الأحد 2018/09/23

المنطقة الشرقية: المرحلة الثانية الأسوأ من الحرب بسوريا

كان شعار إيران منذ بدأت الحرب في سوريا "سيخرج الجميع وستبقى إيران"، هذا الشعار ثبت نجاحه في العراق وفي لبنان، ويجري تطبيقه في سوريا، ستخرج الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، ويجري كذلك تطبيقه في اليمن، ستخرج السعودية، وستبقى سوريا واليمن في براثن النظام الإيراني.

انتهى الجزء الأسهل من الخطة الإيرانية في إنشاء "الهلال الشيعي".. الحلم الاستراتيجي "للجمهورية الإسلامية" وللحرس الثوري الإيراني الملتزم بشعار "تصدير الثورة" حسب تعاليم الخميني المؤسس لنظام الملالي في طهران.

استثمرت إيران خلال سنوات الحرب الماضية نتائج مشروع التشييع الذي عملت عليه منذ ثمانينات القرن الماضي، بعد وقوف الأسد الأب إلى جانبها في حرب العراق الأولى، المشروع الذي وصل أوج نفوذه في عهد الوريث الابن الذي حوّل سوريا إلى ما يشبه مستعمرة إيرانية، تغلغل الإيرانيون في معظم مفاصل الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والدينية والإعلامية، وصار لهم في سوريا ما يمكن أن يقال عنه: "الدولة العميقة" أو "الدولة الرديفة" ولإيران فيها أتباع موالون لها إما عقائدياً، أو لمصالح شخصية.

المرحلة الأولى من الخطة الإيرانية: الجزء الأسهل مع الغباء الروسي

"اسمعوا ما أقوله جيداً، اذهبوا وضعوا برنامجاً وخططوا له جيداً، ولكن على رأس أولوياته بقاء بشار الأسد، والحفاظ على سوريا". كان هذا رد خامنئي أواخر عام 2011 على حسن نصر الله، حين شكا له "أنّ الأمور تتجه نحو النهاية بالنسبة للنظام في دمشق"، في 2012 بدأ ظهور قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بعد تفجير "خلية الأزمة" التي قتل فيها عدد من قيادات النظام، ثم ليعلن "حزب الله" دخوله في الحرب بشكل علني في نيسان/أبريل 2013 بمعركة القصير، كان التدخل الإيراني وحزب الله اللبناني تحت شعاري "حماية المقدسات(المراقد) الشيعية" و"الحفاظ على محور المقاومة ضد إسرائيل".

كان تركيز إيران على العاصمة دمشق ومحيطها خوف سقوطها، وعلى استعادة مراكز المدن التي سقطت بيد المعارضة، لإبقاء شرعية النظام قائمة في المحافل الدولية، واستغلّت إيران غباء "الدب الروسي" أيّما استغلال، فالحماقة الروسية عطّلت العملية التفاوضية السياسية بقوة الفيتو في مجلس الأمن، كما إنّ الحماقة العسكرية سهّلت للإيرانيين الاستيلاء على معظم الأراضي التي قصفتها روسيا واضطرت فصائل المعارضة لتسليمها والخروج منها.

سيطرت المليشيات الإيرانية الشيعية، والقوات "الرديفة" إلى جانب قوات النظام على دمشق ومحيطها، وخصوصاً الغوطة الشرقية، وعلى المنطقة الجنوبية، وامتداد الحدود اللبنانية، ومدينة حمص وأريافها، ومدينة حلب ومحيطها، وبتوقيع اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، سيكون العمود الفقري للبلاد قد عاد إلى سيطرة النظام، وتم فتح الطريق M5 الواصل بين الحدود الشمالية والجنوبية، والطريق M4 الذي يصل إلى المنطقة الساحلية. وهذا الاتفاق "المؤقت" حسبما تم وصفه سينتهي كما انتهى حال الجنوب وريف دمشق وحمص بسحب سلاح فصائل المعارضة، ودخولها في تفاهمات المصالحات، بينما يتم عزل المنظمات المصنّفة على قوائم الإرهاب العالمي، ليعمل التحالف الدولي على سحقها وتفكيكها لاحقاً.

إذن ستكون إيران صاحبة اليد الطولى، والنفوذ الأقوى في هذا الجزء من الخارطة السورية جنوب وغرب وشمال ووسط البلاد، وستخفف من خلال التبادلات التجارية المارة عبر الطرق البرية المذكورة حجم العبء الاقتصادي الذي تكبّدته في دعم النظام، وسنعرض واقع الأمر في الجزء الثاني من الخارطة حيث المنطقة الشرقية، جنوب وشمال شرق نهر الفرات.

المرحلة الثانية من الخطة الإيرانية: الجزء الأصعب مع التحدي الأمريكي

المنطقة الشرقية هي الجزء الناقص على الخارطة من "الهلال الشيعي" حيث تريد إيران استكمال الممر البري الواصل بين طهران وسواحل المتوسط، والذي يؤمن طريق "تحرير القدس" حسب شعارات "محور المقاومة".

اتفاق المصالح الروسية الإيرانية في الفترة السابقة مقابل العداوة الأمريكية وفرض العقوبات الاقتصادية على كلا البلدين، ساهم في نجاح إكمال الشق الأول من الخطة، وإيران كانت تخطط لاستغلال الروس بنفس الطريقة في المنطقة الشرقية، لكن الأمور لن تجري هكذا، يجري تسوية عدد من الملفات التي تفاوض عليها روسيا الولايات المتحدة، وفي سوريا، سيتم احترام النفوذ الروسي، مقابل التعهد الروسي الذي قدمه بوتين لترامب في تحجيم النفوذ الإيراني، ومنع إقامة الطريق البري عبر سوريا إلى الحدود الإسرائيلية.

