الثلاثاء 2018/07/10

عشرة أيام من عام 2016 غيّرت التاريخ في سوريا

30 أيلول/سبتمبر 2015، سلاح الجوّ الروسيّ يبدأ بتوجيه ضربات جويّة في الأراضي السوريّة، بعد أن طلب بشار الأسد دعمًا عسكريًا من موسكو، حصل فلاديمير بوتين فلاديمير على تفويض من مجلس الاتحاد الروسي في استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.

كان نظام الأسد ينهار على جميع الجبهات، والعاصمة دمشق محاطة بالمقاتلين من كل جهاتها، بل ضمن أحيائها الشرقية والجنوبية، لم يكن التدخل الإيراني وحزب الله بالعامل الذي يؤهل النظام لحسم الحرب.

على الصعيد السياسي كان الروس قد وصلوا إلى طريق مسدود لإنقاذ النظام عبر قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف وجهود المبعوث الدولي الخاص ستافان دي مستورا. شهد شهر أيلول/سبتمبر فشل آخر خطة عمل قدمها الوسيط الدولي المتضمّنة مجموعات العمل الأربع.

شهر واحد أوّل من موجة العنف الروسية الجنونية، غير المسبوقة بمستويات القتل والتدمير التي قامت بها، كانت كافية ليخضع المجتمع الدولي لبوتين خضوعاً شبه كامل، ويسلّمه مفاتيح الملف السوري ليتولّى إدارته إلى يومنا هذا، وقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بعدها موقف المتفرج مما يحصل، مع تنديد واستنكار بين الفينة والأخرى، ومع ضربات أمريكية على استخدام النظام للكيماوي لا تقدّم ولا تؤخر في مجريات رحى المعركة الدائرة على الأرض.

هذا الخضوع الدولي السريع لن يكون مفهوماً، عام دامٍ من التدخل الروسي، كان يُمنى بالفشل كالتدخل الإيراني وحزب الله، وكادت روسيا تضيع فيه في المستنقع السوري، وتصل إلى ما وصلت إليه في أفغانستان، استعصى فيه شرق حلب على السقوط بيد الروس رغم اتفاقات عديدة كانت تُنقض واحداً تلو الآخر، إلى أن سلّمت الفصائل حلب 13 كانون الأول/ديسمبر 2016.

في تحليل سابق نشره مركز الجسر للدراسات قبل عام تقريباً (23/7/2107) بعنوان "الخمسون يوماً الأخطر للدبلوماسية الروسية في الملف السوري"، تطرّق البحث لهيمنة الروس على العملية السياسية والتفاوضية برمّتها بانعقاد مؤتمر فيينا 1 بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2015، أي على رأس شهر من التدخل الروسي كما أسلفنا. كانت النتيجة عودة إيران كلاعب سياسي رئيسي بعد أن استُبعدت في جولة مفاوضات جنيف 2 عام 2014، والنتيجة الثانية صدور القرار 2254بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 الذي وضع قواعد جديدة للحل في سوريا، يأتي عبر الدستور أولاً، ثم الانتخابات، وتجاوزت قضية "هيئة الحكم الانتقالي" كتوصيف حصريّ للحالة الانتقالية في البلاد كما كانت في بيان جنيف 2012، والقرار 2118 عام 2013. هذه القواعد الجديدة التي ستحكم العملية السياسية كان لا بدّ لها من مسار سياسي منفصل عن مسار جنيف، فالرؤية الروسية للحل حسب القرار 2254 أوكلت للروس ليعملوا على الوصول إليها؛ لذا تمّ تعطيل مسار جنيف مطلع عام 2016 بعد جولته الثالثة لإعطاء الذريعة للروس بضرورة فتح مسار موازٍ يساير تطورات الواقع العسكري الذي تخطّه روسيا على الأرض.

بعد عام ويومين من صدور القرار 2254، ظهر إلى الوجود بشكل رسمي مسار أستانا حين اجتمع بتاريخ 20كانون الأول/ديسمبر 2016 في موسكو وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وأعلنوا عن " نظر الوزراء الثلاثة باهتمام الى دعوة رئيس كازاخستان لإجراء لقاءات حول مستقبل سوريا في أستانا" كما جاء في البيان الختامي للاجتماع.

