السبت 2018/01/13

الولايات المتحدة تعلن عدم شرعية سوتشي .. و الأسد “مجرد وكيل قابل للاستخدام”

في جلسة استماع حول سوريا عقدتها لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية، يوم 11/1/2018، وحضرها ساترفيلد نائب وزير الخارجية الأمريكي، دارت معظم المداولات حول تحميل الأسد "المسؤولية الرئيسية عن الدمار والتطرف الذي تسبب فيه"، وأنه "لم يكن ممكناً حدوث ذلك بدون إيران وروسيا"، ورغم توقيع " الولايات المتحدة / روسيا / الأردن مذكرة بخصوص جنوب غرب سوريا. إلا أن إيران ووكلاءها قد وطدوا موطئ قدمهم في جنوب سوريا؛ ما يهدد بالتسبب في المزيد من عدم الاستقرار وذلك بتهديد إسرائيل"، وأن مناطق خفض التصعيد تعرضت لانتهاك بالغ إذ "على مدى الأسبوعين الماضيين قصف الأسد إدلب والغوطة الشرقية بعنف".

نحن أمام محور شر ثلاثي: الأسد، إيران، روسيا، وهو يهدد أمن المنطقة، بل يزعزع الأمن والسلم الدوليين، وقد يسوق الولايات المتحدة "لحرب أبدية أخرى" فقضية سوريا أعقد من أن تُحلَّ عسكرياً، "فالمعركة العسكرية هي ليست حتى نصف المعركة، وتتطلب تحقيق الاستقرار واتفاقات سياسية وجهود مصالحة ومساءلة ودبلوماسية ومشاركة مستمرة"، و "لا يوجد حل مستدام في سوريا بدون حل سياسي طويل الأمد".

هذه الورقة ستعيد ترتيب سياسات الولايات المتحدة ضمن الحلقات الأربع التي يجب العمل عليها حسب رأي اللجنة، فإضافة لحلقات محور الشر الثلاث، لدينا الحل السياسي المتأرجح بين جنيف وأستانا وسوتشي.

لنبدأ بالحلقة الأضعف على الإطلاق: الموقف من الأسد، فباختصار وبكل وضوح "سوريا المستقرة تتطلب رحيل الأسد ونظامه. الأسد مغناطيس للإرهاب وهو غير قادر على قيادة سوريا بشكل ديمقراطي"، ورحيل الأسد بنظر الولايات المتحدة لا يتطلّب الحديث معه، ولا مع إيران التي تنتهج نشر الفوضى، وإنّما مع روسيا حصرياً، "فروسيا تثمّن عالياً الاستقرار وتخشى الفوضى. يمثّل الأسد بنظرها الاستقرار ولكن بتكلفة باهظة"، كان هذا جواب سؤال: هل تهتم روسيا بالأسد نفسه أم ترى فيه مجرد وكيل قابل للاستخدام؟

إذن أمريكا ستجعل روسيا تتكبّد هذه "الكلفة الباهظة" إذا مضت في دعمها للأسد، واستخدامه كوكيل، إلى أن تقرّر التخلّي عنه، هذا الثمن ستدفعه روسيا على جميع الأصعدة، فعسكرياً بدأت بوادره في الهجوم على قاعدة حميميم، وسيتتابع في نزع الشرعية عن أي دور سياسي منفرد للروس ضمن مسارَي أستانا وسوتشي.

 

حول الحلقة الثانية: "فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، هل ما زالت سياسة الولايات المتحدة هي إزاحة القوات المدعومة من إيران من سوريا؟"، كان جواب ساترفيلد: "سياستنا هي أن نرى سوريا قادرة على التخلص من جميع القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات الإيرانية وذلك بواسطة العقوبات الصارمة وحرمانها من القدرة على نقل الأصول والقدرة على تمويل الأنشطة".

العمل تجاه إيران سيكون في مستويين:

المستوى الأول: يشبه حالة التعامل مع الأسد فروسيا هنا أيضاً تتعاطف "مع الوجود الإيراني المستمر في سوريا"، "فما هي خطة الولايات المتحدة لتقليل عامل الخطر هذا وحماية الترتيبات التقليدية مع إسرائيل والأردن؟" وهنا الجواب أيضاً ستتكبّد روسيا ثمن سياستها هذه، فدور إيران التخريبي لن يقتصر على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، وستعمل أمريكا على "أن تعترف روسيا بأن مصالحها طويلة الأجل لا ينبغي أن ترى في إيران عاملاً إيجابياً"، وأن تدرك روسيا أنّ "إيران تهدد المصالح الروسية أيضاً"، إلى أن تقرر التخلي عن إيران، وتجبرها على الخروج من سوريا، كما تجبر الأسد على الخروج من الحكم.

المستوى الثاني: حول التدخل الإيراني في المنطقة ككل "فبالنسبة للولايات المتحدة، إيران هي مسألة استراتيجية منفصلة، وتخطط للتعامل معها في جميع الأماكن التي تظهر فيها (أي العراق، اليمن، والخليج)"، والعقوبات الاقتصادية والسياسية ستبقى مستمرة على النظام الإيراني إلى أن يغيّر سلوكه.

