الجمعة 2017/10/27

في مفاجأة غير متوقعة..السعودية تدعو المعارضة السورية لـ “الرياض 2”

الملك سلمان العائد من الزيارة التاريخية لموسكو في هدف واحد فقط، تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وكبح جماح تمدده، هذا الهدف الذي يعتبر أعلى استراتيجيات المملكة اليوم، والمهدد الأول لاستقرارها الأمني والاقتصادي والسياسي، في جميع أبعاده الداخلية والخارجية، لم يسمع الملك من الروس ما يهدّئ مخاوفه، كما لم يسمع ذلك من ترامب من قبل. تتلاقى المصالح الأمريكية والروسية وحتى الأوربية في إبقاء التهديد الإيراني بالمستوى الذي يبقي شهية سوق السلاح مفتوحة.

بالطبع الملك وضع على طاولة المفاوضات مع الروس ملفات عديدة:

صفقات السلاح، وأسعار النفط، والتطبيع مع إسرائيل، لكن بوتين يعلم أن الخليج منطقة نفوذ أمريكية غربية لا أمل له في المنافسة عليها بأي شكل من الأشكال، وهو في سبيل إقرار هذا الوضع يريد إجبار الجميع على الاعتراف بنفوذه في سوريا التي تتيح له أحوالها اليوم بسط نفوذه إقليمياً في أكثر من موضع في المنطقة.

موسكو كان لها جوابان مختلفان حول عقد الرياض 2، في لقاءي الملك السعودي، والمبعوث الأممي دي ميستورا، فهي عند طرح هذا الموضوع من طرف الرياض على وجه بيان الأوراق التي تملكها السعودية في سوريا، وقدرتها على جمع المعارضة والتحكم بقراراتها، كان جواب الروس اذهبوا واعقدوا المؤتمر، فهم يعلمون يقيناً أن المؤتمر في شكليه المحتملين سيصب في مصلحتهم سواء في حال فشله بعدم حضور منصتي القاهرة وموسكو، واقتصاره على هيئة المفاوضات العليا -بهيكلها الحالي مع توسعة غير ذات قيمة فيها، وستبقى المنصات الأخرى محتفظة بكياناتها، وستعجز المعارضة عن الدفع بوفد واحد إلى جنيف 8، مما سيعطّلها كما حدث في الجولات السبع السابقة- أو في حال حضور المنصات جميعها للرياض 2، فهذا مكسب كبير أيضاً لموسكو، حلفاؤها سيكونون الأن هم الأكثر عدداً وتأثيراً، وسيأخذون المفاوضات إلى المكان الذي تريده روسيا بالضبط.

الجواب الثاني سمعه دي ميستورا، الذي عاد من كابوس روسي ولقاء سيئ، وتحذيرات أشبه بتهديدات من المضي في مسار جنيف، وضرورة إيقافه إلى أن تتبلور نتائج أستانا وحميميم، لا بل تم توجيه الدعوة له لحضور حميميم، ومن بعدها دمشق إذا سارت الأمور كما يخطط لها الروس الذين أبلغوا المبعوث الأممي أيضاً أنهم يعملون على إقناع الأسد، أو الضغط عليه بإدخال إصلاحات دستورية يجري تحتها انتخابات رئاسية مبكرة بإشراف دولي، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع النظام والمعارضة، وعلى دي ميستورا المشاركة حتى في مؤتمر دمشق، وإلا فالفشل سيكون مصير أي جولة يدعو إليها في جنيف .

الأمين العام للأمم المتحدة أعلن فور إبلاغه بنتائج لقاء مبعوثه في موسكو، عن تكليفه بعقد الجولة الثامنة في أقرب وقت ممكن، كذلك استنجد دي ميستورا بمجلس الأمن وحلفائه الأمريكيين والأوربيين لإنقاذ المسار الأممي، والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، فكانت الاستجابة بإعطائه الضوء الأخضر للإعلان عن جولة جديدة من مفاوضات جنيف في 28 تشرين ثاني/نوفمبر أي بعد شهر من اليوم.

السعودية من طرفها أيضاً بعد ترددها في عقد الرياض 2، وتأخيره لمدة عام كامل تقريباً، أيضاً وكردة فعل على ما حدث في موسكو أرسلت رسائل فورية لهيئة المفاوضات والقوى السياسية والعسكرية المنضوية فيها بضرورة عقد الرياض 2 بداية شهر تشرين ثاني/نوفمبر.

أحجية سياسية من المشاريع المتقاطعة، تشبه الكلمات المتقاطعة ستكون عنوان الأسبوعين القادمين، قد لا تكون الحالة السورية مرّت بها من قبل، فأستانا ثم حميميم ثم جنيف في سباق محموم، يبدو جنيف فيه حصان سباق خاسر حتى رعاته لا يراهنون عليه، إنما أدخلوه لتخريب السباق لا أكثر.

ستبدأ الورقة بعرض فرص مؤتمر الرياض الذي سينعقد تحت عنوانين رئيسيين:

1- توحيد رؤية المعارضة حول التسوية السياسية.

