الثلاثاء 2018/01/09

“المفتاح السحري” لفشل سوتشي

عشرون يوماً تفصل المعارضة السورية عن حضور "مؤتمر سوتشي" الذي دعت إليه روسيا، وبينما أتمّت الأجهزة الأمنية السورية قوائم الحاضرين من مناطق سيطرة النظام، بعد حصولهم على الموافقة التي تؤكد تأييدهم وولاءهم وخضوعهم لما يريده الأسد من هذا المؤتمر، فإن قوى الثورة والمعارضة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والأخرى التي تعمل حالياً خارج البلاد والممثلة في هيئة التفاوض خصوصاً، قد أعلن الكثير منها  رفضه لحضور سوتشي ضمن معطياته المتوفرة حتى الآن.

التحركات الدبلوماسية نشطة جداً في كواليس المعارضة العسكرية والسياسية لإقناعها، أو للضغط عليها في الاتجاهين: الحضور والرفض، وسط غموض شديد يكتنف سوتشي في عديد من جوانبه، والذي يخفى حتى على الدول التي تقف على طرفي نقيض منه، لذا لم تحصل هيئة التفاوض في جولتها المكوكية الحالية على إجابات شافية عن أسئلتها التي طرحتها، لتحزم أمرها وقرارها النهائي.

الجزء الظاهر من سوتشي أعلنه "ألكسندر لافرينتيف" مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، رئيس الوفد الروسي إلى محادثات "أستانا"، ويمكن تلخيصه بالنقاط التالية:

1- مؤتمر سوتشي سينحو منحى مسارَي جنيف وأستانا، بأنه سوف "يأخذ أشكال التطور التدريجي لاحقاً"، وستتابع جولاته الحوارية التي لا يتضح الآن مكانها ولا زمانها.

2- لا يوجد قرار من الأمم المتحدة في حضور المؤتمر، رغم أن الروس وجّهوا دعوة للمبعوث الأممي "دي ميستورا" وللأمم المتحدة، ويعتقد الروس كما قال "لافرينتيف": أن هذا المؤتمر لا بد أن ينعقد تحديداً تحت رعاية الأمم المتحدة، وطبعا هذه المنظمة لا بد أن تكون ممثَّلة هناك بأوسع صيغة ممكنة، وليس بشكل أعضاء هذه المنظمة، وهي روسيا وتركيا وإيران وسوريا وآخرون".

3- يجب أن يوافق "بشار الأسد" على تشكيل اللجنة الدستورية، وأن الإصلاح الدستوري يجب أن يتسق مع "الشرعية السورية"، ولا بد أن يتم بناؤه بدقة وفقاً للدستور الراهن.

4- يرى الروس أنه "لن يكون هناك حاجة لتبنّي قرار خاص على مستوى الأمم المتحدة لإجراء إصلاح دستوري. نحن نعمل بدقة في إطار قرار 2254، الذي ينص على أن عملية جنيف -هي عملية تسوية سورية –سورية".

5- أين ستجلس هذه اللجنة الدستورية؟ يجيب "لافرينتيف": "ربما يتخذ قرار أنها ستختار دمشق نفسها مقراً لها بضمانات ما من قِبَل روسيا أو أي دول أخرى". "ولكن ليس هناك حاجة لأي قرار".

6- "العدد الإجمالي في الوقت الحاضر نحو 1500 شخص"، لا يمثلون فقط "المعارضة والحكومة المركزية"، بل تمّ " دعوة عدد معين من الممثلين عن السنّيين، العلويين، المسيحيين، الأكراد والقبائل العربية".

7- عن حضور PYD أجاب: "حتى الآن من الصعب الحديث عن مشاركة ممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي بالذات"، "الأهم بالنسبة لهم يجب أن تؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار من خلال مشاركة ممثلي الجالية الكردية نفسها".

8- إضافة للدستور سيناقش المؤتمر كيف يمكن "تنظيم انتخابات نزيهة، وصادقة، وشفّافة"، وطبيعة دور ومشاركة " المراقبين الذين سيقدّمون الدعم في تنظيم هذه الانتخابات".

9- سينبثق عن المؤتمر لِجان فرعية "للإصلاحات الدستورية، ولدراسة المسائل الإنسانية، وكذلك مسائل إعادة بناء سوريا"، وسيتحول المؤتمر "إلى دعوة للمجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم".

10- بحسب "لافرينتيف" تتزايد الآن أكثر فأكثر، الدول التي كانت تتخذ موقفاً رافضاً للحكومة الحالية في دمشق، وتعيد النظر في موقفها، مثل المملكة العربية السعودية، وقد حاول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر الرياض 2 "وبصدق إقناع المعارضة عدم إدراج فقرات مسيئة للحكومة الحالية"، أو الحديث عن ضرورة رحيل الأسد.

