الأحد 2017/12/24

راند 4 الأمريكية…سوريا محميّات ومقاطعات برعاية خارجية طويلة الأمد


مركز الجسر للدراسات...


صدر عن مؤسسة راند الأمريكية الجزء الرابع من سلسلة "خطة سلام من أجل سوريا" التي تبحث في "مجموعة من الخطوات العملية التي تهدف إلى الحد من الاقتتال في سوريا لإنقاذ الأرواح، والحد من تدفق اللاجئين ومحاربة الإرهاب والتطرف، وتوفير المزيد من الوقت لتنفيذ العملية الانتقالية بنجاح" كما جاء في مقدمة راند3، وبحسب نفس المقدمة فقد "ركّز المنظور الأول (خطة سلام لأجل سوريا1) -صدر في كانون الأول/ديسمبر 2015-على ضرورة إقامة مناطق آمنة مقارنة بضمانات خارجية لتثبيت آلية وقف إطلاق النار، فيما ركّز المنظور الثاني (خطة سلام لأجل سوريا2) –صدر في حزيران/يونيو2016- على أن اللامركزية أصلح نموذج للحكم في سوريا المستقبلية. وفي الوقت الذي تتواصل فيه الجهود لإنهاء الحرب السورية، فإن المنظور الثالث (خطة سلام لأجل سوريا3) -صدر في شباط/فبراير 2017-أن التطورات الأخيرة في سوريا والمنطقة بما في ذلك اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعته روسيا وإيران وتركيا، سيعزز الآفاق لوقف إطلاق النار على أساس وطني متفق عليه، وهو ما سيفرز مناطق سيطرة تدعمها قوى خارجية".

تعيد راند4 التركيز على قولها في الأجزاء الثلاثة السابقة إن "تلك المناطق قد تصبح الأساس لاتفاق طويل الأمد" و "إنّ "سوريا لا مركزية" كانت هدفاً أكثر واقعية من السعي المستمر بجهد عسكري وراء إسقاط النظام".

وإنه تم توطيد العديد من هذه المناطق، "ففي الشمال الشرقي توجد المنطقة المحمية أمريكياً، والتي تتحكم فيها مليشيات (قوات سوريا الديمقراطية) (قسد) ذات الصبغة الكردية الغالبة، وتوجد في الشمال في محيط مدينة جرابلس، المنطقة المحمية تركياً، إضافة إلى كانتون كردي ثان في الشمال الغربي يدعى عفرين. وفي الجنوب الغربي بمحاذاة مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، منطقة ترعاها كلٌّ من إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، كما نتج عن محادثات أستانا الكثير من مناطق خفض التصعيد في داخل البلاد، وبشكل خاص في الغوطة وحمص، لكن تفتقد تلك المناطق لطرفٍ حامٍ خارجي، وغالباً ما ستقع تحت سيطرة قوات النظام، أو ستجبر على المصالحة مع دمشق بشروط الأخيرة".

جيب إدلب الذي تسيطر عليه "هيئة تحرير الشام" "يقترح التوجه الحالي تآكلاً تدريجياً في سيطرة المعارضة جرّاء مزيج من ضغط النظام، وضغط تركي، ومن جانب آخر، إن سمحت تركيا بإعادة تموين المعارضة عبر معبر الهوى، فسيبقى ذلك الجيب منطقة ثائرة نشطة لبعض الوقت".

على ضفتي الفرات في الرقة ودير الزور تنافس شديد بين "قوات قسد المدعومة أمريكياً، وقوات النظام المدعومة روسياً وإيرانياً من أجل تطهير تلك المنطقة من تنظيم الدولة والحفاظ عليها لاحتوائها على معظم موارد سوريا النفطية، وقد تحدُث صدامات مستقبلية بين تلك القوى قبل الوصول إلى توازن محلّي".

