الثلاثاء 2017/10/24

حميميم .. ثالثة أثافي “جنيف أستانا” وأكثرها خطورة

عاد المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا "دي مستورا" من زيارة موسكو كما يقولون "بخُفي حنين"، فقط حمّله "لافروف" وزير الخارجية الروسي، المبادرة الروسية الجديدة التي أعلنها "بوتين" يوم الخميس 19/10/2017 أثناء الجلسة الختامية لمنتدى "فالداي" الدولي للحوار، في مدينة "سوتشي" الروسية، المتضمنة مقترحاً لعقد مؤتمر لجميع السوريين وينتج عنه اتفاق بتشكيل "مجلس شعب سوري جديد" يضم في صفوفه عناصر من النظام الحالي إلى جانب بعض وجوه المعارضة.

"لا نريد إصدار تعليق الآن على المبادرة الروسية"، كان هذا أول تعليق على لسان "فرحان حق"، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، للصحفيين في مقر المنظمة الدولية بنيويورك.

أما الأمين العام شخصياً فقد أوعز لدي ميستورا، بتفعيل الخطوات الرامية إلى تنظيم جولة جديدة من المفاوضات السورية في جنيف، وطلب منه إجراء مشاورات مع كامل الأطراف المعنية وتحريك الجهود الرامية إلى عقد هذه الجولة الجديدة على أساس بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن.

جنيف 8 في مهب الريح.. هي لم تذهب إلى أيّ مكان سابقاً، والشروط التي تحكمها لا تزال على حالها، لكن الأمم المتحدة لن تنسحب من هذه العملية العبثية أبداً، هذا ليس في قاموسها، ستبقى شاهد زور.

الأمم المتحدة العاجزة عن التدخل الإنساني في دير الزور والرقة، رغم الكارثة الهائلة التي لحقت بالسكان المدنيين فيهما، هي كذلك عاجزة في عملية التدخل لإيجاد حل سياسي يستند إلى القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، يكاد يقتصر دور السيد دي مستورا على تسهيل عمليات التهجير القسري التي يقوم بها النظام في كل منطقة يضرب عليها الحصار والتجويع والتدمير أشهراً عديدة، السوريون يرون فقط مندوبي دي مستورا إلى جانب الباصات الخضر تحملهم إلى المجهول فلا مخيمات أممية، ولا منظمات إغاثية تنتظرهم، الأرض العراء الجرداء تستقبلهم، لا شيء آخر، هذه باختصار قصة الأمم المتحدة.

المسرح السياسي السوري يتأرجح اليوم في ثلاثة أماكن:

الأول: العاصمة السعودية الرياض التي تستضيف هيئة المفاوضات العليا، الهيئة التي فشلت في الأيام القليلة الماضية في التوصل إلى اتفاق حول التوسعة المطلوبة منها؛ لتضمَّ في صفوفها منصّتي القاهرة وموسكو، وهي الآن في حالة من انسداد الأفق السياسي أمامها بعد التقارب السعودي الروسي، وفقدان القدرة على المبادرة، ولا تملك إلا انتظار التفاهمات الدّولية حول مصيرها، فيما يبدو أنه سيكون بدءَ قتل رحيم لها، ولمسار جنيف، خصوصاً بعد سلسلة طويلة من مفاوضات لم تحقق أي تقدم في العملية السياسية.

مؤتمر الرياض 2 يبدو أنه صار طيّ النسيان، فليس هناك من جهة دولية تدعم عقده، أمريكا ترسل الرسائل للمعارضة في عدم مصلحتها عقد الرياض 2 في ظل المكاسب الكبيرة التي تحققها روسيا وإيران على الأرض، أيضاً روسيا منعت المعارضة التابعة لها في موسكو والقاهرة من الاستجابة لطلبات هيئة المفاوضات في ضم بعض عناصرها للهيئة ضمن إطار وثيقة الرياض 1، وبالتالي فالرياض 2 لم يعد له وجود فعليّاً، كيف سيؤثر هذا في مستقبل هيئة المفاوضات؟ قد يكون مبكراً الجواب عن مثل هذا السؤال، لكن وبانتظار أستانا 7، وحميميم 1، فإن جنيف 8 فيما لو عقدت، فستكون غالباً كسابقاتها مستغرقة في القضايا الإجرائية والشكلية أولاً، وستكون آخر محطة في مسار جنيف تحت القرارات الأممية التي تنعقد ضمن إطارها ثانياً، وسيخرج الملف السوري من مجلس الأمن، ولو بشكل مؤقت، إلى أن تنتهي أستانا وحميميم من رسم المسار السياسي الجديد الذي يمكن أن يعود لمجلس الأمن، ولا يصطدم بالفيتو الروسي العاشر .

