولية وملاحقته كمجرم حرب ومنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.


مركز الجسر للدراسات