عشرة أيام فقط غيّرت تاريخ الثورة السورية بين 20كانون الأول/ديسمبر 2016، و30كانون الأول/ديسمبر 2016، اليوم الذي دخل فيه حيّز التنفيذ اتفاق "نظام وقف الأعمال القتالية"، والذي وقّع عليه "قادة فصائل المعارضة المسلّحة السورية". كان من بين الموقّعين جيش الإسلام، وفيلق الرحمن، إضافة إلى أحد عشر "جيشاً" و "جبهةً" و "فرقةً" و "لواءً" و ""تجمّعاً" آخر.

بينما كان عام التدخل الروسي المكلف جداً دليل فشل موسكو، إلا أن الفصائل ذهبت عكس ذلك تماماً، بعد أسبوع واحد من سقوط حلب بعد حصار طويل، وتدمير شبه كامل لها، وخسائر عالية مادية وبشرية في صفوف الروس والإيرانيين والنظام، ذهبت الفصائل بشكل جماعي إلى توقيع اتفاق خفض التصعيد، فيما كان عليها إبقاء جبهاتها مفتوحة، إن لم يكن فتح جبهات جديدة تعويضاً لجبهة حلب.

فلسفة روسيا في خفض التصعيد كانت تستند إلى أمر واحد: النظام لا يمكنه فتح القتال في جبهتين، سيخسر في واحدة منهما لا محالة. كان الخزّان البشري لجيشه يُستنزف بشكل غزير، وهو غير قادر على تعويضه، بل هو يهدّد على المستوى البعيد انقراض الطائفة التي ورّطها الأسد في حربه، فمعدلات نموّها الديموغرافي تعتبر من أدنى معدلات نمو في البلاد مقابل الطوائف الأخرى.

حسب تقرير مركز دراسات إسرائيلي كانت هذه المشكلة هي التي تحكم تحرّكات النظام على أرض المعركة، "طوال فترة الصراع قاتل النظام بطريقة مجزّأة. حتى عام 2015، كان أي تقدّم تقريبًا على أحد الجبهات يعني خسارة على أخرى. على سبيل المثال، عن

دما اعتدى النظام على حمص، فقد الأرض في إدلب. لم يكن لديه القوة البشرية الكافية لإجراء اعتداءين على الجبهة حتى بمساعدة حزب الله والمليشيات.

حتى عندما كانت القوة الجوية الروسية الضخمة تميل بميزان القوى لصالح النظام في خريف عام 2015، فإن الخسائر في الأرواح، والقوة القتالية المتقادمة تعني أنه لا يمكن إلا تعزيز القبضة عشوائياً في البلاد. كان على النظام أن يقرر على أي جبهة يتقدم: شرق حلب أو حمص، أم ضد تنظيم الدولة جنوب دمشق، أم في مدن الغوطة الشرقية ضد الفصائل الأخرى. هذه المعارك لا يمكن أبداً أن تجري في وقت واحد".

جاء اتفاق خفض التصعيد ليسمح للنظام بالتقدم على جبهة واحدة في كل مرة يفتح فيها قتالاً بعد توقيع الاتفاق. ويقوم بتهجير عدد من المقاتلين وعائلاتهم إلى الشمال في إدلب، كان هذا عاملاً مساعداً على انقسام الفصائل على نفسها، والاقتتال بينها قبل تهجيرها من مناطق سيطرتها، وبعد تجميعها شمال البلاد.

روسيا وكي تثبّت هذا الاتفاق دولياً ذهبت به بعد 24 ساعة من توقيعه إلى الأمم المتحدة، وجعلته من وثائق القرار 2336 تاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر 2016، ونالت ترحيباً من مجلس الأمن على جهودها التي ستبذلها في مسار أستانا القادم.

فُتح مسار أستانا رغم انتهاك الروس والنظام لاتفاق خفض التصعيد، بل إنه في كل جولة من جولات أستانا كانت تسقط منطقة من مناطق الجيش الحر، ويدبّ الخلاف مع وفد أستانا العسكري هل هي مشمولة باتفاق خفض التصعيد أم لا، كانت الثقة تتضاءل بالوفد العسكري.