تخلص مقدمة الدراسة إلى أنه "ستعتمد ديمومة تلك المقاطعات ذات الرعاية الخارجية بشكل أساسي على قرارات ستتخذ في واشنطن وموسكو وأنقرة وعمّان وتل أبيب، تريد قوات النظام المدعومة من إيران إغلاق تلك الجيوب وتأكيد سيطرتها على كامل الأراضي السورية، بينما لن يتنازل الأكراد طواعية عن استقلالهم الذاتي، ولكنهم سيحتاجون على الأغلب إلى دعم أمريكي مستمر للحفاظ عليه، وسترغب أنقرة في استمرار وضعها عائقاً بين المقاطعات الكردية الشرقية والغربية على طول الحدود التركية، أما إسرائيل فهي مصممة على منع اقتراب أي قوات إيرانية، أو قوات موالية لها من حدودها".

المساعدة في إعادة الإعمار مقابل الإصلاح من الأسفل إلى الأعلى

استناداً إلى فشل جنيف في الوصول إلى تطبيق القرار 2254، القاضي بـ "تأسيس حكومة انتقالية، وابتكار دستور جديد، وعقد انتخابات وطنية" أي: إصلاح يتجه من الرأس إلى القاعدة، فـ "راند 4" تطرح بديلاً "يتمثل في مقاربة لانتقال يتجه من الأسفل إلى الأعلى، ويستند إلى انتخابات لمجالس محلية"، هذا البديل "من غير المرجح أن يلقى استحساناً سواءٌ من النظام الذي سيقاوم اللامركزية، ويعتبرها انتقاصاً لسيادته، لكن بالنظر إلى حقيقة أن النظام لا يملك السيادة على كل تلك المناطق التي ذكرت آنفاً، لكن "المكسب الذي ستحققه دمشق في استعادة سيادتها عبر خلق شروط إنقاص اعتمادها على روسيا وإيران لبقائها على قيد الحياة" قد يمنح هذه المقاربة مباركة من النظام وإن لم تكن فورية.

كذلك "من المرجح أن يلقى ربط المساعدة بالمجالس التمثيلية المحلية" معارضةً من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي "يعتنق الإيديولوجية الماركسية التي تعتبر تعددية الأحزاب، ومشاركة المجتمع المدني، والمعارضة كأمر ملعون"، لكن "وبما أن الأكراد السوريين قد استنفدوا تقريباً حدود نجاحهم العسكري، فإن فائدتهم للتحالف الذي تقوده أميركا ضد تنظيم الدولة في تراجع، ومع ذلك لا تزال للولايات المتحدة بقايا نيات طيبة تجاه تلك المجموعة، وسيشكل الضغط على القيادة الكردية كي تقبل لا مركزية مستندة إلى مجالس تمثيلية شاملة استخداماً مفيداً لنفوذ الولايات المتحدة".

أيضاً من طرف المعارضة "سترى معارضة المهجر انزياح دورها القيادي بشكل بطيء تجاه شخصيات موجودة في الداخل" لكن "بالرغم من ذلك، لا تمتلك قيادة المعارضة المتمثلة بهيئة التفاوض الدعم الكافي لإيقاف مبادرة كتلك، حيث فقدت تلك الهيئة مسبقاً نفوذها على قادة محليين في مناطق سوريا المحررة، لذلك فإن قيام الهيئة بمقاومة مبادرة اللامركزية سيؤدي إلى مخاطرتها بتقليص أكبر لدورها في عملية السلام".

العمل في مناطق النظام سيساعد توسيع هذا العرض "ليشمل مناطق خاضعة للنظام يتم فيها تشكيل مجالس كتلك ومنحها السلطة على تطوير جيل جديد من القيادة على مستوى شعبي عبر كل أنحاء البلاد، وسيسهل من عملية انتقالية تتجه من الأسفل باتجاه الأعلى"، "حتى لو منعت دمشق المناطق الخاضعة لسيطرتها من المشاركة، فلن يؤدي تقديم العرض إلى أي خسارة، فإن سمح النظام للمجالس المحلية بالتشكل والعمل مع المجتمعات المانحة، ستبدأ بالتالي عملية الإصلاح من القاعدة باتجاه القمة. إن تقديم العون بتلك الطريقة هو بوضوح أشد تعقيداً بكثير من العمل مع وعبر الحكومة المركزية، ولكن هنالك القليل من الفرص لحدوث ذلك في ظل بقاء الأسد في السلطة، وهناك احتمال ضئيل بمغادرته لها قريباً، لذا تمنح المقاربة المتجهة من أسفل إلى أعلى بالتالي أملاً أفضل بقيام بعض المناطق على الأقل بزيادة نشاطها الاقتصادي وتطورها السياسي، وسيعود بعض اللاجئين، إضافة إلى إمكانية تحقيق بعض التقدم باتجاه إصلاح الدولة السورية".