 

الثاني: العاصمة الكازاخية أستانا: العنوان الرئيسُ لما يجري في أستانا تحويل توصيف النزاع في سوريا إلى نزاع داخلي على السلطة بين حكومة شرعية ومعارضة تحوي العديد من قوى التطرف والإرهاب، وأن الحل يكون بنوع من تقاسم السلطات بين الطرفين ضمن حكومة وحدة وطنية، وإدخال بعض الإصلاحات الدستورية والقانونية على التشريعات المعمول بها حالياً.

آليات تنفيذ هذا المشروع تتجنّب تماماً كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وتذهب باتجاه الهدن والمصالحات المحلية التي تعني إلى يومنا هذا نزع سلاح الفصائل، والتهجير القسري، وعودة النظام للتحكم الكامل بهذه المناطق، وأخطر نتائج هذه الاتفاقات يتمثل بعودة تأمين الخزان البشري اللازم للنظام من خلال تجنيد الشباب المحصورين في مناطق الهدن والمصالحات، ونقلهم إلى جبهات القتال ليعوّض النقص الحاد في صفوف قواته، فيما سيكون مصير مناطق خفض التصعيد شبيهاً بمصير مناطق الهدن والمصالحات من حيث النتيجة النهائية.

أستانا 7 القادمة لن تحقق خرقاً في ملفات المعتقلين والمفقودين، ودخول المساعدات الإنسانية، نعم هي ستحقق خرقاً كبيراً، وخطأ فادحاً في فتح ملفات الانتقال السياسي والدستور والانتخابات على الطاولة الأستانية، ودون تحصيل أي مكاسب فيها، فقط ستمهد الطريق لوصول هذه الملفات إلى حميميم، مع جرّ الوفد العسكري للمشاركة هناك.

 

الثالث: القاعدة العسكرية الروسية في حميميم: بدءاً من دلالة الاجتماع في قاعدة عسكرية روسية فهذا يعني دعوة لتوقيع صك هزيمة الثورة، فبعكس كل التوقعات حول طبيعة الـ1500 شخص المدعوّين، سيكون وفد أستانا العسكري، وممثلو الفصائل التي وقّعت على الهدن والمصالحات وخفض التصعيد، أول وأهم المدعوّين إلى جانب قيادات ميليشيات PYD، إضافة لكبار ضباط جيش ومخابرات النظام، والمليشيات الطائفية التابعة له، فلن يقبل الروس توقيع أي اتفاق من قبل مجموعات سياسية مدنية مهما كان حجم تمثيلها ومشروعيتها، فخلال الحرب العالمية الأولى، قامت قيادة الجيش الألماني بإرسال الحكومة المدنية لتوقيع الاستسلام، كي تقول في ما بعد إنها لم تُهزم في الميدان، وتعيد الكرّة، أما في صك استسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية فقد وجب على كبار قادة الجيش الألماني آنذاك توقيع وثيقة الاستسلام.

النظام بحماقته المعهودة سيحاول الدفع بكثير من عملائه ليجعل المؤتمر تظاهرة تأييد له، لكن هذا سيعمل على تفريغ المؤتمر من محتواه ويفقده النظرة الجِدية للمجتمع الدولي حياله، لذا سيكبح الروس جماح النظام، وسيقومون بعملية اختيار المدعوّين بحيث لا يتجاوزون الـ200 أو الـ300 كثيراً.

سيفتح في حميميم جميع ملفات جنيف بلا استثناء، لكن بالفهم الروسي لها، فهيئة الحكم الانتقالي هي حكومة الوحدة الوطنية، والدستور هو مسودة المقترح الروسي، والانتخابات هي التي تقبل بترشح الأسد لها لفترتين رئاسيتين تاليتين بعد 2028، ومكافحة إرهاب تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام هي المهمة الوحيد لفصائل المعارضة، إضافة لباقي الملفات من إعادة الإعمار لشركات النظام، والشركات الروسية والإيرانية، وبرامج المصالحة الوطنية وغيرها، أيضاً هنا ستتأخر مناقشة ملفات المعتقلين والمفقودين، وعودة اللاجئين.

بغضّ النظر عمّن سيحضر، وماذا سيناقَش، فالمفاجأة الوحيدة التي ستكون صدمة حقيقية هي صدور ترحيب أمريكي، أو أوربي، أو عربي، أو أممي بمسار حميميم كما حدث سابقاً في مسار أستانا.

هل هذه المفاجأة متوقعة؟.. نعم، ستبدأ بترحيب حذر، يتراخى ليتحوّل مسار حميميم إلى مسار وحيد للتسوية السياسية في سوريا، وبمشاركات دولية عديدة لاحقاً فيه، كما حدث في أستانا قبله، مع إمكانية عودة أخيرة لمجلس الأمن لتثبيت مخرجاته في قرار أممي شبيه بالقرار 2336، الذي ثبّت مسار أستانا سابقاً.