 

الحلقة الثالثة: روسيا، يبدأ اللوم بداية حول تراجع الدور الأمريكي "فغياب الولايات المتحدة يعني أن الحكومات في جميع أنحاء العالم "سوف تُفرد السجّاد الأحمر لبوتين"، وفي الحالة السورية بالذات كان السؤال: "كيف يمكننا تقليل النفوذ الروسي في عملية يقودها السوريون؟"

سياسة أمريكا سترتكز على ثلاثة بنود:

1- لا إقرار بنصر لأي طرف: وابتداء بوتين إعلان النصر في سوريا لا يعدو حماقة من حماقاته، ومحاولة فاشلة لاستثماره في حملته الانتخابية، وعمليات وضربات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا هي من أجبر تنظيم الدولة على التقهقر، والانسحاب من المساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في الرقة ودير الزور وغيرها، ودخول النظام والميليشيات الإيرانية والطائفية إليها ليس نصراً روسياً، وسيضطر بوتين إلى إرسال قوات إضافية وليس سحبها، وهجوم حميميم الأخير رسالة أولى لبوتين في خطئه تعجّل نسبة النصر لنفسه.

2- حشد إجماع دولي على ضرورة عدم منح الشرعية أو المصداقية لما يحدث في سوريا بدون إصلاح دستوري وانتخابات موثوق بها، يمكن أن تحقق الانتقال السياسي الحقيقي، والاستقرار في البلاد.

3- إعادة الإعمار: المجتمع الدولي سوف يرفض إعطاء أموال لإعادة الإعمار حتى تجري الانتخابات، وسوريا وإيران لا تملكان الأموال اللازمة لذلك.

الحلقة الرابعة: مسارات جنيف أستانا سوتشي:

أيضاً هنا يبدأ إلقاء اللوم على تراجع الدور الأمريكي الذي "أجبر السوريين على الالتفات إلى سوتشي وأستانا بدلاً من الولايات المتحدة وجنيف"، وأنه يجب "إعادة عملية السلام إلى مسار واحد"، وأنه "يجب على الولايات المتحدة دعم الأمم المتحدة لجعل عملية جنيف أكثر من مجرد مكان لتحقيق "الحد الأدنى من التقدم".

 

سياسة الولايات المتحدة في معالجة المسارات الثلاث، ستكون على الشكل التالي:

1- جنيف: يجب تأكيد مسؤولية روسيا للحصول على حل من خلال مسار واحد، والانخراط بشكل إيجابي وسلبي في آن معاً مع الروس لحثّهم على تحمّل مسؤولياتهم بجدّية. فروسيا لها تأثير كبير في النظام. ولديها فرصة لإظهار سُلطتها في جنيف من خلال إظهار أن النظام مستعد فعلاً للتفاوض هناك.

2- أستانا: خفّضت الولايات المتحدة بالفعل مشاركتها في أستانا. ويبدو أنها فعلت ذلك تمهيداً للانسحاب الكامل منه، بعد الانتهاكات الواسعة التي تتعرّض لها مناطق خفض التصعيد.

3- سوتشي: الولايات المتحدة تريد أن يتم كل شيء من خلال الأمم المتحدة -وهذا هو الثقل الموازن لسوتشي-، فلن يكون لمؤتمر سوتشي شرعية بدون تصديق من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة والأمم المتحدة، ويعتقد ساترفيلد أن الولايات المتحدة والأمين العام لا يمكن ولا ينبغي أن يدعما مؤتمر سوتشي، إن هذا المؤتمر هو مجرد دسيسة لأن روسيا ضمنت أن النظام لن يتفاوض بشكل جدّي في جنيف.

السلطة تكمن حقاً في يد الأمين العام الأمم المتحدة من أجل منح الشرعية لمؤتمر سوتشي.

الأمين العام للأمم المتحدة، بعد انتظار طويل لرد لم يأت من الروس على رسالته التي أرسلها لهم، والمتضمنة استفسارات حول مؤتمر سوتشي، وبعد بيانات القوى السورية الرافضة لسوتشي وللدور الروسي أساساً في رعاية عملية سلام، وبعد هذا الموقف المتشدد من الإدارة الأمريكية، فإنه لن يورّط المنظمة بالمشاركة ومنح الشرعية لمؤتمر يلقى هذا الرفض الدولي والشعبي الكبير، وسيتحوّل سوتشي إلى مؤتمر إقليمي إن لم يكن محلياً فيما لو قاطعته تركيا حال دعوة الانفصاليين الكرد لحضوره.

هذه الظروف مجتمعة ستجعل الروس بين خيارين:

1- تأجيل سوتشي مرة أخرى إلى أن تتوفر معطيات أفضل لعقده.

2- الإصرار على المضي فيه، رغم علمهم المسبق بالفشل الذريع الذي سيُمنى به.

الموقف الروسي غير مهم، المهم موقف قوى الثورة والمعارضة الوطنية السورية في قراءة الخارطة السياسية جيداً، وألا يُرهبها بوتين، فهو أضعف من يوصل البلاد إلى حل سياسي من أي نوع كان.