11- النقطة الأهم والأخطر في كلام "لافرينتيف" وردت في سياق ردّه على سؤال: هل تترقبون أن تشارك المعارضة التي كانت ممثلة في جنيف بالمؤتمر، وكيف سيتم التعامل مع مطالبتهم برحيل الأسد؟ أجاب: "إذا كان هؤلاء الأشخاص إيجابيين فبالتأكيد نحن على استعداد لقبولهم وتقديم الإمكانية لهم للحضور، أما إذا كانوا يريدون استخدام "منصة سوتشي" من أجل الصراخ بعدم القبول ببقاء بشار الأسد في السلطة، عندها أعتقد بعدم وجود مكان لهم هناك، لأنه من الواضح أن هؤلاء الناس يقفون مع استمرار النزاع المسلح، نحن نريد أن يتواجد هناك من هم حصراً مع الحوار السياسي. ومن أجل الجلوس بشكل هادئ وألقوا جانبا كل التحيزات وتحدثوا فقط عن كيفية المضي قدماً".

12- أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقال عنها لافرينتيف: "لم تعرب عن رغبتها بالتواجد هناك حتى الآن، ولكننا سنفكر إذا قدموا مثل هذا المقترح، للتواجد هناك بصفة مراقب عندها نحن على استعداد على الأغلب للنظر في تلك الرغبة ولكن من جديد يجب الاتفاق على هذا كله والتفكير به".

سوتشي بهذه المعطيات، أنسب مكان لعقده هو دمشق، فالمؤتمر عبارة عن مظاهرة ومهرجان خطابي يتناوب المدعوون إليه إلقاء كلمات التمجيد والتأييد للنظام، واتهام المناوئين له بالخيانة والعمالة.

والسؤال، لماذا لا تعقده روسيا في دمشق؟

الجواب: لأنها تحتاج إلى المعارضة الحقيقية التي لا يمكن جلبُها إلى دمشق، وليس الوهمية التي يمكن جلب الآلاف منها إلى سوتشي أو إلى دمشق، أو إلى أي مكان آخر حسب رغبة النظام والروس.

إذن سوتشي مفتاحه السحري، ومرتكز نجاحه الوحيد هو حضور المعارضة المنصوص عليها في القرار 2254، والتي اندمجت في هيئة التفاوض المشكلّة في مؤتمر الرياض 2.

الخيار الوحيد الذي لا مفرّ منه أمام هيئة التفاوض أن ترفض حضور سوتشي، لأنها إن حضرت ستفقد قيمتها ومكانتها وشرعيتها الدولية والشعبية تماماً ستصبح مثل هذه المعارضة الوهمية المغلوبة على أمرها، والمجلوبة قسراً إلى سوتشي.

ما هو مبرر هيئة التفاوض لرفض سوتشي؟

لديها أكثر من مبرر:

1- كما اعترض النظام والروس على إدراج الموقف من مغادرة بشار الأسد للسلطة عند بدء المرحلة الانتقالية في بيان الرياض 2، واعتبروه شرطاً مسبقاً، وامتنع النظام عن الانخراط في جنيف 8 بسببه، واشترطوا سحبه، فإن حديث الروس عن عدم وجود مكان في سوتشي لمن يرفض بقاء بشار، يعتبر شرطاً مسبقاً، يجب سحبُه أولاً قبل الدعوة للمؤتمر.

2- عقد المؤتمر في روسيا الدولة المحتلة للأراضي السورية، والمشاركة في عمليات إبادة السكان المدنيين، يمنح الروس صكّ براءة من أعمالهم الإجرامية، ولا فرق أبداً بين عقده في حميميم، أو عقده في سوتشي، وكما كان الموقف الأخلاقي والإنساني قبل السياسي في رفض عقده بحميميم، هو كذلك في رفض عقده في سوتشي.

3- هيئة التفاوض بعد الرياض 2، تعدّ تطبيقاً حرفياً للقرار 2254، الذي تنعقد المفاوضات السياسية على أساسه، وهي المخوّلة بتسمية وفد المعارضة الذي يمثّل الشعب السوري المعارض للنظام، فمن صلاحياتها إلى جانب الأمم المتحدة حصرياً تسمية نصف عدد المشاركين في المفاوضات، ويعمل النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون على تسمية النصف الثاني الموالي للنظام.

4- إذا كانت الأمم المتحدة ترى كما جاء في إحاطة دي ميستورا 19 كانون الأول / ديسمبر 2017 أمام مجلس الأمن، أن سوتشي يمكن أن يعتبر "كمؤتمر مبكر للحوار الوطني في مكان خارج سوريا"، وأنه " إن تم إنشاء أي كيان له صلة بالمراجعة الدستورية خارج سوريا" "وكان هناك رغبة في أن يعمل هذا الكيان تحت رعاية الأمم المتحدة -فعليه أن ينبثق مباشرة من المحادثات بين السوريين في جنيف"، فالأولى أن تدعو الأمم المتحدة بدل الروس إلى هذا المؤتمر، وتعقده في جنيف فوراً، وتضع نتائجه أمام مجلس الأمن لتكتسب الشرعية الدولية، والصفة الإلزامية لتطبيقها.

5- وعليه فيجب على هيئة التفاوض أن تطلب من الأمم المتحدة عدم حضور سوتشي، وأن تتفق معها على عقد مؤتمر بديلٍ عنه في جنيف، وبإشراف ورعاية الأمم المتحدة، واستناداً إلى القرارات والبيانات الصادرة عنها.

6- يجب أن يكون جدول أي مؤتمر تفاوضي مطابقاً لبيان جنيف، وللقرار 2254، المتضمن "الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي" تُفضي إلى "إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوِّل سلطات تنفيذية كاملة، ويكون "باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرّك في ظلها العملية الانتقالية".