أستانا 1 سقط وادي بردى، أستانا 2 هجوم عنيف لإسقاط أحياء دمشق الشرقية: برزة، تشرين، القابون، أستانا 3 تهجير الوعر، أستانا 4 الذي ظهر فيه اتفاق المناطق الأربع، علّق الوفد العسكري مشاركته لأنه "فوجئ بالتصعيد الخطير الذي قام به نظام الأسد، وقصف المناطق المحررة بالطيران الحربي".

قضية وقف الأعمال القتالية وخفض التصعيد، كان آخر اهتمامات الروس والإيرانيين والنظام، بقي مستوى العنف مرتفعاً، أهم ما في الموضوع ما جرى في أستانا 1: قول رئيس الوفد الروسي لافرينتييف "سلّمنا المعارضة السورية مشروع الدستور السوري الجديد الذي أعدّه الخبراء الروس"، وقوله "إننا نحتاج إلى آلية ملموسة لتأسيس لجنة دستورية ستشمل جميع أطراف النزاع السوري"، كان لافرينتييف قد سلّم الوفد نسخة من مشروع تأسيس اللجنة الدستورية أيضاً.

كانت مناطق خفض التصعيد تتساقط الواحدة تلو الأخرى، الروس نفّذوا الخطة بجدارة.. فتح جبهة بعد جبهة، كانت الجبهة التي يقع الهجوم عليها تستنجد بالأخريات فلا يستجيب أحد، كان الالتزام بالاتفاق أهمّ ويكفي الاستنكار والشجب، حتى وصلنا إلى اجتياح درعا الجاري الآن.

إذن الشيء الباقي من هذا الاتفاق هو الدستور واللجنة الدستورية، وبسبب شناعة ووقاحة الانتهاكات الإجرامية على الأرض، وصعوبة فصلها عن الغضب الشعبي على هذه الخروقات، وعدم إمكانية تمرير اللجنة الدستورية عبر أستانا، دعا الروس إلى مؤتمر سوتشي، وهناك أعادوا طرح تأسيس اللجنة الدستورية، تمهيداً لكتابة الدستور، وهي الشيء الوحيد الذي عاد إلى جنيف، وإلى المبعوث الدولي دي مستورا ليعمل عليه بدل سلاله الأربع التي كان يعمل عليها سابقاً.

*أين الخطأ في الذي جرى؟؟*

الاتفاق بحد ذاته ليس خطأً، هذا يحدث في كل النزاعات والصراعات والحروب، كان الخطأ في الاستمرار به رغم اتضاح الأهداف الروسية من ورائه.

*هل يمكن عكس هذه النتائج التي وصلنا إليها اليوم؟*

نعم يمكن ذلك وبطريقة سريعة:

1- عدم استسلام غرب درعا كما حدث في شرقها.

2- تحريك جبهة القنيطرة.

3- انتقال القوّة الموجودة في التنف باتجاه ريف دمشق، بدل الذهاب للانضواء تحت إمرة "قسد" في المنطقة الشرقية.

4- تفعيل الجيوب المتبقية في القلمون وفي الغوطة الشرقية.

5- فتح جبهات أرياف حمص وحماة.

6- فكّ ارتباط الفصائل الموجودة شرق الفرات بالمليشيات الكردية وفتح معارك مباشرة مع قوات النظام هناك.

7- نزول الفصائل المنتشرة في الشمال: المهجّرة من الجنوب (جيش الإسلام، فيلق الرحمن، وغيرها)، وتلك المرابطة بالأصل على الحدود التركية قرب المعابر (فيلق الشام، السلطان مراد، وبقايا التشكيلات التي وقّعت أول اتفاق وقف إطلاق النار)، باتجاه العمق السوري، والالتحام بمعارك مع قوات النظام على مشارف حلب وإدلب.

8- تفعيل الجيوب المتبقية في جبال المنطقة الساحلية.

9- شنّ عمليات خاطفة داخل المدن التي يحتلّها النظام، واستهداف حواجزه ومقراته الأمنية.

بهذه الطريقة يمكن إعادة الأمور إلى طريقها الصحيح، وإعادة فتح العملية التفاوضية والسياسية بنوع من التوازن الذي يمنع الروس من فرض شروط الاستسلام والهزيمة على المعارضة العسكرية والسياسية معاً في آنٍ واحد.