حتى العلاقة الجيدة مع تركيا، وعداوة تركيا للمليشيات الكردية وقلقها من نشوء "كانتون كردي" على حدودها سيتعذّر على إيران استغلالها بالشكل الأمثل كما كانت تخطط، فالولايات المتحدة في طور وضع أطر للتفاهم بين تركيا والأكراد تزيل مخاوف الأمن القومي التركي.

إذن إيران ستدخل في مواجهة حتى مع حلفائها عند بدء خطتها في الاستيلاء على المنطقة الشرقية، ستكون المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي، وخصوصاً السعودية، كذلك ستواجَه روسيا وتركيا لأول مرة علناً من الشخصيات الرسمية في النظام الإيراني، بعد أن كانت الأمور تقتصر على المواجهات والانتقادات الكلامية غير الرسمية.

الأدوات الإيرانية في المنطقة الشرقية:

الأداة الأولى:

تشير بعض التقارير إلى أن "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني يصل تعداد عناصره إلى 5000 عنصر، فيما يصل تعداد عناصر مليشيات "الدفاع الوطني" التي أسستها إيران في سوريا على غرار "الحشد الشعبي" في العراق إلى 90000 عنصر، معظمهم من العلويين. كما أسست "قوات الدفاع المحلية" (LDF) تحت قيادة أشخاص موالين للنظام مثل "ألوية الباقر" التي يتزعمها "نواف راغب البشير"، إضافة لمليشيات شيعية مرتزقة أفغانية (لواء فاطميون)، وباكستانية (لواء زينبيون)، يبلغ تعدادها 15000 عنصر، كذلك "قوات التدخل السريع الشيعية" العراقية واللبنانية مثل (وحدات حزب الرضوان التابعة لحزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة حزب الله النجباء، ولواء ذو ​​الفقار، ولواء أبو الفضل العباس، وغيرها) التي يصل تعدادها إلى 30000 عنصر، وأخيراً عناصر "حزب الله اللبناني" بعدد يصل إلى 9000 عنصر. مجموع هذه القوات يقارب 150.000 عنصر، عدا ما يمكن أن تدفع به إيران من قوات "الحشد الشعبي" العراقي، ومن الحرس الثوري الإيراني فيما لو بدأت المعركة حقيقة.

الأداة الثانية:

إيران بدأت منذ مدة طويلة بإعداد ساحة مسرح العمليات هذا بالطريقة التقليدية التي عملت بها في لبنان والعراق واليمن، يسبق الأحداث الكبرى دائماً إنشاء مجموعات سكانية محلية موالية لإيران عبر مشاريع التشييع الدينية والثقافية والسياسية، وعبر استغلال حاجات الناس المعيشية وإرسال الأموال تحت ستار الأعمال الخيرية الإنسانية: الغذائية والطبية والتعليمية، وإعادة بناء بعض المنازل والمنشآت المهدّمة التي تقدّم الخدمات الأساسية للسكان المحليين، كمنشآت المياه والكهرباء والبنى التحتية الأخرى، لتكسب الناس إلى صفّها، في شيء يشبه المشاريع التبشيرية القديمة، ستستثمر إيران نفوذها المذهبي هنا، وستعمل على تحريض العشائر العربية على المشروع الأمريكي شمال شرق الفرات الذي يكرّس الهيمنة الكردية على المنطقة، ويهمّش دور هذه العشائر في الإدارة الذاتية، في مساحات واسعة ليس للأكراد أي وجود تاريخي فيها كمدينة الرقة على سبيل المثال.

الأداة الثالثة:

إيران ستستفيد من انتشار تنظيم الدولة في أماكن عديدة من قرى وبلدات وادي الفرات، إضافة لمواقعها في البادية، التنظيم الذي أعاد تجميع صفوفه بعد انسحاب عناصره من معظم مناطق سوريا، ليركّز عمله في المنطقة الشرقية، بمحاذاة الحدود العراقية حيث العمق الاستراتيجي له في منطقة الأنبار. بمجرد بدء المعارك سيكون للتنظيم طموح في استعادة المناطق التي فقدها، وتاريخ التنظيم يقول: إنه سيتفرّغ لقتال القوات الأمريكية، ولن يتعرّض للقوات الإيرانية، سيكون هناك خيط من المصالح المشتركة بينهما مؤقتاً.

السيناريو الـمحتمل:

إيران ستبدأ حرب عصابات ضد المليشيات الكردية من داخل التجمعات السكانية المدنية، الردّ الجوي بالقصف الأمريكي سيتسبّب بسقوط ضحايا مدنيين، وستقوم الماكينة الإعلامية الإيرانية بنشر صور الأطفال والنساء تحت أنقاض منازلهم، لتحريض أهل المنطقة للتصدي للأمريكيين ووكلائهم الأكراد، ولتأليب الرأي العام العالمي، وداخل الولايات المتحدة، على الوجود الأمريكي في سوريا، وللضغط على ترامب لسحب قواته من هناك، وهذا ما لن يحدث بديهة، وإنما ستسير الحرب في خط متصاعد، وهو سيكون بطريقة جديدة وفريدة في سوريا، فالجيوش النظامية لعدد من الدول الغربية في التحالف الدولي حاضرة هناك برياً، وقد يلحق بها عدد من القوات البرية السعودية والإماراتية والمصرية، فإيران هي العدو الأول على سلّم أعداء هذا المحور، وبالطبع ستكون الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة إحدى السمات الظاهرة بقوة في هذه الحرب.

كيف ستنتهي الأمور؟

تقارير استخباراتية عديدة تتحدث عن حرب كبرى عام 2019، وقد يمضي العام بطوله في حرب المنطقة الشرقية، فيما ستضطر العملية السياسية للانتظار مرة ثانية إلى أجل غير مسمّى.