2- توحيد الوفد المفاوض.

العنوان الأول يعني أن بيان الرياض 1، المتضمن " وشدد المجتمعون على أن يغادر بشار الأسد، وأركان ورموز حكمه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية". لم يعد صالحاً، وأن هذه الفقرة بالذات تحتاج إلى رؤية جديدة واقعية تنسجم مع الأحداث الجارية على الأرض.

هذه الفقرة غير قابلة للتبديل، وهي حال طرحها من قبل هيئة التنسيق ستسبب شرخاً عميقاً يصل إلى حد استقالة المنسق العام لهيئة المفاوضات، أو انقسامها وانسحاب نصف مكونات الهيئة منها: الائتلاف والفصائل، وبعض الشخصيات المستقلة. هذا فقط في جانب هيئة المفاوضات فيما لو استطاعت لجنة التوسعة فيها فرض توسعة صغيرة من عشرين شخصية، وهو ما سيحدث غالباً، ولن تستطيع الهيئة استمالة المنصات الأخرى بالانضمام إليها تحت سقف رؤيتها السياسية الحالية.

الأمر الثاني: الرياض 2 يعقد دون غطاء دولي داعم له، وخصوصاً من الطرف الأمريكي الذي لا يزال يرسل الرسائل بعدم الفائدة من عقده، فليس في الأفق ما يدعو له، وترى أنه تكتيك قصير الرؤية جداً من السعودية، فيما تعمل الإدارة الأمريكية على استراتيجية طويلة المدى في قضايا عديدة تتفق السعودية معها في بعضها، مثل مواجهة التمدد الإيراني، لكن حتى في نقطة الالتقاء هذه هما تختلفان في مستوى النفوذ الإيراني المقبول من الطرفين.

إذن الرياض 2 هو فقط رسالة سعودية تحاول من خلالها البقاء في دائرة التأثير على الوضع السوري، بما يتيح لها تحصيل بعض المكاسب مقابل إيران، لكن هيئة المفاوضات إذا خطت باتجاه هذا المؤتمر خطوات غير محسوبة بدقة، وبدون تفاهمات مع الدول ذات الشأن الأخرى ستجد نفسها خارج الخارطة السياسية تماماً، سيكون غيرها حاضراً في المفاوضات خصوصاً إذا فشلت في ضم المنصات إليها، وقد تجد جزءاً منها في جنيف وحميميم وأستانا، بل وفي دمشق أيضاً، ولا يستبعد أن يحافظ هذا الجزء المنشطر من الهيئة على اسم "هيئة المفاوضات العليا" ويبقي الشرعية الدولية الممنوحة للهيئة بالقرار 2254 في جعبته.

فرص مؤتمر حميميم، تبدو قوية، والدول الضامنة لأستانا بين تأييده، وعدم الاعتراض على عقده، وهو سينقل كل ملفات أستانا الستة العسكرية السابقة إليه، إضافة لملفات أستانا 7 السياسية التفاوضية: الحكم والدستور والانتخابات، التي ستفتح مقابل قبول النظام بفتح ملفات المعتقلين، والنازحين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

أستانا 7 هو ختام هذا المسار، وكان يفترض بالأصل عدم عقده والانتقال فوراً إلى حميميم، لكنه ينعقد بطلب الفصائل التي تريده فقط كجسر وتبرير لمشاركتها في حميميم.

الروس يرون أن الأوضاع العسكرية في سوريا قاربت الوصول إلى نهاياتها، فتنظيم الدولة مندحر ولا يملك سوى 5% تقريباً من الأرض، والنصرة أقل من ذلك، ومناطق خفض التصعيد توشك أن تشمل عموم البلاد.

أمريكا ليست بعيدة عن هذه الرؤية لكنها تأسيساً على تجربتها في العراق تريد ضمان عدم عودة تنظيم الدولة بمظهر أكثر تطرفاً ووحشية في مناطق العشائر العربية السنّيّة بسبب إحساسهم بالتهميش، لذا هم مهتمون بتثبيت فكرة الإدارات المحلية، وتطلب من الدول الخليجية وخصوصاً السعودية تمويلها بما يضفي نوعاً من الغطاء العربي السنّي لها، ويمهّد لعودة النازحين إلى المناطق التي ستستمر تحت إدارة المعارضة قبيل الوصول إلى الشكل النهائي للحكم الجديد.

حميميم سيبدأ هادئاً يهدف في جولته الأولى إلى الدفع بوجوه جديدة من المعارضة إلى الواجهة، بالطبع هي المعارضة المصنّعة في دمشق، وموسكو، والقاهرة، وبعض السياسيين الانتهازيين، لكنه سيتسارع لاحقاً، ويلغي مسار جنيف بشكل دائم أو مؤقت، إلى أن يصل إلى اتفاقات في ظل تفاهمات دولية تعيدها إلى الأمم المتحدة، لتأخذ بها قراراً جديداً، من المؤكد أنه لن يتطرّق إلى مصير بشار الأسد، بمعنى استمراره وخوضه الانتخابات الرئاسية.