الخلاصات والاستنتاجات:

تضعنا هذه الدراسة أمام قضيتين جوهريتين تحددان سياسة أمريكا لمرحلة قادمة (طويلة الأمد) في سوريا:

الأولى : حول معنى وطبيعة وشكل اللامركزية، في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، حيث ستكون البلاد محميّات ومقاطعات وكانتونات وجيوب، تخضع لرعاية خارجية لفترة طويلة الأمد، من خلال وجود عسكري أجنبي فيها، وتعمل هذه المحميّات على تأطير إداراتها وسلطاتها المحلية قانونياً بعيداً عن سلطة النظام عن طريق إجراء انتخابات مجالسها المحلية التي ستتلقى مباشرة مساعدات إعادة إعمار المناطق التابعة لها.

القسم الثاني من المناطق الخارجة عن سلطة النظام، وانضمت إلى اتفاقات خفض التصعيد والتي " تفتقد لطرفٍ حامٍ خارجي، وغالباً ما ستقع تحت سيطرة القوات الحكومية، أو ستجبر على المصالحة مع دمشق بشروط الأخيرة"، كما جاء في الدراسة، فهذه التوقعات للمصير السيء الذي ينتظرها يعني دفعها للبحث عن هذا "الحامي الخارجي" ووضع نفسها تحت انتدابه ووصايته انتظاراً لاتفاق الحل السياسي النهائي.

الثانية: حول الأساس القانوني لشرعنة وجود القوات الأجنبية في هذه المحميّات، فالنظام يعتبر القوات التي لم يستدعها، ولم يمنحها إذن الدخول، كالقوات الروسية والإيرانية، والميليشيات الطائفية، والمرتزقة، يعتبرها قوات احتلال دخيلة، والدراسة تعرّضت لهذه الإشكالية بالنسبة للقوات الأمريكية، وهي تنسحب على جميع القوات الأخرى الشبيهة بها بقولها: "سيحثّ حلفاء واشنطن في الخليج العربي وإسرائيل، الولايات المتحدة على البقاء في ذلك الجزء من سوريا لمنع امتداد النفوذ الإيراني هناك، ولكن الأساس القانوني السياسي والداخلي لدور عسكري أميركي طويل الأمد في سوريا، سيصبح إشكالياً حال هزيمة تنظيم الدولة، كما أدّى الاستفتاء الذي جرى مؤخراً في كردستان العراق، وما نجم عنه من توترات بين البشمركة وقوات الحكومة العراقية إلى زيادة تعقيد الصورة، حيث تحتاج الولايات المتحدة كي تصل إلى شرق سوريا إلى موافقة تركية أو عراقية (أو كليهما)، ولن تكون أي منهما مضمونة بعدما لم يتبقّ إلا القليل من حصون تنظيم الدولة".

إذن يجب على هذه القوات أن توفّر دولياً ومحلياً الأساس القانوني لوجودها على الأراضي السورية، وهو يتمثل حصريّاً بالإبقاء على السبب الذي دخلت لأجله، مكافحة المنظمات الإرهابية المصنّفة دولياً (تنظيم الدولة والنصرة)، فلا أحد من هذه القوات يستمد شرعيته مثلاً من قتال الأسد وحلفائه الذين يفتكون بالشعب السوري منذ سنوات عديدة، ومن هنا فالمفهوم من الدراسة أن أمريكا ستعمل على بقاء من نوع ما على هذه المنظمات الإرهابية ليمنحها ذريعة وشرعية بقاء قواتها في سوريا، وهو يعني أيضاً وجودا طويل الأمد للإرهاب، وللعمليات العسكرية، أيضاً هنا كما في المحميّات انتظاراً لاتفاق الحل السياسي النهائي.